العيدروس منطقة مذكورة في التاريخ منسية في الحاضر ..في العيدروس فقر وبطالة وحمير !!

> «الأيام» فردوس العلمي:

>
عدن مدينة الأحرار والثوار، توجد فيها منطقة كريتر (فوهة البركان) الذي خمد، لتنام على قمته مدينة بكاملها بأمان بأناسها وأرضها.. اليوم لنا جولة في إحدى مناطقها (منطقة العيدروس)، وهي من أشهر مناطق مدينة عدن، تحل تلك المنطقة في قلب عدن، وتتربع على عرش التاريخ والسياحة لوجود معلم من معالم عدن التاريخية فيها (جامع العيدروس)، الذي يقال أنه بني في عام 980هـ- 1470م، والذي يعتبر رمزاً دينياً و مزاراً سياحياً يؤمه السياح من كل مكان، ورغم هذا حين تبحث عن هذه المنطقة في الحاضر تجدها تتمسك بذيل القائمة بضراوة لتدافع عن حقها في الوجود، هذه المنطقة كان لها دور في النضال كباقي مناطق مدينة عدن، التي تقاسمت الكفاح لتوجد لنا مدينة عدن مدينة المستقبل، التي حلم بها الجميع يوم خروج آخر جندي بريطاني منها.

منطقة جبل العيدروس اليوم وبعد أربعين عاماً من التحرر تعيش وضعا اجتماعيا واقتصاديا مزريا تبكيه العين ويـتألم له الفؤاد، حين تجد كل سكانه يعيشون ساعات اليوم بكفاح مرير لإيجاد لقمة العيش، حتى الأطفال لم يستثنوا من ذلك، وحتى في وقت إجازة نصف العام الدراسي، تجد أطفالها يعملون في بيع البطاط (أبو حمر أو بالكاري أو بيع الأيسكريم) ولسان حالهم يقول «دخلها نواية تسند الزير».. يعملون في صمت وثقة واقتناع بأن هذا حالهم وحال من سبقهم. مستقبل مظلم مملوء بالسحب السوداء التي تركت أثرها على نفوس الأطفال حين يرون شباب المنطقة وإخوانهم الجامعيين وخريجي المعاهد التقنية والفنية في حالين لا ثالث لهما، أما الجلوس على الرصيف يندبون حظهم، أو ممارسة المهنة الوحيدة المتاحة أمامهم، وهي العمل على ظهور الحمير، ذلك الحيوان الموصوف بالصبر والذي أصبح شباب المنطقة أشد منه صبرا، وهم يعيشون السنوات الأولى من الألفية الثالثة في حال من عاش قرون ما قبل التاريخ .

من هذه المنطقة الصامدة صمود جبلها ننقل لكم معاناة يعيشها سكان المنطقة بكل جبروت وقسوة الظروف للبقاء على قيد الحياة، ومن أجل بقاء المنطقة على خارطة الوطن، وحتى لا تكون منطقتهم منسية لا تذكر إلا عند قدوم فوج سياحي زائر يقضي ساعات نقاء وهو يبحث عن تاريخ منطقة تاريخية منسية في حاضرها.

عديدة هي المناظر اللافتة للنظر والموجعة في هذه المنطقة، حتى أنك تحتار أي منظر يستحق أن ينقل؟! فإذا نقلت لكم مناظرها كاملة، فإنه لا تكفيني حلقة واحدة، وإذا حاولت نقلها كاملة في حلقات عدة، فربما يصيبكم الألم والقهر، فرفقاً بكم سأنقل لكم بعض مناظرها. ومن يحب أن يرى منطقة جبل العيدروس على حقيقتها، فبزيارة قصيرة إليها وأجرة الباص لا تتعدى عشرين ريالا توصلك إلى ساحة المنطقة، وإذا أحببت أن تتنقل في أزقتها وتصل إلى أعلى مناطقها ستجد أول وسيلة نقل استخدمها البشر في العصور السابقة بعد أن كان يسير على قدميه (الحمار).

المشهد الأول

انطلقت بالسيارة إلى منطقة العيدروس وفي فكري تتوارد الذكريات حين كنا نحضر لزيارة (العيدروس) ونحن صغار، حيث المنطقة محدودة السكان، يعيشون كأنهم أسرة واحدة، كل أبوابها مفتوحة ولا تغلق إلا عند المنام. وصلت إلى ساحة المنطقة فوجدت ملامح المنطقة قد تغيرت كثيرا، والشيء الوحيد المتبقي منها اسم المنطقة، ومسجدها العتيق، الذي لم تطله يد الترميم خوفا من تغير ملامح المسجد، فمسجدها مايزال حاملا ملامحه السابقة.

في هذه الساحة لفت نظري تواجد الحمير بكثافة، وشباب يعملون عليها بنشاط، ليس لديهم وقت للحديث، فالساعات تمر ولابد من إنجاز العمل. المنطقة بحاجة إلى التوسع بعد ازدياد عدد سكانها بعد الوحدة، وتسآلت لو أكمل هؤلاء دراستهم ربما وجدوا لهم الوظيفة المناسبة؟، وكانت المفاجأة التي أخرستني أن أغلب الشباب جامعيون وخريجو معاهد تقنية، لكن قست عليهم الظروف وأجبرهم الحال على استخدام الحمير كمصدر رزق لتحسين وضعهم المعيشي.

الحجة مريم
الحجة مريم
المشهد الثاني

ما أقسى الأيام والسنين حين تجعلك في حالة انتظار دون أمل، وأنت في انتظار غائب لا يعود!!. في أحد أزقة منطقة العيدروس تسمع صوتا يشبه الأنين يأتيك من خلف أحد الأبواب (أعطني سجارة)، وتساؤل موجع (شفتي أخي عبدالله؟ لي يومين ما شفته)، كان هذا صوت الحجة مريم ناصر عبدالله الصبيحي التي وصلت إلى (أرذل) العمر.

مريم كانت ناصرية تعشق القومية، رمزها الزعيم العربي الخالد جمال عبدالناصر، مات جمال ومات عبدالله أخوها عائلها الوحيد، مات عبدالله قبل عشرين عاما، وانتهت القومية العربية، فتوقف عقل مريم من تلك اللحظة لتبقى جسدا تنبض فيه الروح، قابعة على مدخل باب المنزل تنتظر عودة أخيها عبدالله الغائب في نظرها والميت في واقع الحياة.

مريم تعيش حاليا في عزلة عن الدنيا ومجرياتها، وتعيش في منزل افتقد للنظافة، وقطع عنه الماء والكهرباء، بعد أن عجزت عن دفع فواتيرهما، فليس لها أي مصدر دخل!.

مريم تعيش في ظلمات متعددة، ظلمة نفس، وظلمة مكان، فهي فاقدة للبصر وحيدة، وظلمة تجاهل الجهات المعنية، وأكاد أجزم أن اسمها لم يذكر في قوائم صندوق الرعاية والضمان الاجتماعي والإداري، فهل يعلم بوجودها المجلس المحلي بالمحافظة؟!.

وإذا رجعت بالتاريخ إلى أكثر من ثلاثين عاما، فإن مريم كانت تدعى باسم (جمال) حين تسير في الطرقات، حيث كانت معروفة بعشقها للقومية ورمزها الخالد جمال عبدالناصر.. مريم كانت دائما في الصفوف الأولى للمظاهرات، ترفع الشعارات وتهتف باسم جمال والقومية، ورغم مرور السنين ماتزال مريم تعيش ماضيها في حاضرها، وترفض تقبل فكرة انتهاء القومية أو موت أخيها عبدالله ورمزها القومي جمال عبدالناصر.

مريم تعيش في منزل يفتقد إلى أبسط مقومات الحياة، ليس لديها فرش أو حتى شيء يستر جسدها النحيل، غير قميص أكل عليه الدهر وشرب، وحين يشتد بها البرد تتكور كطفل صغير محاولة في ذلك تدفئة جسدها النحيل من زمهرير الشتاء. وهي من كانت تمتلك البقر، فمن تبقى من أهلها فضلوا البقر عليها، فأخذوا البقر وتركوها تواجه مصيرها المؤلم.. لم يبق لها غير جدران متهالكة وباب ربما لا يقفل عليها.

جيران مريم- جزاهم الله خيرا- يعملون على تقديم وجبات الطعام اليومية لها، وشبابهم يتبرعون لها بالسجارة، ولكن همسة عتاب لأهالي منطقة العيدروس، لا أحد يموت من الجوع.. لكن مريم بحاجة إلى النظافة الشخصية ونظافة منزلها، فهل فقدت العيدروس من يقوم بتنظيف مريم وتنظيف منزلها والتبرع لها بفرش ووسادة وملابس نظيفة ولو حتى مستخدمة ترتديها؟!، فالنظافة من الإيمان وأنتم مسلمون، ونبينا أوصانا بسابع جار. مريم حين تنظر إليها يتبادر إلى ذهنك سؤال: أين أهل الخير وأين الجمعيات الخيرية التي أصبح عددها يفوق تعداد سكان المحافظة، لكن دون جدوى، لتعيش مريم بهذه الحالة.

أطفال يبيعون البطاط والايسكريم
أطفال يبيعون البطاط والايسكريم
المشهد الثالث

في هذه المنطقة الكل يعاني، المسن والصغير والكبير، فهذا أمير أحمد عثمان (طالب في أول ثانوي) يتحدث والدمع يترقرق في عينيه: «هجرنا والدي بعد أن عجز عن تحمل مصاريفنا نتيجة هذا الغلاء، وأمي بلا عمل، ورغم هذا استطاعت أن تكافح معنا، وتخرّج أخوي من الجامعة (تخصص إنجليزي)، وكان أمل أمي كبير بأن يجدا عملا بشهادتيهما، ولكن للأسف هما بلا عمل، وشهادتاهما لم تنفعهما، وتعب أمي وأخوي راح على الفاضي».

أمير رغم صغر سنه لكن له رأي مخالف عن كل ما تحدث عنه أهالي المنطقة، إذ يقول: «رصف الطرقات استهلك ميزانية كبيرة (بالمليارات) كان الأفضل أن يعملوا بها حل لتوظيف الشباب، وإيجاد فرص عمل لهم، وأن يوفروا لنا بها المواد الغدائية الضرورية، فأهالي المنطقة أغلبهم فقراء، وفيها الكثير من الأرامل واليتامى، و لايجدون من يعولهم!، وكل شيء سعره ارتفع!، ويسأل إلى متى هذا الوضع وإلى متى سنعاني؟!».

المشهد الرابع

أحمد سعيد أنور، خمسة وعشرون عاما، لم تمنعه الإعاقة من مواصلة دارسته، لكن منعته من الحصول على عمل، يقول أحمد المعروف بمنطقة العيدروس بأحمد (القزم): «واصلت دراستي وحصلت على دبلوم ميكانيكا، ولي أربعة أعوام من التخرج ولم أحصل على وظيفة». وأضاف أحمد: «بعد أن عجزت عن الحصول على وظيفة فتحت كشكا ليكون لي مصدر دخل، وتم إزالة الكشك بحجة توسعة الطريق، وبعد انتهاء العمل واجهنا الكثير من الصعوبات لإعادة الكشك، والحمدالله عاد إلينا الكشك».

وعن سبب عدم حصوله على وظيفة يقول أحمد : «طلع اسمي في كشف الوظائف، ولكن للأسف تم إسقاط اسمي من قبل وزارة العمل، وأعطوا وظيفتي لشخص آخر، بحجة أنه كان يعمل مؤقتا، وطلبوا مني تسجيل تظلم، وبعدها أعطوني رسالة إلى المؤسسة العامة للمياه، ولكن للأسف لم يقبلوني، وللمرة الثانية وزارة العمل تعطيني رسالة موجهة للمحافظ الذي بدوره وجه رسالة لمدير المياه، وحتى الآن لم يتم البت في طلبي.

نتمنى أن تتفاعل معنا الجهات المعنية وتحفز الشباب من خلال إيجاد وظائف لهم.

وأتمنى من صندوق المعاقين أن يراعوا المعاقين، وأن تهتم الشؤون الاجتماعية بنا». أحمد رفع مناشدة إلى وزير الخدمة المدنية عبر صحيفة «الأيام» ويتمنى أن تلقى مناشدته استجابة..

غدا نكمل لكم المشهد الآخر في منطقة العيدروس.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى