(الغربة ليست وطنا)

> «الأيام» د. هشام محسن السقاف:

> (الغربة ليست وطنا) جديد الأستاذ سالم صالح محمد، مستشار رئيس الجمهورية، والسياسي المخضرم الذي لايفصل السياسة عن بُعدها الثقافي حين يطل من وراء كومة الانشغال والاشتغال بها على الثقافي والمعرفي، ناهيك عن الاجتماعي وحضور شخصه الطاغي فيه. والكتاب هذا خير شاهد على ما أقول فـ (الغربة ليست وطنا) لعلها تأتي ضدا على (الإنسان حيث وجد) التي قالها الأستاذ أحمد السقاف يوما في رده عن سؤال يتقصى مكان ولادته*.

لكن القراءة الأولى لـ (غربة سالم صالح محمد) يتضح فعل القسر فيها، وعبث السياسة في صنع تراجيديا لها، فهي نتيجة وليست سببا.

يقول الأستاذ سالم بما هو أكثر مما قلت: «لعن الله تقلبات السياسة وتضارب المصالح، فهي سبب كل ما عشناه من وحشة وحنين وأشواق، قيدت أفراحنا وحدت من سعادتنا، لو أن الحوارات والمفاوضات وصدق النوايا توفرت، لما حدث شيء من هذا القبيل، لو أن الناس أتقنوا المساومات السياسية من أجل مصلحتهم جميعا، وتحلوا بالتسامح السياسي مع بعضهم، وقدموا بناء الوطن على العداءات الشخصية الضيقة العديمة المعنى لما كنا وصلنا إلى ما وصلنا إليه» مقدمة (ص3).

ولعلنا نقر في اليمن بحجم النزوح بشقيه النفسي والمادي، كنتاج لسلوك في السياسة لايستقيم على منشأ العدل والتسامح والاحتكام في شؤون الحياة للقانون، وإنما بالحسم الذي تمليه موازين القوة التي إن مالت إلى فئة التهمت فئات أخرى.. ويظل المشكل قائما.

يقول زميل حياة سالم صالح ورفيق دربه الأستاذ فضل النقيب: «سالم صالح محمد يتحدث ما بين الدفتين من القلب إلى القلب، وهو يقارب التاريخ وليس بمؤرخ، فهو كالمجتهد إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد، ذلك أن نواياه صادقة، وإنما الأعمال بالنيات، ولقد استشعر أن فيما نشره وينشره وسينشره فائدة للناس لايريد لها أن تذهب هدرا، فلربما جذبت إسهاماته آخرين من شهود المسيرة، ليقولوا كلمتهم قبل أن تمضي بهم الحياة إلى حيث لا كلام ولا كشف ولا حوار، وفي الأخير فإن الحياة (بانوراما) كاشفة ترسمها الأفعال، وتدونها الكلمات وتغنيها الحكمة ويديمها حب الإنسان، باعتباره القيمة العليا المعول عليها في موازين الخير والشر والإنجاز والتقصير، وكفى بذلك حسيبا» توطئة (ص8).

ولقد أفرد الأستاذ سالم صالح محمد جزءا من كتاب (الغربة ليست وطنا) للثقافي المتأصل فيه تحت عنوان: (من ساحة السياسة إلى واحة الثقافة) والاختيار موفق- هنا- بأن يكون للسياسة ساحة بكل متناقضات الساحة كمكان، وللثقافة واحة بكل تجليات الخضرة والماء والانسياب الروحي والتفكير السوي.

وإننا نقتنص في كل مراحل الكتاب ما بين الغلاف والغلاف انشداد السياسي سالم صالح للأدب والثقافة، وتتناثر أشعار القدماء والمحدثين من امرئ القيس إلى صلاح عبدالصبور، ومن الزبيري إلى البردوني، ومن أبي فراس إلى الخالدي الشاعر الشعبي المعروف، إلى أبي الفارض الشاعر الصوفي المعروف والشاعر العالمي طاغور، ولا شك أن للنشأة في عدن وتلقي علوم الدين والأدب والتربية على أيدي «أساتذة ومفكرين وشعراء، جعل العقل والنفس تتقرب إلى الأدب والشعر والنثر منه على وجه الخصوص، في تلك الأيام التي كانت البلد مستعمرة واقعا، ولكنها حرة عقلا، حينها كان للشيخ محمد سالم البيحاني والأستاذ مصطفى بازرعة والأستاذ أحمد حسين المروني والعلامة قاسم غالب والأستاذ محسن العيني والأستاذ سالم زين والأستاذ الشاعر عبد الرحمن فخري والأستاذ علي أحمد السلامي مع غيرهم من الأساتذة والقادة الوطنيين والبعثة التعليمية السعودية التي رأسها الأستاذ القدير أحمد محمد علي رئيس المؤتمر الإسلامي حاليا..». (ص155).

يقع كتاب (الغربة ليست وطنا) في 325 صفحة من الحجم المتوسط، وقد طبع طباعة راقية في مطابع التوجيه المعنوي، وأعده وراجعه سعدي ديان ولطفي فؤاد أحمد نعمان، وشملت موضوعاته: المقابلات واللقاءات والتصريحات والمقالات الصحفية التي نشرتها عدد من الصحف اليمنية والعربية في سنوات غربة الأستاذ سالم صالح محمد حتى عودته إلى أرض الوطن تشاركت فيها: «الشروق» الإماراتية و«السياسة» الكويتية و «الشرق الأوسط» و«الخليج» و«الاتحاد الظبيانية» وصحيفة «الزمان» اللندنية و«المستقبل» اللبنانية و«الحياة» اللندنية و«الأيام» و«البيان» الإماراتية و«القدس العربي» و «26 سبتمبر» و«الوحدة» و «الوسط» و«الفرسان» و«عكاظ» و«إيلاف» صحيفة المعارضة ووكألة (سبأ) و (رويترز).

واشتمل الكتاب على وثائق وتغطيات إعلامية وقرارات جمهورية، وكذلك الزوامل والقصائد الشعرية المهداة إلى الأخ سالم صالح، وما كتبه كتّاب عنه، بالإضافة إلى ألبوم الصور التي توثق لمراحل مختلفه من حياته على امتداد سنوات النضال والعمل السياسي الطويل.

* أو أنها اتفاق وجداني مع الشاعر أبي تمام في قوله:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى

ما الحب إلا للحبيب الأول

كم منزل في الأرض يألفه الفتى

وحنينه أبدا لأول منزل

ومع أن فعل الإرادة للإنسان واضح هنا، فإنه يتضح- أيضا- في البيت التالي للشاعر نفسه بمعنى مغاير تماما:

وطول مقام المرء في الحي مخلق لديباجتيه فاغترب تتجدد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى