لا خوف على الوحدة الوطنية إلا من مستغليها

> د. عبد الكريم أسعد قحطان:

> ما يجري على الساحة اليمنية من حراك جماهيري سلمي بما فيه مطالبة السلطة بالاعتراف بقضية الجنوب إنما هو خطوة ضرورة لصيانة الوحدة الوطنية كما هو خطوة ضرورة لمحاصرة قوى الفساد التي استثمرت الوحدة لملء جيوبها وتصفية حساباتها السياسية مع الوطن ورموزه التاريخية المجربة .

الاعتراف بقضية الجنوب هو اعتراف بمدلول المواطنة المتساوية وبمدلول الوحدة الوطنية التي قدم لها الوطن اليمني بشماله وجنوبه أرواح بنيه وما كسبوه وما ورثوه بكل سخاء ومن غير مَنٍّ .

لم يكن الجنوب صباح الوحدة أرضاً مشاعة أو بلداً خراباً، بل كان مؤسسات عامرة وقطاعاً عاماً سائداً وثقافة مؤصلة وأصيلة وشعباً تسوده المواطنة المتساوية والتنافس الشريف في سبيل كل عمل وطني .

وحراك اليوم ما كان ليكون لولا أن صار الوطن قبراً والصمت كفراً .

لقد بلغت الوحدة سن الرشد ولم تبرح السلطة سن الطفولة من دون أن تملك براءتها.ثمانية عشر عاماً مضت من عمر الوحدة والوطن يزداد فيها خراباً بقدر ازدياد ثراء قوى الفساد من المتربعين على عرش السلطة، وعم الإحباط نفوس البسطاء قدر ما عم الغرور والعجرفة نفوس أصحاب الفيد .

ما من شك في أن الخراب لم يعف بيتاً من بيوت البسطاء في كل قرية من قرى اليمن، ولم تسلم منه نفس بريئة من دم الوطن، سواء أكانت فوق تراب الوطن أم تحته؟ وسواء أكانت شمالية أم جنوبية، شرقية أم غربية؟ غير أن المواطن اليمني في الجنوب تعرض لخراب مضاعف، حيث انتزعت منه مكتسبات كان حققها بيده وخبر نفعها فأهداها للوطن على أساس أن يظل هو يعمرها لتعمره ويصونها لتصونه ويثبت كفاءته فيها لتتثبت كفايتها له ولكل بسطاء اليمن قبل صعاليكه ومصاصي دمائه .

كان لديه قطاع عام يحتكر التجارة الخارجية ويضمن استقرار الأسعار في السلع الغذائية خاصة مراعياً الكفاية الشرائية للبسطاء ومتوسط مداخيلهم وهو أمر لا يعني فقط خلق استقرار معيشي لعامة الشعب بل - أكثر من ذلك- يعني تمكين البسطاء خاصة من تحقيق مطالب عقولهم وصون أرواحهم من فساد الدنيا .

ثم جاء من يحرم على هؤلاء احتكار خبزهم ويحلله للسماسرة والفاسدين الذين يزداد ثراؤهم بقدر ما يزداد جوع الناس وأنينهم .

كان في الجنوب نظام تعليم إلزامي ومجاني يجعل الطالب منذ الوهلة الأولى يحس أنه ابن الوطن يعيش على حسابه ويتأهل له فلا يتأثر بظروف أسرته ولا يعيقه معيق عن تحقيق طموحاته، ومع هذا النظام التعليمي المجاني تطبيب مجاني يجعل كل مواطن يحس بأنه يتعالج بأنامل الوطن لا بأنامل النقود، التي قد لا تتوافر لديه أو لدى ذويه وأهله فيمد لها كرامته متسولاً ذليلاً وقد لا يجدها فيموت .

وكان في الجنوب قانون لحماية الأسرة - على الأقل- من المراهقة المتأخرة لأحد الأبوين على حساب الأبناء، فاستبدل بأعراف عتيقة لا تستثير المراعقة المتأخرة في الأسرة فحسب بل وفي السلطة الحاكمة نفسها .

فإذا أضفنا إلى ذلك كله طرد الناس من أعمالهم أو إقصاءهم من السلطة وحجب حقوقهم الوظيفية أو عرقلتهم عن الحصول عليها واستحواذ المتنفدين على منازلهم وعلى أراضيهم وتعطيل وجه من وجوه الحياة التي تعودوا عليها طيلة حياتهم، ولا يغرّنك شموخ البنيان الأسمنتي وانتشار الفنادق ومحلات التجميل والإناء الفاخر، فلا يملك منه البسطاء سوى الإحساس بقصر قاماتهم وقلة ثمن المبادئ الوطنية التي جبلوا عليها، ولم تمكنهم من شراء أبسطه .

الاعتراف بقضية الجنوب إذن ليس تسليماً بتمزيق الوطن بقدر ما هو انتزاع حقوق هؤلاء البسطاء من مغتصبيها ،إنه وبكل تأكيد خطوة الضرورة على طريق نصب أعواد المشنقة للفساد الذي جعل الوطن كله مستعمرة يعبث بها وبحقوق أهلها كيف شاء .

فلتبدأ السلطة -إذن - إجراءتها الحاسمة لاسترداد هذه الحقوق التي تصون الوحدة الوطنية، وتحفز النشاط الإبداعي والحضاري في كل خلايا الوطن وإلا فإنها تنصب المشنقة للنظام الوطني برمته وليس لها أن تبرأ من فعلها .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى