«الأيام» ترصد عددا من المشاهد والقضايا والوقائع الحية المؤلمة بمدينة العوابل عاصمة مديرية الشعيب ..مدينة تحاصرها القمامة وتركمها المجاري وتخدش وجهها العشوائية
> «الأيام» محمد الحيمدي:
حمامات السجن
مقلب للقمامة
كانت العوابل (بجميع أحيائها السكنية العشرة) وحتى حرب 1994م تستفيد من مشروع جبل العوابل لمياه الشرب الأهلي طيلة عقد وأكثر من الزمن منذ افتتاحه، حيث كان يوصل الماء العذب الزلال من ثلاث آبار إرتوازية التي حفرت فوق جبل العوابل إلى كل أحياء مدينة العوابل وكل المرافق الحكومية الموجودة فيها بإيجار رمزي يدفعه الأهالي شهريا حسب استهلاك كل أسرة، كون هذا المشروع قد أقيم بمبادرات ودعم أهالي العوابل، إلا أنه خُرِّب ونُهب أثناء الحرب، وتحول إلى أطلال، حيث نهبت جميع آليات وماكنات المضخة الإرتوازية ومختلف معداته التي قدرت بملايين الريالات، كما تعرضت الآبار للهدم والتخريب من قبل متفيدي الحرب، عساكر ومدنيين، الذين اعتبروا هذا المشروع بكل ما فيه فيدا ومغنما ولا نعفي بعض الجهات المسؤولة بالمديرية، خاصة ممن كانت مسؤوليتها مباشرة عن المشروع بسبب إهمالها ما تبقى من أدوات ومعدات المشروع التي سرقت بعضها وهي في عهدتهم. وقد سعينا في «الأيام» جاهدين لمعرفة مصير هذه المعدات التي أغلبها أدوات جديدة لم تستخدم بعد والتي تقدر بملايين الريالات، إلا أننا لم نجد أي توضيح، كما لا نعفي بعض أهالي العوابل من مسئولية العبث ببعض هذه المعدات أثناء الحرب وبعده، وتحديدا أنابيب المد والتوصيل، لذا فإن الجميع الآن (جهات سلطوية وتنفيذية وعلى رأسها المجلس المحلي ومشايخ وأعيان وشخصيات اجتماعية وأبناء العوابل كافة صغيرهم قبل كبيرهم) مطالبين بالوقوف بجدية ومسئولية أمام هذه القضية المهمة، وأن يعملوا يدا واحدة على إعادة الروح لهذا المشروع وتأهيله تأهيلا كاملا، لاسيما وأن مدينة العوابل تعاني أزمة مياه جارفة، فلم يقم فيها بعد تدمير مشروع العوابل أي مشروع آخر حتى الآن، وكل الآبار الموجودة فيها قديمة سطحية، حفرها الأجداد منذ مئات السنين، أغلب فصول السنة تكون جافة، ماعدا في مواسم الأمطار، وهذا المياه غالبا ما تكون ملوثة وغير صالحة للشرب، يستخدمها الأهالي لري أراضيهم الزراعية وسقيا الحيوانات والبناء، حيث يعتمد أبناء العوابل في شربهم على المياه التي تجلب من خارج المدينة والمديرية، تكلفهم مبالغ مالية طائلة، والكثير من الجهد والتعب.
مدينة بدون صرف صحي أو تخطيط حضري
تفتقر مدينة العوابل لأبسط المقومات وأعمال التخطيط الحضري، فكل ما فيها تقريبا عشوائي، الطرقات، بناء بعض المدارس، الكهرباء، الشوارع، الزارعة، بناء المنازل التي تبنى وتشيد وتشطب ليسكنها أصحابها أوالمستأجرون، ليبدأوا فيما بعد رحلة البحث عن مساحات لحفر البيارات وغالبا لا توجد مساحات مناسبة للحفر فيها، وإن وجدت فهي تحفر بطريقة عشوائية بدائية، بعيدا عن إشراف الجهات المختصة بالمديرية رغم علمها بذلك إلا أنها تظل صامتة وكأن الأمر لا يعنيها، حيث تحفر هذه البيارات في المتنفسات العامة وبالقرب من المنازل والمدارس والتجمعات السكانية وفي الأراضي الزراعية وقرب آبار مياه الشرب، لتستمر مدة قصيرة ثم تنضح بما فيها، الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على البيئة والسكان معا، حيث إن بعض مياه الشرب قد اختلطت بمياه المجاري، لذلك وفي مثل هكذا حال ووضع أصبح من الضرورة بمكان إيجاد مشروع الصرف الصحي الذي طالما طالب به الأهالي كثيرا لحاجتهم الماسة له، إلا أنه رغم هذه المطالبات والوعود المتكررة من قبل الجهات المسئولة بالمديرية والمحافظة بإيجاد حلول سريعة وناجعة لهذه المشكلة التي باتت تؤرق الأهالي وتهدد حياتهم بالخطر، لكن لم نر حلولا لما قالوا ووعدوا. فمعاناة الأهالي تزداد يوما بعد يوم، وذلك بسبب ما تشهده العوابل من تطور معماري كبير وواسع، يزداد معه حفر هذه البيارات بطريقة عشوائية، التي نراها سرعان ما تتفجر الواحدة تلو الأخرى، في ظل عدم وجود آلية (بوزة) لشفطها، وإن توفرت فهي تكلف مبالغ مالية باهظة، حيث وصل إيجار شفط البوزة الواحدة التي يتم جلبها من خارج المدينة بل المديرية، بعد متابعة مضنية من قبل الأهالي أكثر من ستة آلاف ريال، ومعلوم أن شفط بيارة واحدة يحتاج إلى أكثر من خمس نقلات بالبوزة، ويكلف ذلك أكثر من ثلاثين ألف ريال، وهو ما لا يستطيع المواطن محدود الدخل أو متوسط الدخل دفعه، وما يزيد الوضع خطورة أن ما يشفط من هذه البيارات يتم إفراغه في أماكن قريبة من المنازل والطرقات العامة. ومشكلة توفير آلية (بوزة) كان بالإمكان حلها بإصلاح بوزة الشفط التابعة للمديرية، التي توقفت منذ سنوات بسبب قطعة بسيطة لا تكلف كثيرا، إلا أنها أهملت وظلت مرمية أمام مبنى الإدارة المحلية عدة سنوات، حتى تحولت إلى (خردة) برغم الحاجة لها، فالمحافظة لا يوجد فيها غير بوزتين للشفط، وهذه البوزة هي الثالثة، والسبب عدم الإحساس بمصلحة المديرية والخوف على المال العام من قِبَل من كان بمقدورهم إصلاح البوزة وإنقاذها من الخراب، التي وبلا شك كانت ستقدم خدمة جلية وكبيرة لجميع أهالي العوابل ولمديرية الشعيب عامة.
أرشيف المحكمة
مَقلب صُعِيب
أصبح وجود مقلب القمامة لمدينة العوابل بل مديرية الشعيب مطلبا ملحا وضروريا، إلا أنه (مقلب صعيب) فبرغم مطالبة الأهالي المتكررة إلا أن حلمهم لم يتحقق، رغم الوعود الكثيرة من قبل الجهات المختصة، فجهود عمال صندوق النظافة بالمديرية التي يشكرون عليها، إلا أنها تظل قاصرة ولا تفي بالغرض المأمول، فعددهم قليل وغير كاف، ويعملون بأدوات بسيطة، عدا شاحنة واحدة تتنقل إلى أغلب قرى المديرية لجمع القمامة ونقلها.. كما أن مدينة العوابل تفتقر إلى البراميل وعلاقيات جمع القمامة، هذه الإمكانيات المتواضعة تصبح عديمة الفائدة في ظل كثرة وتزايد عدد المحلات والمطاعم والورش المختلفة والعشوائية، حيث نرى الزحف المستميت للقمامة يكثر ويكبر يوما بعد يوم، لدرجة أنها تكاد تغطي وجه الشارع العام للمدينة والطرق المتفرعة منه والأزقة والحارات، وإن جمعت هذه القمامة وتم نقلها فأخطارها تعود بصورة أخرى أكثر بشاعة وخطورة من السابق، فشاحنة النظافة تحمل القمامة لترميها في أماكن قريبة من الأرض الزراعية، وفي جوانب الطريق الإسفلتي العام وأماكن عبور المشاة والمنازل وآبار مياه الشرب، إذاً فالمصيبة عظيمة وكبيرة، والخطر داهم في ظل عدم وجود مقلب للقمامة.
5-4 فتيات يواصلن تعليمهن الثانوي
الأمر المحزن المبكي أنه برغم وجود ثانوية مكتملة الصفوف وقريبة من السكن، إلا أن نسبة الفتيات اللاتي ينلن الثانوية العامة من العوابل قليلة جدا، لا يتجاوز سنويا الـ 5-4 فقط، بعكس عدد فتيات القرى النائية الذي يزداد باستمرار، رغم الصعوبات والعراقيل التي تواجههن، وكذا ظروف أسرهن المادية الصعبة.. وذلك يرجع إلى بعض العادات والتقاليد والزواج المبكر وعدم تشجيع أولياء الأمور في العوابل بناتهم على مواصلة الدراسة تحت حجج مختلفة، أبرزها أنهم ليسوا بحاجة لشهاداتهن وعائد وظيفتهن مستقبلا، بعكس أولياء أمور فتيات القرى الذين يصبون إلى ذلك كثيرا، إلى جانب النظرة القاصرة لدور وأهمية الفتاة المتعلمة كزوجة و ربة بيت وأم مثلى. والمحزن أن معظم أولياء الأمور هؤلاء مثقفون ويدركون تماما الفرق الشاسع بين الفتاة المتعلمة والأمية.
محكمة تفتقر إلى تلفون ولوحة إعلانات
وعن مبنى محكمة الشعيب الابتدائية المكان المفترض أن يكون مهابا محترما ونظيفا شكلا ومضمونا، نجده يفتقر لأبسط المقومات والمعدات المساعدة على تسيير عملها المهم والمحوري في المجتمع، فهي لم تلامس حتى %1 من (تكنجة) القضاء التي دعا إلى إيجادها في جميع محاكم الجمهورية وزير العدل د. غازي الأغبري، فهي تفتقر إلى تلفون، فاكس، آلة تصوير، كمبيوتر، الأثاث المكتبي المناسب أسوة بمحاكم مديريات المحافظة، بل وجدنا أن أرشفة القضايا وكتابتها ومختلف الأعمال الإدارية بالمحكمة تعتمد على جهود وقدرات وكفاءات وإخلاص موظفي المحكمة ورئيسها المشهود لهم بذلك من قبل كل الجهات التفتيشية التي زارت المحكمة أكثر من مرة، ومن حسن أو سوء الصدف لا أعرف! أنه أثناء زيارتي وجدت ورقة مسجلا بها قائمة طويلة من النواقص التي تفتقر إليها المحكمة فمما شدني وأثار استغرابي وأصابني بالحسرة أن المحكمة لا تمتلك خرامة كبيرة أو دبابيس أو لوحة إعلانات، والمؤلم حقا أن موظفي المحكمة بمن فيهم رئيسها معرضون وواقعون تحت ضغط وتوتر دائمين،، علاوة على سير العمل وإنجاز قضايا المواطنين جراء افتقار المحكمة إلى الحمامات والمكاتب الصحية المناسبة، فهذه المكاتب عبارة عن حجرة ضيقة، مساحتها 3×4 متر والأشد ألماً أن قاعة التقاضي والجلسات بهذا الحجم، وأكثر سوءا أن يكتظ فيها العشرات من المتقاضين وحراس المحكمة والقضاء والمحامين.
مبنى إدارة الأمن
القائمون على إدارة أمن المديرية أغلبهم ذوو رتب عالية وشهادات جامعية في القانون والاقتصاد والإدارة والقيادة وعلم النفس، وكذلك الجنود فجميعهم يحملون مؤهلات جيدة، إضافة إلى أخلاقهم الرفيعة وسلوكهم المستقيم ما أكسبهم حب وتقدير جميع الأهالي. فهم لا يتنفذون على المواطن المسكين، بل نادرا ما تجدهم فوق طقم الإدارة الوحيد إلا في حالة تنفيذ واجبهم كالخروج للقبض على لص سرق مدرسة أو منزلا أو حائط قات، فهم لا يخرجون لمنع المتظاهرين أو المعتصمين، بل نحس أنهم في أثناء هذه الفعاليات معنا، نلمح ذلك من وجوههم وابتساماتهم.
والشيء الآخر أن قائدهم رجل واعٍ حكيم، يفهم دوره جيدا ويعرف كيف يحافظ على جنوده والمواطنين معا، فهذا المبنى الصغير المتواضع القابع في ركن بسيط وسط المدينة مكشوف الجسم والجوانب بدون سور عدا سور برديني من جهة واحدة، وبدون بوابة أو حارس بوابة، لا يختلف عن وضعه وحاله عن ما هو كائن في مبنى محكمة الشعيب، فالمكاتب عبارة عن حجرات صغيرة ومساحة كل حجرة 3×3 متر بدون أثاث مكتبي كالكراسي، والطاولات الحديثة والمناسبة، فالموجود قديم جدا، وعن وسائل البحث والتكنيك الجنائي الحديث فحدث ولا حرج ، فهم يستعيرون كاميرا ويشترون فيلما من السوق إذا تطلب منهم الأمر تصوير مسرح لإحدى الجرائم أو جثة قتيل.
كما يفتقر المبنى إلى الحمامات والمطبخ، فالجنود غالبا ما يقضون حاجتهم في زوايا الشوارع والأزقة، أوفي حمامات المباني الأخرى القريبة أو البعيدة من مبنى إدارة الأمن، وغالبا ما يأكلون في المطاعم أو يطبخون لأنفسهم.
أما السجن فهو أشبه بالإسطبل أو زريبة للمواشي، فهو دون نوافذ ولا كهرباء، ومساحته 2×2 متر .
ولأن أغلب المساجين من أصحاب الجرائم والمنازعات البسيطة فهم لا يدخلون هذا السجن فمن يدخله هم من ذوي الجرائم الخطيرة، حيث يمكثون عدة ساعات فقط ثم يرحلون الى سجن الضالع المركزي، أما أصحاب الجرائم البسيطة فيتم توقيفهم في المبنى الذي هو عبارة عن سجن كبير كئيب، ويقضون حاجتهم الآدمية في الزوايا والأزقة وخلف السور، وإذا لم يسمح لهم خاصة في الأوقات المتأخرة من الليل ففي أكياس بلاستيكية أو في ركن غرفة الحجز ويتبولون إلى داخل قناني المياه المعدنية .