دعوى على والدي لأنه تلقى هدية من محمد عبدالله باسندوة ويوسف خان يمتلك أغلى مجموعة طوابع في عدن

> فاروق لقمان:

> يتحدث الوالد محمد علي لقمان قبل نيله شهادة المحاماة عن قضية حدثت عام 1917 كان والده على إبراهيم رحمه الله طرفا فيها، لأن أحد مواطنيه اتهمه زورا بتلقي رشوة بينما كان موظفا حكوميا بارزا. لكن الرشوة كانت عبارة عن طوابع بريد مستعملة كان جدي يجمعها لولده ليتعلم منها أسماء الدول وعواصمها وما يتبع ذلك من تاريخ وجغرافيا كما فعلنا بعد ذلك بعدة عقود، ومازلت أتذكر بوضوح أن أفضل مجموعة طوابع بريد رأيتها برفقة الوالد كانت ملكا لأحد أبناء السيد يوسف خان أو لعله السيد يوسف نفسه الذي مايزال بيته الشامخ مقابلا لسينما هريكن التي بناها السيد محمد حمود والد السيد العزيز طه محمد حمود الذي لايزال يمتلكها أطال الله عمره. وقال لي والدي الذي صحبني معه وكانت أول مرة أعرف ذلك: «إن الطوابع يمكن أن تساوي ثروة إذا ما كانت نظيفة للغاية ومرتبة في ألبومات أنيقة ولا تشوبها شائبة». ولما زرت لندن طفت في معرض شركة ستانلي جيبونز أشهر بائع ومشتر للطوابع المستعملة في العالم، وفهمت ما قاله الوالد آنذاك. ولا أعرف منذ خمسين عاما ما حدث لمجموعة السيد يوسف خان وأين أضحت تلك الثروة الغالية بعد وفاته.

ويواصل الوالد حكايته: «في عام 1917 بعث الشيخ محمد عبدالله باسندوة لوالدي مظروفا يحوي طوابع بريد مستعملة كان أبي يجمعها لي، ويقدم بعضها هدية لأصدقائه من الإفرنج الذين كانت هوايتهم جمع طوابع البريد ولاتزال، وكان باسندوة صديقا لأبي حميما، ولكن ذلك المظروف مع خطاب قصير وقع في يد كاتب عرضحالات هندي، كان مشهورا بكتابتها ومحصوله منها وافر، ولكنه كان لا يحب أبي الذي كان ينتقد كتاباته لأن أبي كان صريحا في كلامه حادا في نقده. ولما تلقى الهندي الظرف وما حواه كتب عليه خطابا باللغة الإنجليزية وأرسله إلى الميجر ود، معاون والي عدن الأول قال فيه: «إن علي إبراهيم لقمان يأخذ الرشوات من الناس، وهذا المظروف ومحتوياته والخطاب المرفق به دليل قاطع على ذلك». ونادى أبي الميجر ود وسلمه الخطاب وقال له: «خذ ودافع عن نفسك».

وجاء أبي يطلعني على تلك التهمة ويقول إنه إذا تقاعس عن طلب رد الشرف فسيعود عليه تقاعسه بضرر وشيك فوافقته وقدم دعوى (رد اعتبار) شرح فيها أن الهندي الذي اتهمه بالرشوة عن سوء نية، يستهدف الإضرار به وإلا فإن طوابع البريد المستعملة التي أرسلها له الشيخ محمد عبدالله باسندوة لاتساوي شيئا ولا يطلب باسندوة من أبي عملا يقوم به له مقابل ذلك اللاشيء، وحالا ألقى البوليس القبض على الهندي وأفرج عنه بضمانة.

وبدأت الدعوى وحضر الشيخ باسندوة وكان رجلا كبير الجسم، صافي اللون، ضحوكا، فقال للحاكم إنه كان يقذف بهذه الطوابع طوال السنين في الزبالة، ولما وجد أبي مهتما بها جمعها له لأنه صديقه. وأراد المتهم الهندي أن يثبت أنه شتم والدي عن حسن نية، وذهب يجند الشهود، وجاءوا يشهدون في المحكمة، بعضهم عدنيون كانوا من جيراننا وبعضهم أجانب، فشهد بعضهم أن أبي أقام لي مخدرة وتحصل فيها على 30 ألف روبية، وكان في ذلك كثير من المبالغة، ولكن الشهود اعترفوا أن المخادر وإقامتها عادة قديمة بين الناس يتبادلون فيها الهدايا، وبعد أخذ ورد أمرت المحكمة بغرامة ألف روبية على الهندي ونفته الحكومة من عدن إلى بمبي حيث بقي سنوات طويلة وعاد وقد شاخ ونسيه الناس.

في تلك الدعوى لعبت دورا في الإعداد لها ومقابلة الشهود وتحضير الحجج، وكان عدد من الناس مهتمين بتلك الدعوى، منهم الحاج علي خليل وحسن عبدالهادي وعبدالله ولي شابسي ومورارجي إندارجي وعبدالله محمد جبلي وعبدالله محمد الزليخي وغيرهم، بعضهم في جانب والدي وبعضهم ضده، واشتكى علي أحدهم أنني كنت مؤثرا على الشهود، وخرج إلي الميجر سترونج في المحكمة يسألني أي حاجة لك في المحكمة فقلت له إن حاجتي أبي.

وفي تلك السنة جاءني الدكتور قبطان بننج من رجال الجيش، وطلب مني أن أعلمه اللغة العربية، وقد أخبره عني أحمد علي حريري الذي اقترح علي أن ألتحق بخدمة بيت كلايتون غالب وشركاهم في عدن وكان مدير الشركة لويس الخازن من لبنان، والبيت يحتل الدار الذي يسكنه حاليا محمد عمر عقبة مقابل فندق متروبول، فالتحقت بهذه الشركة وأصبحت صديقا لمديرها لويس الخازن الشاب الفاضل الطيب القلب، وصديقه ألبرت صفير الذي دامت صداقته لي منذ 1917 إلى اليوم لم تتعكر.

التحقت بمرتب قدره 75 روبية شهريا، وفي أقل من عام بلغ مرتبي 225 روبية، وسافر المدير إلى القاهرة للتداوي وتوليت الإدارة.

وكانت الشركة تستورد قماش القطن من مانشستر في بريطانيا والبن والجلود من الحبشة لتحويله إلى لندن.

وفي غياب المدير لويس الخازن بعت على تجار عدن بما يساوي 25 ألف جنيه من القماش وشحنت على ظهر الباخرة (ولزي هول) الإنجليزية 1200 عدة بن حبشي و3500 ربطة جلود بقري، واستفاد من تلك التجارة عوض باذيب من العرب وشليمي نسيم ومناحم يهوذا من اليهود، وعدد كبير من التجار البانيان منهم هيراشند سندرجي وبجوانداس ديوجي ومرارجي أندرجي وجامناداس نمشند وبرمانند لالجي وغيرهم، وكان دلالي جرذر دامودار معروفا بابن داما، وعدد من الدلالين يشتغلون معنا ومع جيراننا من التجار بيت إنريكو إنشتاين ودلسزيان فريرس وشايلدس بارو جوزف وهربرت وتورث، وفي تلك السنة كان المستر بات المحامي اليوم مايزال كاتبا بسيطا في بيت إنريكو إنشتاين، ودلالهم علي منيباري وحندلة دعالة، وهما من أهل المعروف والجميل».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى