أحلام تتبدد ووعود لـم تنفذ وتعثر متعمد

> «الأيام» فؤاد النهاري :

> في سياق تقرير صحفي نشرته «الأيام» في عددها رقم (4241) الصادر بتاريخ 1 أغسطس 2004، بعنوان (اللهم فك قيد مشروع طريق ذمار الحسينية)، تساءل الكاتب، هل من سبيل لخروج هذا المشروع من السجن، والتحرر من الأسر الذي طال في غياهب وزنازين الحكومات المتعاقبة؟ وهل سيبدأ العمل فيه، وينتهي عام 2007، بموجب اتفاقية المشروع التي حددت فترة تنفيذه بثلاثين شهرا، تبدأ من بداية عام 2005؟ وأسئله أخرى جاءت عقب الموافقة على تمويل المشروع من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي (الكويت) بمبلغ 50 مليون دولار، وإعلان المناقصة التي رست على شركتي الرحاب اليمنية، ونوراك التركية.

الآن وبعد مرور أربع سنوات تقريبا من نشر التقرير، يعيد الكاتب التساؤل نفسه، ولكن بصيغة أخرى.. هل هناك نوايا جادة وصادقة لتنفيذ مشروع طريق ذمار الحسينية؟.

قبل الدخول في البحث عن الإجابة، نود أن نذكر القارئ بأن هذا المشروع البالغ طوله 254كم تقريبا، يربط مركز المحافظة بعدد من مديريات المحافظة، ويخدم نحو 70% من سكان المحافظة.

إن هذا المشروع بدأ الحديث عنه منذ سبعينيات القرن الماضي، ورصدت له أموال طائلة، قروض وهبات واعتمادات حكومية، كلها ذهبت أدراج الرياح، كما أن المشروع يحظى بمتابعة واهتمام شخصي من قبل فخامة الأخ رئيس الجمهورية، حيث وضع حجر الأساس للمشروع يوم 20 سبتمبر 1999، وأعلن فخامته في مهرجانه الانتخابي الرئاسي الذي عقد يومئذ باستاد ذمار الرياضي، أن العمل في مشروع طريق ذمار الحسينية سيبدأ عام 2001، وينتهي عام 2003، وهو ما لم يتحقق، لا في الوعد الرئاسي الانتخابي، ولا حتى بحسب اتفاقية التمويل الأخير المقدم من صندوق الإنماء العربي.

منتصف الشهر الفائت اجتمع عدد من ممثلي محافظة ذمار بمجلس النواب، والتقوا فخامة الأخ الرئيس، وأبلغوه تعثر العمل في المشروع، وانقضاء المدة الزمنية المتفق عليها لتنفيذ المشروع المحدد بثلاثين شهرا، وأن نسبة الإنجاز لاتتجاوز 20% بسبب الخلاف الناشب بين وزارة الأشغال والطرقات والشركة المنفذة، حيث كانت الوزارة قد هددت بسحب المشروع من الشركة المنفذة، فيما هددت الأخيرة برفع دعوة لدى غرفة باريس.

الشركة المنفذة، نوراك التركية (تفيد المعلومات بأن شركة الرحاب اليمنية تنازلت للشركة التركية) تقول إنها استقدمت أكثر من 400 آلة، للعمل في المشروع، إلا أنها واجهت العديد من العراقيل من أول ما بدأت العمل، مثل عدم وجود التصاميم والدراسات والمسوحات الهندسية، والروتين الممل الذي تعمل به الوزارة، وصعوبة الحصول على الديناميت وأمور مالية أخرى تتعلق بفارق الأسعار، ونفقات تنفيذ التصاميم والدراسات التي كلفت بها من قبل الوزارة. بينما تدعي الوزارة أن الشركة تحاول ابتزاز الحكومة، وعدم الوفاء بتنفيذ الأعمال المطلوبة.

كل هذه الأسباب، وغيرها التي لايدركها إلا أصحابها، استدعت نقل الخلاف إلى الرجل الأول في الدولة فخامة الأخ الرئيس من أجل حل الخلاف، وتمَّ تكليف العميد أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري قائد القوات الخاصة العمل على التوفيق بين الأطراف المعنية بالمشروع، و حسم الخلاف الذي أسفر عن توقيع اتفاق بوزارة الشؤون القانونية بين وزارة الأشغال والطرق وشركة نوراك التركية باستئناف العمل، من خلال تسوية ودية لم يفصح عن مضامينها، الأهم فيها هو صرف المستخلصات المستحقة للشركة، وبدء العمل بموجب مدة زمنية لم يفصح عنها أيضا.

بعد هذا الاتفاق، نتوقع أن يدخل مشروع طريق ذمار الحسينية منعطفا آخر، خاصة أن الموسم الانتخابي البرلماني أصبح قريبا، ومن المستحيل أن يتم تنفيذ نصف المسافة من المشروع، الأمر الذي سينعكس سلبا في الدعاية الانتخابية للحزب الحاكم الذي لم تتمكن قياداته من الوفاء بالتزاماتها ووعودها للجماهير في المواسم الانتخابية الماضية، وتنفيذ المشروع في مدته المحددة.. حيث كانت قد بعثت قيادات وكوادر وأعضاء المؤتمر الشعبي العام بمحافظة ذمار رسالة لأمينها العام عبدالقادر باجمال، مطلع شهر يوليو من العام الفائت 2006، هددت فيها بتنفيذ مسيرة جماهيرية كبرى تنتهي أمام دار الرئاسة بالعاصمة احتجاجا على تعثر المشروع، وعدم صرف المستحقات المالية للشركة المنفذة للمشروع، وطالبت في رسالتها بعقد اجتماع عاجل للجنة الدائمة والمجالس المحلية لمناقشة مشكلة المشروع، ووصفته بأنه أصبح في حالة احتضار، وعبرت عن أسفها لمماطلة وزارة الأشغال، وكأنها تتعمد تطفيش الشركة.

وتأتي رسالة مؤتمر محافظة ذمار إلى الأمين العام في آخر أيام مدة التنفيذ المنصوص عليها في اتفاقية المشروع، عندما وجد أن نسبة الإنجاز لم تتجاوز 20% فقط من المشروع، وأنها أمام ضغوط قوية من الأعضاء والأنصار في المديريات المستفيدة من مشروع الطريق، ومتزامنة مع تقارير صحفية نشرتها وسائل الإعلام المؤتمرية، وصفت مشروع طريق ذمار الحسينية بأنه (حلم السنين وأدته الإدارة السيئة) وكلها لم تعر أدنى اهتمام، سواء من القيادة المؤتمرية العليا أم الأجهزة الحكومية.

وبالرغم من الاتفاق الأخير الذي رعاه فخامة رئيس الجمهورية وأكمله نجله قائد الحرس الجمهوري الذي يؤكد عودة الشركة للعمل في الميدان، وربط التنفيذ بمدة زمنية محددة، فإن حالة استياء شديدة تعم أبناء محافظة ذمار من التهاون وعدم الجدية في تنفيذ المشروع من قبل قيادات الحزب الحاكم والأجهزة الحكومية والشركة المنفذة، وقال مسئولون محليون بمحافظة ذمار لـ «الأيام»: «بعد مرور أكثر من نصف شهر على الانفاق، لم تعد الشركة للعمل في مشروع الطريق بصورة معقولة، سوى آلة يتيمة تعمل في منطقة الميدان بمديرية عتمة، وأربعة عمال تقريبا، يشيدون جدارا ساندا في المنطقة نفسها».

وهو الأمر الذي يفضح النوايا السيئة، وسوء الإدارة، وهدر المال العام، وعدم الالتفات إلى معاناة المواطنين التي يكابدونها في مناطق مغرب عنس، وعتمة، ووصاب العالي، ووصاب السافل، حيث يقطن أكثر من نصف مليون نسمة حسب تعداد 2004، معلقين في أعالي الجبال، وفي بطون الأودية، حيث ترتفع تكاليف الحياة، ويصعب الحصول على مقومات الحياة العادية، وتنعدم بشكل عام كل المشاريع الخدمية الأساسية من كهرباء ومياه وهاتف ومدارس وصحة.. إلخ، في عموم القرى والمناطق المستفيده من المشروع، ويزداد الفقر والمرض والجهل والأمية والاغتراب والهجرة إلى المدن، ويوما بعد يوم تتبدد أحلام المواطنين، وتهتز ثقتهم بالقيادات الحزبية الحاكمة والمعارضة والأجهزة الحكومية.

ويظهر استياء أبناء المنطقة من تعثر المشروع، من خلال الإعداد والتحضير لتنفيذ اعتصام جماهيري كبير أمام دار الرئاسة، وتشكيل لجان شعبية لمتابعة تنفيذ مشروع الطريق بجميع مقاطعه من ذمار حتى الحسينية، خاصة أن تسريبات تفيد بأن هناك محاولات لتنفيذ مقاطع من مشروع الطريق، وإهمال المقطع الذي يبدأ بوصاب العالي، وينتهي بمشرافة وصاب السافل، وهو المقطع الأكثر حرمانا وصعوبة.

خلاصة

يوما بعد يوم تزداد معاناة المواطنين وتتبدد آمالهم، وهم ينتظرون الفرج بمشروع الطريق الذي سيخفف عنهم معاناتهم.

مرة أخرى هل هناك نوايا صادقة وجادة لتنفيذ مشروع الطريق؟ وهل سيتم محاسبة من يقف وراء تعثر هذا المشروع؟ أسئلة مفتوحة تنتظر إجابة واقعية في الميدان.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى