أيضا الحديدة تؤكد أننا أمام سلطة قبيلة لا سلطة دولة

> محمد عبدالله باشراحيل:

> من المعروف تاريخيا أن مرحلة حكم القبيلة هي المرحلة التي سبقت حكم الدولة، وإن حكم القبيلة في القدم يستمد قوته من وحدة وعصبية أبنائها، والتظاهر بالقوة والتعالي على طريق قول الشاعر:

إذ بلغ الرضيع لنا فطاما

تخر له الجبابر ساجدينا

وعلى مبدأ السطو والبسط على الأرض والأموال لتأكيد هيمنة القبيلة وتصدرها للحكم الذي تنظمه الأعراف وليس القوانين والمؤسسات، وهذا المبدأ نفسه قائم في حكم القبيلة الراهن الذي يجعل من الدولة شكلا ديكوريا يظهر بها أمام العالم، ولكنه في مضمونه يحمل كل أدوات حكم القبيلة القديم من خلال السيطرة على مفاصل السلطة، وفي مقدمتها الجهازان الأمني والمالي، مع الهيمنة على الوظيفة العامة، وتسيير السلطتين التشريعية والقضائية، وبالتالي التربع على السلطة التنفيذية والتصرف دون حسيب أو رقيب، حيث تلعب القبيلة دور الحاكم والمعارض في آن واحد، وضمن سياسة توزيع الأدوار في محاولة منها لإقناع دول العالم والمنظمات الدولية بأنها تتعامل بإيجابية مع التطورات المطروحة والتغيرات المطلوبة، وفي مقدمتها الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذه الحالة تذكرنا بحال الشخص الذي (كذب ثم كذب فصدق نفسه) كما أن الواقع العملي في الساحة يؤكد لنا عكس ذلك، فالأوضاع في المحافظات الجنوبية مثلا تظهر أنها قد انحدرت من حكم الدولة وتراجعت إلى الوراء إلى حكم القبيلة، وكل الوقائع تدلل على أن أبناء القبيلة يهيمنون على مفاصل السلطة وأهم الوظائف فيها وعلى كافة الأجهزة الأمنية المختلفة وتهميش أبناء تلك المحافظات، وتتجسد هذه السياسة مثلا في تكوين اللجنة الأمنية بمحافظة شبوة التي لايوجد فيها حتى عضو واحد من أبنائها، ناهيك عن سياسة القبيلة التي يمارسها المتنفذون والمتمثلة في العبث بالثروة والمال العام والسطو المستمر على الأراضي في المحافظات الجنوبية، ومنها ما تشكو منه حاليا منطقة الرويضات بمديرية حريضة في حضرموت، المكتشف بها النفط حديثا، كما أن مسألة التعالي تظهر بشكل سافر في بعض الدوائر الرسمية التي يكون فيها الشخص الأول (المدير) من خارج القبيلة والشخص الثاني (نائب المدير) أو الثالث من القبيلة، فإن القرارات النافذة والفاعلة هي للشخص الثاني، لتأكيد التصدر للقبيلة فذلك جزء من عقليتها وتفكيرها.

وما شاهدته في محافظة الحديدة عند زيارتي الأخيرة لها قبل أيام أكد لي شكلا ومضمونا حكم القبيلة فيها، ففي جولتي تعرفت على الأراضي العقارية والمزارع التي يمتلكها المتنفذون فيها، والغالبية منهم هم أنفسهم المهيمنون على الأرض في عدن وأبين ولحج وحضرموت، أي أن الحديدة تؤكد ما نقوله ونعتقده، إننا أمام سلطة قبيلة لا سلطة دولة، وما علينا إلا أن نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر.

* كبير خبراء سابق بالأسكوا الأمم المتحدة.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى