الفاس والجنضال والشجرة

> سعيد عولقي:

> كأنما موجة البرد القارس (السقعة) التي تمر بعدن وغيرها إشعار رباني بأن الطبيعة هذه التي لانعطيها حقها الوافي من الاهتمام قادرة, وقدرتها على صنع الأفاعيل لا حدود لها- لولا لطف الله تعالى بنا- في هذه البقعة التي لاتزيد عن رأس دبوس, بل وأصغر عند وضعها في المقارنة مع الكون الكبير اللامتناهي الأطراف.

عندنا في مكان (الجسة) شجرة واحدة باقية من الأشجار الباسقة التي تقاوم بشموخ وعنفوان لاينضب معينه تقلبات الأهواء والأجواء، وهي واحدة من ثلاث شجرات متقاربات المسافة والعمر (ربما كانت الأشجار هناك أكثر في عهود لم أدركها، لا أنا ولا أصحاب الجسة من الأصدقاء).

وأذكر أن الحديث عن الطقس جرنا إلى الحديث عن الأشجار، فلم يذكر أحد زمن قطع الشجرة الأولى، لكني أذكر أن زمبليطة كبيرة قد حصلت في الحافة عندما قطعت الشجرة الثانية من فوق الجذر بذراع، وبقي ذلك الجذع شاهدا على قلة ذوق بعض بني البشر الذين لايهمهم إلا الساعة التي يقضونها في لعيص القات، ثم ليكن ما يكون.. ياناس الله أنا أظن إنه في قانون يمنع قطع الأشجار في المدن، وهو مايزال ساريا، لكن تكلم من من الموالعة! من الحالين الضالين من كل أبو ذبيلة استحلوا وجود الجذع ونظافة المكان المبلط من حواليه فجعلوا منه مدكى أو متكى، مع إضافة بعض الهلاهيل من بقايا الطراريح والمخد، وتقع لك تخرينات على مدار اليوم.

بعض الناس الذين يعادون الأشجار يعتقدون أنها سبب تكاثر النامس، ولهذا فإن أي منهم إذا وجد فرصة أو سلطة أو رخصة بايقطع الشجر القليلة اللي عادها باقية في المدينة، وهي من الأصل تكاد تكون معدودة ويا قلب لاتحزن..! من ناحيتي أنا أشوف أنه يكون هناك قانون زي دولة الإمارات، يعاقب عقوبة شديدة من يقطع شجرة، وتكون هناك حوافز وبرامج غرس الأشجار على طول طرقات المدن، وحتى الحواري الترابية، إذا بقي فيها نفس ولم يبطش بها بعد أحد.. لكن بصراحة على إيش قانون ومانون وما أدارك، ونحنا بلاد مافيش فيها أكثر من القوانين.. ومافيش حد يطبقها ولاحد يتابع تطبيقها!.

أما إذا جدلنا على الأشجار بسبب تفشي الملاريا وخصوصا بين الأطفال، فلا أحد يقوم يحمل الأشجار السبب في هذا المجال، لأنه كما قدكم داريين مافيش لها دخل في المسألة، وبعدين يا عيوني قدكم داريين بقلة الأشجار عندنا في عدن والشافي المعافي هو الله سبحانه وتعالى.. وبالنسبة للشجرة اليتيمة الباقية على الرصيف مكان (الجسة) حقنا كانت باتستوي معركة حامي غبارها بسببها.. ذلك أنه في ذات مساء من الأماسي- الله يمسيكم بالخير- فوجئنا نحن وأهل الحافة برجل طويل البنية عريض المنكبين شلولخ- على قولة عادل إمام- يسير نحو الشجرة وبيده فاس من النوع المتوسط إلى أن وقف قدام الشجرة، وقال (بسم الله الرحمن الرحيم) وخلع ساعته السيكوفايف، والتفت ناحيتنا وهو يقول: «هيا عن إذنكم يا جماعة، أنا بيني وبين الملاريا ثأر، واليوم با اتخارج من هذه الشجرة الملعونة»، وما إن أكمل كلامه حتى رفع يده بالفاس.. وقبل ما يواصل قفز نحوه عميد الجسة الأخ حسن فرور وهو يصيح به: «أوقف خليك مكانك حسك يلمس الفاس حقك الجذع.. هذا جذع شجرتنا» قال الرجل الشلولخ: «شجرتكم من متى؟! الناس على طول الأيام نازلة تقطيع في الأشجار، ولا حد يكلمهم، ليش إلا أنا؟!» وانضمت جماعة الجسة إلى عميدها واتوالموا عيال الحافة، ووقعت لك هيصة.. تخلى الرجل الشلولخ عن الفاس وطرحة عند يوسف مرفدي بيزمه أومزمه، زيما تشتوا، وعندما هدأت الأحوال ولم تقع الفاس في الشجرة، بدأت أهل الجسة مع الرجل الذي ترك الفاس راضخا بدلا منه لحوار العقل، وتخلل الحوار مسائل علمية عن أهمية تشجير المدن، وارتباط الخضرة بالمطر وبراحة النظر وإشراق العيون والنفوس، وقدم حسين اللحجي ورقة عمل بعنوان (الجنضال وعلاقته بالجهاز الهضمي للإنسان) واستفدنا كثيرا خاصة أنا شخصيا، استفدت لأني لأول مرة أعرف أن الجنضال هو الباذنجان نفسه، بس الفرق في الأسامي.. وختاما أذكركم بقول الأخ المحافظ: «ازرع شجرة وارعها لتكون مدينتنا جميلة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى