حكاية التأمين الصحي الإجتماعي ومشروع قانونه المنظور حالياً أمام البرلمان

> «الأيام» د.علي محمد سعيد الاكحلي:

> صدر أول تشريع للتأمين ضد المرض في ألمانيا في عهد بسمارك عام 1883م ولحقه تشريع للتأمين ضد إصابات العمل في عام 1884م ، ثم نشأ نظام التأمين الصحي ضد العجز والشيخوخة في عام 1889م. وتبعت ألمانيا باقي الدول الأوروبية وأمريكا في مطلع القرن العشرين.

لم يبدأ تطبيق ذلك النظام في دول آسيا وبعض دول أفريقيا إلاّ بعد الحرب العالمية الثانية. أما في اليمن، فقد بدأ متأخراً التفكير الجاد في تطبيق نظام التأمين الصحي كخيار إستراتيجي حيث سبقته 150 دولة في تطبيق هذا النظام ، منها بعض الدول العربية مثل جمهورة مصر، السودان، الأردن، تونس وبعض دول الخليج .. حيث بدأت أولى الخطوات العملية في عام 1991م باستقدام خبير من الوكالة الأمريكية للتنمية لإعداد دراسة عن التأمين الصحي ، ولكن وبسبب المماحكات والتجاذب بين وزارتي الصحة والتأمينات آنذاك تم التوقف عن متابعة المشروع. بعد مرور عقد كامل تقريباً أي في عام 2001م قامت وزارة الصحة باستقدام خبير اقتصادي من منظمة الصحة العالمية لإعداد دراسة اقتصادية للنظام ثم عقدت ورشة عمل في عام 2002م بتمويل من الاتحاد الأوروبي ، وفي عام 2003م تم استقدام خبير في التأمين الصحي من جمهورية مصر العربية الذي وضع تصوره الخاص بشكل النظام وعقدت ندوة خاصة بمناقشته في عام 2004م ، وقامت وزارة الصحة العامة بإعداد مشروع القانون بمساعدة خبراء دوليين ومحليين مكون من 41 مادة موزعة على خمسة أبواب.

في يونيو 2005م أوصت لجنة الصحة والسكان بمجلس الشورى تطبيق نظام التأمين الصحي بموجب مشروع القانون المعد من قبل وزارة الصحة، وفي عام 2007م قامت وزارة الصحة بإحالته إلى مجلس الوزراء بعد تنقيحه ، وأحال مجلس الوزراء بدوره هذا المشروع إلى مجلس النواب يوم الإثنين الموافق 4 فبراير 2008م بعد مخاض عسير دام 17 عاماً (بدأ عام 1991م وانتهى 2008م) !

خلاصة ما جاء في مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي :

(1)نظام التأمين الصحي نوعان : تأمين المرض وتأمين إصابات العمل، ويغطي التأمين مجموع المواطنين من عاملين وغير عاملين الخاضعين لأحكام قانوني رقم (19) لعام 1991م ورقم (5) لعام 1995م ، إضافة إلى أصحاب المعاشات والأرامل (في حالة وفاة صاحب المعاش) ، ثم بقرار من مجلس الوزراء للفئات الأخرى التي لا ينطبق عليهم القانونين أعلاه .

(2) إلزامية التأمين على الجميع.

(3)تشمل خدمات التأمين جميع مستويات الخدمة الصحية: الوقائية والعلاجية والتأهيلية.

(4) إذا كان الشخص يعمل لدى القطاع العام أو الخاص أو المختلط (ويسمى صاحب العمل) فسيتم استقطاع %5 من إجمال الأجر الشهري للعامل (لم يحدد المشروع هل من الراتب الأساسي أم مجمل الدخل) وسيدفع صاحب العمل %6 من ذلك الأجر ، أي أن إجمال ما يجب توريده هو %11.

(5)في حالة أصحاب المعاشات (المتقاعدين)، ستقوم الحكومة بدفع نسبة الـ 6% بدلاً عن صاحب العمل.

(6) اعتبر القانون أن المريض اليمني يتحصل حالياً على خدمة الرقود والعمليات داخل المستشفيات مجاناً !.. وأن هذه المساهمة (الـ%11) هي مخصصة للخدمة التي سيتلقيها المؤمن عليه في العيادات الخارجية فقط مشمولة قيمة ثلث الدواء الموصوف له (أي أن عليه أن يدفع ثلثي قيمة الدواء!)، مع استثناء الأدوية المخصصة للأمراض المزمنة والمنقذة للحياة التي ستصرف مجاناً.

(7)سيتم إنشاء صندوق مالي لتأمين المرض وإصابات العمل تكون موارده من اشتراكات المؤمن عليهم (الـ%11) إضافة إلى رسوم تأمين صحي ستؤخذ على بيع السجائر أو أية مواد أخرى لها سبب مباشر بأمراض القلب والسرطان.

(8) سيتم إنشاء «الهيئة العامة للتأمين الصحي» التي ستقوم بإدارة الصندوق (برئاسة وزير الصحة).

(9) في حالة إصابات العمل، سيقوم صاحب العمل بدفع %2 من أجر المؤمن عليه شهرياً ولن يدفع العامل أي شيء - تم تعديله في المسودة النهائية إلى أن يدفع %1.

(10) هناك حد أدنى من العلاج سيتم الاتفاق عليه بين هيئة التأمين وجهة العلاج المختارة على أن يتحمل المؤمن عليه فارق التكاليف في حالة تجاوزه هذا الحد! كما لهيئة التأمين حق تحديد الإجازة المرضية للمريض وفترة انتهاء علاجه.

وبحسب توصية لجنة الصحة والسكان بمجلس الشورى (وكذا المذكرة التفسيرية للحكومة) ، فإن نظام التأمين الصحي سيتم تطبيقه تدريجياً وبشكل مرحلي ، بحيث سيبدأ بـ %50 مثلاً من موظفي الدولة في المحافظات الرئيسة. ويلاحظ هنا أن الاستقطاعات المباشرة من راتب الموظف في مشروع هذا القانون ستكون بنسبة %6 إضافة إلى الاستقطاعات الجارية من مرتبه وهي %6 لصالح مؤسسة التأمينات الاجتماعية (أو صندوق المعاشات) + %12 يتمثل بضريبة المرتب (بحسب الشرائح لغاية الحد الأدنى للأجر وهو 20 ألف ريال).

وكنتيجة، فإن الاستقطاعات المباشرة من راتب العامل ستصل إلى %24 (أي حوالي ربع الراتب !) ، يضاف إليها مساهمة صاحب العمل %8 في مشروع هذا القانون زائد %9 ما يدفعه حالياً صاحب العمل إلى مؤسسة التأمينات الاجتماعية (أو صندوق المعاشات) لصالح الموظف أي بإجمال %17 تضاف فوق الـ %24 ليصل إجمال النسب التي تورد/ستورد إلى الحكومة حوالى %41! إن الأجور الحالية للموظفين هي أصلاً غير كافية لتغطية الاحتياجات الأساسية لمعيشتهم ، فكيف سيكون الحال مع استقطاعات إضافية من دخلهم المتدني؟

وهنا تبرز أسئلة عديدة منها على سبيل المثال: من يضمن لنا أن كل موارد الصندوق ستذهب لتطوير الخدمات الصحية للمؤمن عليهم؟ وما هي الآلية للتأكد من ذلك.. لأنه وبحكم التجربة ما إن ينشأ صندوق حكومي إلاّ وتستشري فيه عملية الفساد!

وطالما اعتبر القانون أن المريض اليمني يتحصل حالياً على خدمة الرقود والعمليات داخل المستشفى مجاناً ، فهل ستسقط الحكومة أجرة الرقود والعملية وخدمة ما بعد العملية من كافة المستشفيات الحكومية ؟

هل ستقتصر الخدمة على تردد المؤمن عليهم للمستشفيات الحكومية فقط أم أن هيئة التأمين ستتعاقد مع مستشفيات ومؤسسات علاجية تتبع القطاع الخاص لتأمين الخدمة للمؤمن عليهم؟

وهل ستترك للمؤمن عليه حرية اختيار المستشفى أو المؤسسة العلاجية التي يرغب في تلقي الخدمة العلاجية من خلالها؟ وهناك أسئلة عديدة لا يسمح المجال هنا لذكرها. ويبقى السؤال الأهم :

هل توجد ضرورة لتطبيق نظام تأمين صحي في اليمن في ظل الوضع الصحي الرديء وشحة الموارد الحكومية لتطويره ، أم أن الأفضل لنا تأجيل هذا النظام والتفكير بحل آخر .

وهنا يأتي دور المعارضة في تقديم رؤيتها حول كيفية تغطية المواطنين بنظام تأمين صحي غير مؤسس على استقطاعات إضافية من الأجور.

بهكذا عمل سيعرف الجميع أن المعارضة قد جسدت مفهوم «حكومة ظل» الجاهزة لتقديم رؤى وحلول للمشاكل التي تواجهها البلد، بدلاً من الاكتفاء بكشف سلبيات القوانين المقدمة من الحكومة إلى مجلس النواب..!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى