> «الأيام» روماس عبدالقوي:
من يعشق صوت فريد أو حتى من يحبه فقط عندما يستمع إلى أغانيه يشعر بأن الكلمات التي تغنى وتتعانق مع موسيقاه تتحول إلى صور جمالية تنبض بالحركة والحياة وتتلون بألوان الطبيعة، ففريد عندما يغني أغنية (يارتني طير لا أطير حوليك) وهي الأغنية التي حققت له الشهرة وقدمته إلى الجمهور في بداية حياته الفنية، وعندما نستمع إلى هذه الإغنية تتحول الكلمات التي نسمعها إلى صور حية يرسمها الخيال ويكون المنظر أشبه ما يكون بينابيع ماء رقراق وحولها ترفرف الطيور وتضرب بجناحيها الهواء من شدة الفرح .. وفجأة يتحول الحب إلى ينبوع ماء صاف في صحراء قاحلة تتحرك حوله الطيور أينما ذهب لتروي ظمأها.
وعندما يغني فريد :
يارتني شعرة بجفونك
تداري الشمس عن عيونك
قد يتخيل المستمع الشعرة في جفن العين، وكيف أن هذا الحبيب يريد أن يصبح مثل الشعرة ليحمي عيون حبيبه؟ وياله من وفاء! وأي وفاء ومعان جميلة في زمن ندرت فيه الكلمة الجيدة وتجمدت المشاعر وتحجرت الدموع في العيون!
أما في أغنية (عيني بتضحك) التي يغنيها فريد بلوعة وأسى ومن خلال صوت فريد المنكسر يمكننا أن نعرف مدى ما يعانيه فريد في حياته عندما قال:
عيني بتضحك وقلبي بيبكي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
ياناس ارحموني ماتجنوش عليا
دا غصب عني رضيت بالأسية
وفاضت دموعي وناري في ضلوعي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
فمن خلال الكلمة الجيدة واللحن الحزين الذي صاغه فريد الأطرش، تبدأ مقدمة الأغنية التي يعبر من خلالها عن مدى حزنه، ثم يتطرق فريد بعد ذلك إلى سر حالة الحزن التي يعيشها عندما يغني:
في عز الشباب فقدت القرايب
وحبيت ولكن فاتوني الحبايب
وضحيت بروحي وزادت جروحي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
وكأن كاتب الكلمات يصور في كلماته الشاعرية عذابات فريد الأطرش ومن خلال هذين البيتين يمكن أن نعرف أن فريد أيضا يعاني من فقدان (القرايب) والمقصود هنا بالتأكيد شقيقته أسمهان، التي لقيت حتفها وهي زهرة في مقتبل العمر، وإن كان هو السبب الرئيس لحزنه فهناك أيضاً سبب آخر لا يقل أهمية عنه وهو الفشل المتكرر الذي صاحب فريد في كل قصة حب يدخلها، فما من قصة حب دخلها فريد إلا وخرج منها مثخناً بالجراح كسير القلب .. شارد الذهن.
وفي أغنية (كفاية ياعين) وهي من الأغنيات الحزينة التي غناها فريد الأطرش .. نلاحظ أن الكلمات تخرج من فمه لتتحول إلى لوحات فنية بارعة الدقة والجمال، وكأنها رسمت بريشة فنان محترف .. فإذا دققت في الكلمات تجدها تقول:
بتبكي ياعين على الغايبين
ودمعك على الخدود سطرين
بسطر تقولي راحوا فين
وسطر تقولي ليه ناسيين
وبنظرة بسيطة إلى تلك الكلمات المعبرة التي يزداد جمال تعبيرها عندما تخرج من خلال الحبال الصوتية لحنجرة فريد الذهبية نجد أن العيون تبكي على أناس غائبين، وهذا شيء عادي ومقبول .. ولكن فجأة تتحول محاجر العيون إلى محبرتين والخدود تتحول إلى أوراق معدة للكتابة وهذا الحبر مكتوب به سطران في السطر الأول السؤال عن الأحباب الغائبين والسطر الثاني يتساءل عن سر نسيانهم لمن يحبونهم.
وإذا كان فريد الأطرش عندما يغني الأغاني الحزينة فإنه يؤديها بتمكن واقتدار ويضيف عليها فيضاً من حزنه الذي لازمه كدماء الوريد، إلا أنه كان عندما يغني كلمات بها بهجة وفرح فإنه يؤديها بتمكن وتألق .. وقد يكون السبب ملله من الحزن واشتياقه للحظات من السعادة والحبور .
ومن أفضل أغاني فريد التي يجسد فيها الحالتين حالة السعادة والحبور وحالة الحزن والألم أغنية (الربيع)،
في هذه الأغنية ومع بدايتها يعود الربيع بنسيمه العليل وأزهاره المفتحة وأنواره المتلألئة بعد فترة من الكمون والكسل خلال فصل الشتاء بسحبه وبرده وأمطاره، ولكن عاد الربيع ولم يعد الحبيب الذي كان يتمنى عودته مع هذا الفصل من فصول السنة.
في هذه الأغنية يعود الربيع ساحراً من جديد وتتعالى أنوار البدر في كبد السماء وينتظر هو حبيبه الذي تركه يكتوي بنار الحب وعذابه بعد أن كان ينعم في جنته.. حيث كان وجوده إلى جواره له مميزات خاصة .. ففي وجود حبيبه كان النسيم أغنية جميلة يشدو بها النيل من فرط إعجابه بها، وكان موج النيل الهادئ يبدو وكأنه عود يتعانق مع أشعة الضياء النازلة من البدر لتكون بمثابة أوتاره التي يصدر عنها أعذب الألحان.
بعد تلك السعادة والمرح يتذكر بعد الحبيب فينقلب الوضع وتتحول نغمات السعادة إلى آهات حزن، وحتى البلابل التي كانت تشدو في قربه أصبحت تنوح في بعده والورد بمنظره الجميل تلون بلون الجراح.
وجاء الخريف فتساقطت الأوراق وذبلت زهور الغرام وضاع عبيرها، وتشرد شذاها بين الربوع وصارت حياة الحبيب آلام ويأس وهوان.
وبعد الخريف حل الشتاء وما أطول ليالي الشتاء على من يعيش وحيداً دون أن يجد من يؤنس وحدته، حتى ورود الهوى بعد أن ذبلت وتناثرت وريقاتها أخذها ولم يترك له سوى الأشواك تؤلمه، وتنتهي الأغنية وهو كله أمل أن يأتي الربيع من جديد، ولكن بصحبة حبيبه الغائب .. فذلك هو فريد الأطرش مشاعر وأحاسيس مرهفة ممزوجة بالألم والأمل.
وعندما يغني فريد :
يارتني شعرة بجفونك
تداري الشمس عن عيونك
قد يتخيل المستمع الشعرة في جفن العين، وكيف أن هذا الحبيب يريد أن يصبح مثل الشعرة ليحمي عيون حبيبه؟ وياله من وفاء! وأي وفاء ومعان جميلة في زمن ندرت فيه الكلمة الجيدة وتجمدت المشاعر وتحجرت الدموع في العيون!
أما في أغنية (عيني بتضحك) التي يغنيها فريد بلوعة وأسى ومن خلال صوت فريد المنكسر يمكننا أن نعرف مدى ما يعانيه فريد في حياته عندما قال:
عيني بتضحك وقلبي بيبكي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
ياناس ارحموني ماتجنوش عليا
دا غصب عني رضيت بالأسية
وفاضت دموعي وناري في ضلوعي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
فمن خلال الكلمة الجيدة واللحن الحزين الذي صاغه فريد الأطرش، تبدأ مقدمة الأغنية التي يعبر من خلالها عن مدى حزنه، ثم يتطرق فريد بعد ذلك إلى سر حالة الحزن التي يعيشها عندما يغني:
في عز الشباب فقدت القرايب
وحبيت ولكن فاتوني الحبايب
وضحيت بروحي وزادت جروحي
وأيه بس آخرة بكايا وضحكي
وكأن كاتب الكلمات يصور في كلماته الشاعرية عذابات فريد الأطرش ومن خلال هذين البيتين يمكن أن نعرف أن فريد أيضا يعاني من فقدان (القرايب) والمقصود هنا بالتأكيد شقيقته أسمهان، التي لقيت حتفها وهي زهرة في مقتبل العمر، وإن كان هو السبب الرئيس لحزنه فهناك أيضاً سبب آخر لا يقل أهمية عنه وهو الفشل المتكرر الذي صاحب فريد في كل قصة حب يدخلها، فما من قصة حب دخلها فريد إلا وخرج منها مثخناً بالجراح كسير القلب .. شارد الذهن.
وفي أغنية (كفاية ياعين) وهي من الأغنيات الحزينة التي غناها فريد الأطرش .. نلاحظ أن الكلمات تخرج من فمه لتتحول إلى لوحات فنية بارعة الدقة والجمال، وكأنها رسمت بريشة فنان محترف .. فإذا دققت في الكلمات تجدها تقول:
بتبكي ياعين على الغايبين
ودمعك على الخدود سطرين
بسطر تقولي راحوا فين
وسطر تقولي ليه ناسيين
وبنظرة بسيطة إلى تلك الكلمات المعبرة التي يزداد جمال تعبيرها عندما تخرج من خلال الحبال الصوتية لحنجرة فريد الذهبية نجد أن العيون تبكي على أناس غائبين، وهذا شيء عادي ومقبول .. ولكن فجأة تتحول محاجر العيون إلى محبرتين والخدود تتحول إلى أوراق معدة للكتابة وهذا الحبر مكتوب به سطران في السطر الأول السؤال عن الأحباب الغائبين والسطر الثاني يتساءل عن سر نسيانهم لمن يحبونهم.
وإذا كان فريد الأطرش عندما يغني الأغاني الحزينة فإنه يؤديها بتمكن واقتدار ويضيف عليها فيضاً من حزنه الذي لازمه كدماء الوريد، إلا أنه كان عندما يغني كلمات بها بهجة وفرح فإنه يؤديها بتمكن وتألق .. وقد يكون السبب ملله من الحزن واشتياقه للحظات من السعادة والحبور .
ومن أفضل أغاني فريد التي يجسد فيها الحالتين حالة السعادة والحبور وحالة الحزن والألم أغنية (الربيع)،
في هذه الأغنية ومع بدايتها يعود الربيع بنسيمه العليل وأزهاره المفتحة وأنواره المتلألئة بعد فترة من الكمون والكسل خلال فصل الشتاء بسحبه وبرده وأمطاره، ولكن عاد الربيع ولم يعد الحبيب الذي كان يتمنى عودته مع هذا الفصل من فصول السنة.
في هذه الأغنية يعود الربيع ساحراً من جديد وتتعالى أنوار البدر في كبد السماء وينتظر هو حبيبه الذي تركه يكتوي بنار الحب وعذابه بعد أن كان ينعم في جنته.. حيث كان وجوده إلى جواره له مميزات خاصة .. ففي وجود حبيبه كان النسيم أغنية جميلة يشدو بها النيل من فرط إعجابه بها، وكان موج النيل الهادئ يبدو وكأنه عود يتعانق مع أشعة الضياء النازلة من البدر لتكون بمثابة أوتاره التي يصدر عنها أعذب الألحان.
بعد تلك السعادة والمرح يتذكر بعد الحبيب فينقلب الوضع وتتحول نغمات السعادة إلى آهات حزن، وحتى البلابل التي كانت تشدو في قربه أصبحت تنوح في بعده والورد بمنظره الجميل تلون بلون الجراح.
وجاء الخريف فتساقطت الأوراق وذبلت زهور الغرام وضاع عبيرها، وتشرد شذاها بين الربوع وصارت حياة الحبيب آلام ويأس وهوان.
وبعد الخريف حل الشتاء وما أطول ليالي الشتاء على من يعيش وحيداً دون أن يجد من يؤنس وحدته، حتى ورود الهوى بعد أن ذبلت وتناثرت وريقاتها أخذها ولم يترك له سوى الأشواك تؤلمه، وتنتهي الأغنية وهو كله أمل أن يأتي الربيع من جديد، ولكن بصحبة حبيبه الغائب .. فذلك هو فريد الأطرش مشاعر وأحاسيس مرهفة ممزوجة بالألم والأمل.