حضارم كينيا وماذا بعد اختلال معادلة القرش والفاتحة ؟!

> «الأيام» أنور التميمي:

>
منظر عام لموباسا
منظر عام لموباسا
أياً كانت النتائج التي ستؤول إليها الاتفاقات بين كيباكي وخصمه أودينجا فإن الأوضاع في كينيا مابعد الانتخابات وما تلاها من عنف عرقي ليست الأوضاع ذاتها السائدة قبل الانتخابات. لقد مثلت كينيا نموذجاً واضحاً لما يسمى بالتجمعات العصبوية التي لا تمثل الدولة فيها إلا شكلاً برانياً يخفي تحته تشكيلات فاعلة لما قبل الدولة : عرقية مذهبية طائفية .

ماحدث في كينيا قابل للحدوث مستقبلاً في بلدان عدة تمثل فيها الدولة صيغة تحايل قبلي أو إثني أو طائفي للاستبداد بالنفوذ والثروة. صيغة (الدولة الحيلة) أثبتت الأحداث في أكثر من بلد أنها أكثر وبالاً على شعبها من صور الحكم السابقة لعصر الدولة، ففي حالة النموذج الثاني رغم بدائيته فإنه يمثل صيغة اجتماعية توافقية .

منظر عام لنيروبي
منظر عام لنيروبي
عندما هاجر الحضارم إلى أكثر من بلاد ومنها شرق أفريقيا كانت الصيغة العفوية التوافقية سائدة في تلك البلاد فوجد المجاهرون أنفسهم رقماً معادلاً.

ماجعل المهاجرين الأوائل بهذه المكانة عوامل عدة منها مرتبط بالشخصية الحضرمية ومنه ما له علاقة بطبيعة تلك المجتمعات، فالحضرمي استطاع - وقد تفرد بذلك - أن يحل معادلة القرش والفاتحة بطريقة تلقائية عجيبة حتى باتت عنواناً بارزاً له، فما إن يقدم الحضرمي نفسه في مكان ما يسمع على الفور المثل المشهور :(قالوا للحضرمي بغيت إيش القرش وإلا الفاتحة ؟ قال بغيت القرش لي والفاتحة لابوي). هذا التميز الذي يمثل نموذجاً مطلوباً في تلك المجتمعات التي هاجر إليها الحضارم وبالذات قبل بروز (الدولة الحيلة) في بعضها حالياً أزعم بأن ذلك النموذج لم يعد يحتل تلك المكانة وأذكر أنني كتبت مقالاً متواضعاً في صحيفة «الطريق» العدنية بعد تفجير سفارتي أمريكا في نيروبي ودار السلام أشرت فيه إلى ما يمثله هذا الحادث من خطورة على الحضارم هناك، والخطورة تكمن تحديداً في كون أبرز قادة القاعدة في شرق أفريقيا أصولهم حضرمية، بل إن بعض رموز التيار الإسلامي المتطرف في شرق أفريقيا (خالد بلعلا) وهو حضرمي له مواقف وتصريحات لا يقبلها الأفريقيون وهم محقون في ذلك وكان من نتائج تلك الشطحات تعرض الحضام للتشويش والاستفزاز وإن كان محدوداً، لقد استشعر الحضارم منذ وقت مبكر صعوبة أوضاعهم هناك ولعل العلامة الفارقة في بروز ذلك الشعور هي مرحلة التحرر الوطني التي قادت تلك الدول إلى الاستقلال وما تلا ذلك من نزعة وصلت حد الشوفينية أحيانا ولعل النموذج الصارخ لتلك النزعة هو ما حدث في زنجبار من أحداث مروعة ضد العمانيين بدرجة أساسية والحضارم بدرجة أقل، فالذين عاصروا تلك الأحداث يروون فظائع تفوق بكثير ما نقلته لنا الشاشات مؤخراً من أعمال عنف بين قبيلة الكوكويو والجالوا في كينينا .

إن السؤال المخيف الذي يجب أن يطرح الآن هو : هل يمكن أن يطال العنف القائم بين الكوكويو والجالوا الحضارم ؟

نظرياً يمكن أن تكون الإجابة نعم !!

فقد فعل الزمان فعله هناك، فالقرش والسلطة هما العنوانان الأبرزان كما في معظم بلاد الله، فكل منهما تعبير عن المكانة الاقتصادية وحماية لها .

فقبل عقود تولى التاجر (باجابر) منصب عمدة ممباسا وتولى غيره مناصب وزارية قيادية في أحزاب مختلفة، أما جيل المتعلمين فقد وصلوا إلى أماكن مرموقة في مؤسسات المجتمع المدني ولعل جامعة (كينياتا) أبرز جامعات كينيا خير نموذج لذلك، حيث يحتل الحضارم مواقع مهمة فيها علاوة على المحامين والأطباء والمدنيين. ومنذ الاستقلال مارس بعض الحكام الوطنيين التجارة مستفيدين بذلك من مواقعهم في السلطة - وهذا أمر مألوف في دول العالم الثالث - وقد حقق الكوكويو قبيلة أول رئيس بعد الاستقلال (كيناتا) وهي قبيلة الرئيس الحالي (كيباكي) نجاحاً بارزاً في ذلك وباتوا هم القوة الاقتصادية الأولى في البلاد. وبحسب نواميس التجارة فإن منافسهم وخصمهم الأبرز هم الهنود والحضارم الذين يحتلون المرتبة التالية مجتمعين. ولا نعني بذلك أن الخصومة مستعرة بين الكوكويو من جهة والهنود والحضارم من جهة أخرى فهي في حدود التنافس على التجارة والربح إلى الآن على الأقل .

السفارة بنيت بأموال المغتربين عام 1982م
السفارة بنيت بأموال المغتربين عام 1982م
ولكن شتان بين ممسك بالسلطة وآخر لا حول له ولا قوة. هذه الوضعية دفعت البعض تلقائياً إلى الاقتراب أكثر من موقع صناعة القرار واللعب على ورقة التوازنات القبلية القائمة في تلك البلاد .

فالتطور الأبرز الذي يمكن أن يكون علامة فارقة - إذا حدثت تطورات مؤسسة عليا - هو بروز السياسي (نجيب بلعلا) الذي كان وزيراً للنقل في الحكومة الائتلافية السابقة بين حزب كيباكي وحزب أودينغا، فالرجل محسوب على أودينغا، وعندما حصل الافتراق بين قطبي الائتلاف ودخولهما السباق الانتخابي المحموم كان (بلعلا) المساعد الأبرز (لأودينغا) ورتب له أن يكون وزيراً للخارجية حسب إفادة بعض المقربين، ولكن حدث ما حدث من تداعيات مؤسفة فبرز (بلعلا) في وسائل الإعلام (الجزيرة مثلاً) متحدثاً بارزاً باسم المعارضة. والرجل ليس من المولدين الذين انقطعت زياراتهم لحضرموت، فله زيارات متكررة لأهله في القطن بوادي حضرموت وما نعنيه بهذا القول أن سمة الرجل الحضرمية بارزة لخصومه. وفي ظل التناحر العرقي الذي بات عنوان الصراع، فإننا نخشى على إخواننا هناك بعد أن صاروا طرفاً، وإن لم يكن محورياً في لعبة النفوذ !!

الخوف على مصيرهم مشروع حتى بعد إعلان الاتفاق والتسوية بين قطبي الصراع: الكوكويو والجالوا .

الخوف على مصيرهم لأن بلادهم ليست مهيأة لإيوائهم إذا حلت بهم نكبة لا قدر الله، خاصة وأن هناك شواهد كثيرة لعودة بعضهم ولم يجدوا الاهتمام والرعاية من الدولة .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى