المـعـــــــلا ..في أحضان البحر وسفوح الجبال

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
صورة قديمة لمدينة المعلا
صورة قديمة لمدينة المعلا
تعتبر عدن واحدة من أقدم الموانئ الطبيعية في العالم لوقوعها على الخط الملاحي الدولي الذي يربط الشرق بالغرب، ولأهميتها بدأت تأخذ حضورها كمدينة حديثة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى جانب أنها أول مدينة عربية عملت بـنظام التجارة الحرة خلال الفترة 1850 - 1969.

وفي حديثنا عن محافظة عدن نتحدث عن إحدى مدنها، وهي مدينة المعلا الجميلة، لنسرد قدر ما نملك من سعة ذاكرتنا من مشاهد وشواهد لأزمنة وأماكن تذكِّر بماضينا، وماضي من سبقونا، لنرويه لأجيالنا القادمة، عن تلك المدينة التي أخذت بأسباب ازدهارها ونهضتها لتصبح مدينة عامرة.

بعض من أسطرنا خُصص بحلقات خمس، لنقدم الشيء اليسير من وصف مدينة المعلا، من حيث تطورها واتساع عمرانها، وأهم معالمها التي كانت مشعلا يضيء بأنواره مدن عدن كافة، ومرحلة من التوهج الاقتصادي والتجاري لنتعرف على معالمها كإحدى مدن عدن.

أثناء تفريغ البضائع في رصيف المعلا
أثناء تفريغ البضائع في رصيف المعلا
موقعها

تمتد المعلا بمحاذاة البحر باتجاه غربي - شرقي، من دكة الكباش مرورا بجبل حديد (باب السلب) بالنسبة للقادم من خورمكسر، ومن باب (عقبة عدن) بالنسبة للقادم من كريتر، وفي كلا الحالتين تنتهي حدود المعلا في جبل حجيف غربا، وتمتد المعلا من البحر شمالا نحو مدينة الروضة (القلوعة) والشيخ إسحاق والمعلا كشة (ردفان) على راحة جبل شمسان.

وعلى مقربة من مرسى المعلا توجد جزر قريبة واقعة إلى الشمال، منها جزيرتان صخريتان تعرفان بـ (الشياطين)، والجزيرتان هما (قيس) و (قلفاطين)، مشكلة من صخور وأحجار ضخمة كانت في الماضي مكانا لإصلاح السفن الشراعية، وتجفيف الجلود.

وتقسم المعلا إلى عدة مناطق هي: دكة الكباش (الفرضة) - الرئيسي (مدرم) - الكبسة - حجيف - حافون - الروضة (القلوعة) - الشيخ إسحاق - المعلا كشة (ردفان)، ومن أهم شوارعها الرئيسية: الرئيسي (مدرم) - الدكة - الخلفي (الصعيدي) - السواعي، وشيد طريق جديد في أواخر الثمانينات عرف بالطريق الدائري، ومن شوارعها الفرعية: شعبان، مصوع، حافظ، الصومال، البحتري، النادي، نهرو، الأحمدي، طرفة، العسكر (امرؤ القيس)، ذويزن (الطليان)، البلق.

نجاران يقومان بصناعة سفينة
نجاران يقومان بصناعة سفينة
تسميتها

اختلف عدد من المؤرخين حول أصل تسمية (المعلا) بهذا الاسم، فمنهم من اعتقد أن تسميتها من كلمة (العلا)، وتعني المكان العالي، و ذكر البعض الآخر أن اسمها كان (المحلة) أو (المحل) ثم حرَّفها الهنود إلى (المعلا).

وعن تاريخها يشير المؤرخ عبدالله محيرز في كتابه (العقبة) إلى: «أن موقع المعلا هو امتداد لموقع قديم يعرف باسم (المباه)، وكان موطنا للصيادين، والعمال الذين يحرقون النورة فيها». ويستطرد المؤرخ قائلا: «إنها نمت خلال القرن التاسع عشر كميناء ومرسى للسفن الشراعية، ثم السفن البخارية الصغيرة، وسكنها عدد كبير من الصيادين والعاملين على السفن والسنابيق».

وقد اختلف المؤرخ لقمان مع من يصفونها من الأوائل الذين كانوا يصلون إلى ساحلها ويقولون (مع الله)، مؤكدا أنها تعني المكان الذي كانت السفن الشراعية تصنع في ساحلها، حيث كان النجارون يقومون بتعلية هياكل سفنهم حتى لا يصلها الماء بفعل المد والجزر، ولهذا سميت المعلا أي مكان التعلية.

واسم المعلا عرف منذ الاحتلال البريطاني وهو مذكور في المعاملات والتقارير الرسمية البريطانية، وازدادت أهميتها عند البريطانيين كمرفأ ومرسى للسفن الشراعية والبخارية، ومركز لخزن البضائع.

جزيرتا قيس وقلفاطين القريبتان من مرسى المعلا
جزيرتا قيس وقلفاطين القريبتان من مرسى المعلا
مرسى المعلا للسفن (الفرضة)

كان من أهم الأسباب التي جعلت الإنجليز يفضلون تحويل الميناء البحري إلى الخليج الغربي في (المعلا) بدلا عن ميناء صيرة في الخليج الأمامي بكريتر- الذي ظل في السنوات العشر الأولى للاحتلال البريطاني هو الميناء الرئيسي- صلاحيته لرسو السفن الكبيرة لتغير أحجامها، واعتماد الفحم كطاقة لها، إضافة إلى الإهمال الذي أصاب ميناء صيرة خلال السنوات المائة السابقة للاحتلال، وامتلائه بالأتربة، وهبوب الرياح الموسمية.

وفي منتصف القرن التاسع عشر تم بناء إدارة للجمارك في ميناء المعلا المحاذي لفرضة المعلا (مرسى السفن الشراعية) لتحصيل الرسوم الجمركية على حمولات وبضائع السفن، حيث كانت الفرضة أو المرسى من أقدم موانئ عدن قبل الاحتلال البريطاني في 1839، واستمر المبنى مع ازدهار الميناء كمرسى لاستقبالها وصيانتها.

بعدها أصبح لها مبنى جديد في يونيو 1961، ويقع المبنى عند بوابة رصيف الميناء عرف بـ (إدارة مصلحة الجمارك) مكون من ثلاثة أدوار، كل دور يشغل قسما خاصا تابعا للمصلحة، منها مكاتب لقسم الإحصاءات التجارية والمراجع.

وخلال سنوات قام بعض التجار من الهنود والعرب، وبترخيص من السلطات البريطانية، بإنشاء (معلا دكة)، وهي طريق ممتدة داخل البحر لأخذ رسوم من السفن، وبذلك أصبح ميناء المعلا سنة 1864 الميناء الرئيسي لمستعمرة عدن، وخلال تلك الفترة انتعش الميناء بازدياد حركته، وتوسع الميناء إلى الجهة القريبة منه.

وأدى النشاط التجاري إلى تشييد رصيف جديد لرسو السفن الشراعية في مطلع الستينات من القرن العشرين، وقد بني الرصيف ليحل محل أرصفة السفن الشراعية بعمق قدم ونصف إلى أربعة أقدام ونصف.

ويقدم الرصيف تسهيلات متميزة لرسو السفن الشراعية في كل حالات المد والجزر، وشيد الرصيف الجديد من كتل خرسانية (الصبة) وضعت بواسطة رافعة، واستخدمت في البناء حوالي 100.000 قدم مكعب من الخرسانة، و65.000 ياردة مكعبة من التراب لتكوين حواجز حول المساحة المردومة.

واهتمت بريطانيا ببناء المساكن في المعلا وفق سياستها المرسومة، حيث أنه في سنة 1865، بدأت تظهر البيوت الحجرية والخيام قرب معلا دكة، وقد كانت لغرض سكن العمال وتخزين البضائع.

ثم اتسع حجم البناء بعض الشيء، منها المبني من الحجر، إلا أن أغلب السكان كانوا يعيشون في خيام، والبعض الآخر من عمال محطات الفحم يفترشون أركان الحارات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى