أيام في جدة عروس البحر الأحمر .. نادي جدة الأدبي والمرأة السعودية تتصدر الحوار ..تشي جيفارا يتجول في جدة .. وقصة العم محمد من الحبيلين وإندونيسيا ثم باب مكة

> «الأيام» علي سالم اليزيدي:

>
سمعنا أهلنا قبلنا يقولون إنها جدة أرض الرخاء والشدة وظللنا نعرفها هكذا كلما ذهب وأتى مسافر براً وبحراً، وارتبطت جدة بل سكنت الذاكرة منذ أيام صوت المنادي في سوق المكلا وهو من نسميه (صاحب التطروبة) الذي يجوب المدينة معلناً وصول باخرة أو مغاردة أخرى، وإعلان اسم الوكيل واسم الباخرة مثل باسويد وبازرعة وكذا بواخر باخشب وبقيق وزينب، ونتذكر جنوح ومن ثم غرق الباخرة بقيق السعودية قبال مدينة المكلا في يوم من أيام ريح الشمال العاصف في عام 1964م تقريباً، وظلت إلى أن أكلها البحر، وأنصتنا باندهاش إلى قصص السفر عبر صحراء العبر والرمال التي تأكل الناس وقطاع الطرق من البدو، وشاهدنا من هم في سننا من الأولاد الأصدقاء يذهبون إلى جدة ولايعودون، عوائل بحالها وجيران يركبون البواخر والبحر إلى هناك! رددت أمهاننا باستظراف قول العجائز الدوعنيات لأبنائهن (رب اجعله مطنطح بحبال الزعيمة إلى جدة)، جدة كانت حاضرة في أجزاء من حياتنا، كبرت جدة ولم نعد ننتظر الهدية من لوز وسنبرة ومسمع الحمار كما نطلق على فاكهة مجففة لذيذة، بقيت حلوى الطحينة، ثم جاءت هدايا جدواية جديدة، إنها جدة بوابة مكة المكرمة وميناء الحجاج والباحثين عن العمل والرزق يوم كان البحر الطريق الوحيد إلى وقت قريب، ومع تغير وتطور الزمن بقيت جدة ميناء مهماً وحيوياً يزدهر على البحر الأحمر وعلى شواطئها أسست المتنزهات وأماكن للسكان والوافدين.

مابين زيارتين شاهدت الزمن يسير

جدة مدينة بها أمران يشدان الزائر وهما حركة التجارة وزيارة الحرم المكي الشريف، وزرت جدة قبل سنوات وقضيت بها شهراً وأبهرتني الأماسي الجميلة ولحظات الغروب التي تدهش المتأمل، فالشمس تسقط رويداَ رويداً في مياه البحر وكأن خيوطاً مخفية تمسك بها وتتركها تهبط بهدوء داخل الماء وينتشر بعدئد الشفق ولون الذهب.. وكما قال شاعرنا الشنواح : إنها زيتونة حمراء لماعة!!

وللتعرف على جدة ترى مقصدك في حركة الأسواق، باب مكة، سوق البدو، الجنوبية، باب شريف، وتحكي المعالم القديمة مثل قصر خزام مقر الحكم في منتصف القرن، دار ناصيف في جدة القديمة، وهناك أحياء شعبية يسكنها الحضارم مثل الصحيفة، الكندرة والأشرفية منذ زمن قديم، وللاقتراب أكثر فإن نافذة الثقافة هي الأقرب فهناك المنتديات والصحافة في جدة، صحف يومية تصدر منها «الرياض»، و«المدينة»، و«عكاظ»، وتوزع صحيفة «الشرق الأوسط» كل صباح في المملكة ويحصل القراء والمهتمون على مجلات متخصصة وفصلية في العلوم والأدب والنقد، وتلعب وزارة الإعلام السعودية ووكيلها عبدالعزيز السبيل المجدد دوراً في خلق انفتاح ملحوظ، وصحيفة «الأيام» العدنية لها مكانة عند المقيمين والسفارات والمراكز، يأخدها الناس من المكتبات وعبر الإنترنت، إنهم يتابعون كل شيء ولـ«الأيام» من جدة حلاوتها تروح وتقول لك بأرجع ! وترجع كل يوم!

نادي جدة الأدبي والمرأة السعودية

يعتبر نادي جدة الأدبي منبراً رائعاً ذاع صيته في جدة وخارجها، وقد اعتنى بنشر وطبع بعض المجلات منها «الراوي» الأدبية المتخصصة في القصة في الجزيرة العربية، و(روافد»، وخلال الزيارة السابقة التقيت بالأديب والقاص والناقد د. حسن النعمي وأتذكر كيف تجولنا في أمسية رمضانية وتبادلنا يومئذ الآراء.

وكان حينها يرعى نادي جدة الأدبي ومعه د.عبدالعزيز السبيل، وحمل هؤلاء مع أخوة لهم لواء التجديد الفكري والثقافي، والمتفرس يلحظ رياح التغيير وكم أدين لهؤلاء الشباب المثقف بالاحترام، وقد أخجلني ما لقيته من سابق من حفاوة وتواضع ومودة.

وخلال وجودي هناك قبل أسابيع رأيت من المتابعة الصحفية وأثناء وجودنا في جامعة الملك عبدالعزيز أن هذا النادي وفي نطاق برنامج جماعة حوار يترأسه د.حسن النعمي، أقام فعالية أدبية تتمحور حول الآخر في الرواية السعودية، قدمتها أستاذة الأدب الإنجليزي بجامعة الملك عبدالعزيز د.لمياء محمد باعشن، حول رواية (سيدي وحدانة) للكاتبة رجاء عالم .

وظاهرة الانتعاش الأدبي شهدتها جدة منذ سنوات واجتهد فيها د. عبدالعزيز السبيل، وكيل وزارة الإعلام حاليا، الذي زار المكلا عام 2004م وجمع بيننا نحن د. سعيد سالم الجريري وسالم العبد ود. عبدالقادر باعيسى وعلي اليزيدي وحسن النعمي الذي وصل صنعاء فقط وأدهشني أيضاً ما نقلته الصحافة هناك عن فتاة سعودية متطلعة هي المصورة الفوتغرافية سوزان باعقيل، التي دخلت العمل الإعلامي كفتاة تتحدى ماهو أمامها نحو النجاح، ولفت نظري أيضا التشكيلية الشابة جوهرة كمال الشاؤوش، ألا تتشابه الأسماء ويفتح الزمن أبوابه ويقول العصر كلمته، إنها جدة غير كما قالوا لي هناك.

علي سالم اليزيدي مع د.عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الإعلام
علي سالم اليزيدي مع د.عبدالعزيز السبيل وكيل وزارة الإعلام
العم محمد وحكاية سندباد مدهش

قال لي : خرجنا بأسلحتنا من منطقة لحج والحبيلين واتجهنا صوب مدينة تعز وهناك تفرقنا، ذهبت إلى القاهرة وعشت بعض الوقت وأصابني اليأس ولم يعد في الأفق حل لوضعنا إلا الشتات، وكان علي الاتجاه للبحث عن مصدر رزق وتغيير ملابسي وحياتي! كنا من فصيل محارب آخر غير الجبهة القومية التي تسلمت الاستقلال ووجدنا أنفسنا بعد أن خسرنا زملاء لنا أمام مصير مجهول، فكانت تعز ثم القاهرة وجدة وأندونيسيا.

وقال لي الرجل الذي يبلغ العقد السادس من العمر وصاحب الروح المرحة والسريرة الهادئة: كل الحكاية أنني تعرفت على بعض الحضارم بجدة ومن خلال المخالطة يسروا لي الذهاب إلى أندونيسيا وهناك تزوجت امرأة من أصل حضرمي عربي.

وعشت هناك ومن ثم عدت إلى جدة للعمل المتواصل، لدي منزل رائع بأندونيسيا وأولاد وأزورهم وأصبحت وجهتي هناك حيث أولادي وبيتي وأهلي, وهكذا كتب لي القدر، والحمد لله أنا سعيد ومستور الحال.. وسكت ومد يده لي بفنجان الشاي، لم أمد يدي تريثت قليلاً أتفرس في وجهه، تجاعيد صغيرة واضحة إلا لمن يدقق بعمق، وظلت يده ممدودة نحوي! وحكت لي عيناه كل شيء ونطق مرة أخرى بهدوء وقال : الحمد لله تركنا كل شيء، ربنا مقسم الأرزاق، وقال لي: عد كلما مررت من هنا تعال زرني، وقلت: تحية أيها السندباد بل أيها المؤمن بتقلب الزمن ونصيبنا منه!

على البحر الأحمر سألت أين هرب بحرنا!؟

في أمسية جميلة تناولنا العشاء في بحر جدة، البحر الأحمر حيث تسقط الشمس وسط استراحة في عمق المياه، كل شيء تحتتنا الأسماك والمهرجان! هكذا أرادوا استثمار البحر، فما الذي فعلناه نحن؟ أين هرب بحرنا؟ كيف أضعنا الشواطئ وتحسرت ووجهت السؤال إلى حضرمي بجانبي، نصحني بالسكوت، فرفعت صوتي أين هرب بحرنا ؟؟

وبقيت هذه الأسطر، لقد شاهدت جيفارا بجدة، قبل سنوات دخلت معرض الكتاب الدولي فوجدت كارل ماركس ولينين وكولن ولسون وسارتر، أحراراً على الطاولات لا خوف! وهذه المرة رأيت في إحدى المكتبات كتب تشي جيفارا و الجنرال جياب وكل الثوار البواسل! إنها جدة ربما تصبح عاصمة الكتاب وإذا لاتريد ذلك فمن ذا الذي يمنع البحر عن قذف كل أمواجه إلى الساحل وقالوا في الأمثال: جاور ملك أو جاور البحر، وجدة جاورت الاثنين وزادت في كحل العينين أيضاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى