العالم شعرٌ.. فاتّحدوا يا أهل الشعر

> «الأيام» عبدالرحمن إبراهيم:

> بداءة القول مشحونة بالحب الكبير، والاعتذار الناعم لأستاذي وأستاذ الأجيال الشاعر الحاضر فينا، والراحل عنّا العملاق نزار قباني - وهو بين يدي خالقه عز وجل- عن تحوير هذا السطر الشعري من قصيدة احتوتها مجموعة شعرية عنوانها «أشعار خارجة عن القانون» أثارت زوبعة نقدية بعد نشرها في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، علماً أن نزاراً -بعبقريته الشعرية الفذة -أخذها عن مقولة كارل ماركس الشهيرة «ياعمال العالم اتحدوا»، ووظفها شعريا، حيث قال:

«العالم عشق.. فاتحدوا يا أهل العشق

لايزال أبو لهب يتمطى فوق وسائد هذا الشرق».

وددت هنا أن أهمس في آذان الإخوة الذين يحاولون إثارة نقع الجدال النقدي حول القديم والجديد، شعرياً، ذلك الصراع الذي ظل يلاحقنا منذ عصور خوال، وتحديداً منذ العصر العباسي الثاني حين خرج العباسي بن الأحنف وأبو نواس وأبو تمام ومن حذا حذوهم من الشعراء الذين تمردوا عن (عمود الشعر). وأتمنى على البعض ألا تذهب بهم المظنات، ويفسروا ما أقول على أن الصراع بين القديم والجديد قد أصبح محسوماً لصالح هذا النمط أو ذلك من الشعر العربي.

ولا أريد أن أكرر بدهية ، بل حقيقة مفادها: أن الصراع بين القديم والجديد لن ينتهي، ليس على مستوى الشعر، فحسب، بل على أصعدة الحياة العامة، لاسيما أن ديمومة الحياة تتطور- سلباً وإيجاباً- وتتجدد في أطوارها ومراحلها وعصورها إلى ما شاء الله.

ثمة بعض الآراء كانت تتردد من بعض الناقدين -بعد مقتل المتنبي في «دير العامول»- أن الشعر انتهى بنهاية المتنبي، وأن الشعر في العصر الحديث انتهى بعد وفاة أمير الشعراء أحمد شوقي في 14 أكتوبر 1932م، وكذا هي الحال بعد رحيل بدر شاكر السياب، لكن هل توقف الشعر وانتهى زمنه بعد نهاية هؤلاء العظماء؟ وهل توقف عمود الشعر بعد الجرادة، والبردوني يُعدُّ -مع نزار- أكبر مجدد في هيكلية بيتية قاهرة في حركة الشعر المعاصر في اليمن. ها هو راهن الشعر محلياً وعربياً يثبت أن هناك مجالاً للتعايش بين قصيدة البيت، والتفعيلة، والنثر. والشعر يظل شعراً إذا كان صادراً عن اختلاجات روحية، وموهبة حقيقية ووعى بأدوات الشعر. أعرف أن الرافضين من ذوي المواقف العدمية سيصفونني بالتوفيقي، مع ذلك سأرفع صوتي عالياً العالم شعر..... على أن صوتي العالي، أو صرختي التي أعلنها بحسب ما تقتضيه ضرورة الموقف النقدي، لا تعني، البتة حالة الرضا والقناعة والتسليم بكل ما يفرزه، جملة وتفصيلاً، الواقع الشعري. ذلك أن هناك معايير ومقاييس تنبني على الذائقة والمعرفة والخبرة، وهي تختلف عن ثبوتية التقعيد، وصرامة التعريفات الجامدة التي فرضتها تعميمات القوالب والخانات المدرسية التي لم تعد تتماشى مع سيرورة المتغيرات التاريخية، ومعطيات قيم التجدد، سواء من حيث مكونات بنيتها الشكلية، أم من حيث الموضوعات والقضايا التي تعالجها. القصيدة الجميلة المؤثرة هي تفرض نفسها في حيويتها وعصرية أبعادها الشكلية والموضوعية، بغض النظر عن نمطها أو شكلها، وكم من قصيدة تحمل مواتها بين أبياتها أو سطورها أو جملها، على الرغم من معالجتها لقضايا الحاضر وما يعتمل فيه من وقائع وأحداث، وما تفيض به الحياة اليومية في هذا الكون المتغير من اشتعالات تجسد في دلالاتها ضروبات الانسكارات والانتصارات، في ظل هيمنة القوى الاستعمارية والجنون الهمجي الغربي المتصاعد في أشكاله المختلفة على ثروات ومقدرات الشعوب العربية والإسلامية.

الأمر الذي يهيئ للشعر نافذة، بل نوافذ للوثوب إلى معمعة الصراع للمشاركة في التحريض والتثوير والتنوير.

فهل سيتحد الشعراء لتشكل القصيدة شكلاً من أشكال الصراع ضد صانعي بؤس الإنسان وشقائه.. ومهندسي أوجاعه وآلامه؟ وأخص -هنا- الشعراء الطليعيين من ذوي الرؤى والمواقف الطامحة إلى التغيير في بنى الواقع الاجتماعي ، والخروج به من قماقم الجهالة الجهلاء والتخلف المريع إلى عالم نهضوي مفتوح الأفق. ومن الطبيعي أن تستثني صرختي/ صيحتي الشعراء المكبلين بأغلال ماضوية القيم العقيمة التي لا تتجانس مع ديناميكية الحياة، وحتمية حركية التأريخ، ولا تكرس إلا قيم الاسترجاعات المترهلة، وضحالة المفاهيم الشمطاء على صعيد الممارسة الفكرية والثقافية في الحياة العربية بعامة، بالاستناد إلى راهن الاستلاب المهيمن على شعوبنا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى