الأمثال الشعببية والحكم في شعر الشاعر ..عبدالرحمن العراشة السقاف

> «الأيام» د.هشام محسن السقاف:

> يسدي الشاعر علوي محمد عبدالرحمن العراشة السقاف خدمة للأدب والتراث الشعري بالتحديد : يجمع أشعار جده الشاعر الكبير ذائع الصيت عبدالرحمن العراشة، وقد خرجت في ديوان «الهاشمي قال» من مطبوعات اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، وهو الآن بصدد الغوص في مأثورات شعر العراشة الكبير ليستخرج من لجة هذا الشعر كثيراً من الأمثال الشعبية والمأثورات والحكم ، وهي تركيب أساسي من تراكيب شعر العراشة وأقرانه من الشعراء في لحج في القرن الماضي ومكون لا يستعاض عنه في تقريب الفهم ومخاطبة وجدان المتلقي بما يمت بصلة إلى البيئة المحلية بمكونات الثقافة السائدة والمورثات القائمة فتكون الاستجابة المباشرة والتأثير المرتجى .

وإذا كان الشاعر المفلق العراشة قد ذاعت أشعاره ومساجلاته ومطارحاته في الوسط الاجتماعي اللحجي في سني ازدهار الشعر والمغنى منه على وجه الخصوص وعلى عهد رواد لا تخطئهم العين صنعوا نهضة لحج الغنائية وعلى رأسهم أحمد فضل القمندان، فإن لهذا الذيوع والشهرة تسبيباً يعود إلى جودة ما نظمه العراشة من قصائد عامية تمزج بين اللفظ المتداول والفصيح المبسط، وإلى تحكم الثقافة الدينية والدنيوية في صياغة بيت العراشة الشعري بالجزالة المرجوة والوضوح الذي لا يصعب الفهم على المتلقين .

وعندما تجد قصائد من ديوان العراشة الكبير طريقها إلى أيدي ملحني وموسيقيي ذلك الزمان، وهم رواد بكل المقاييس بظروف زمنهم الذي امتاز بالغناء اللحجي الجميل والأصيل، فإنها تلبس ثوباً قشيباً بكسبها رواجاً وشهرة تجتاز مجالات البيئة اللحجية وحتى اليمنية إلى ما هو أوسع في الجزيرة والخليج العربي .

وسيجد القارئ أن الجهد الذي بذله السائر على خطى جده الشاعر علوي محمد عبدالرحمن العراشة في تقصي الأمثال والحكم والمأثورات في ديوان العراشة الكبير، جهد يستحق الإشادة والثناء، فهو وقد فصل من لجج العراشة المتلاطم ما يستحق أن يشار إليه للتدليل فإنه قد خدم الباحثين والدارسين في دوائر الشعر العامي الذين ربما قد سمعوا عن العراشة عبدالرحمن ولم يقعوا على ديوانه الذي نفد من المكتبات منذ سنوات .

يقول الكاتب : «يعتبر الشاعر عبدالرحمن علوي العراشة غزيراً في أشعاره مثل القصائد العصماء أو القصائد المغناة أو شعر الدان اللحجي أو الشعر الاجتماعي وتميز شعره عن غيره من الشعراء في لحج واليمن عامة بالكثير من الأمثال الشعبية والحكم (شعر الحكمة) والتي قيلت نتيجة اختلاطه بالشعب وخبرته في الأمور والتي تؤكد المثل الشعبي في لحج القائل : «الأول ما خلا للتالي» أي أن الأمثال الشعبية والحكم كلها وجدت من الناس السابقين الذين خاضوا التجارب عن معرفة ودراية بالأمور وكتبوا هذه الأمثال والحكم»، ومع أن الكاتب لم يخلص إلى تعريف للمثل الشعبي والحكمة من مصادرها الأساسية وارتباطها الوثيق بالشعر العربي على طول المراحل التاريخية، فإنه يخلط أحيانا بين المثل والحكمة، يقول : «نرى الشاعر عبدالرحمن علوي العراشة في هذه القصيدة وهي بعنوان (وبسم الله بدينا الله أكبر) التي نستشف منها هذه الأمثال وهي تعتبر حكماً يقول فيها :

ألا يأهل الهوى من باع يشتر

من الغالي ولو سابل بماله

وأما العيف ماله صيت يذكر

ولا رغـبة ولـو حط الدلاله

ومهما يكن فالكاتب يبذل جهداً مضاعفاً في تفسير المفردة الشعرية عند العراشة وهي لقطة صحيحة التعبير عن بيئتها اللحجية كما أسلفنا .

ويورد الكاتب أبياتاً من قصيدة مغناة مشهورة لحنها الفنان الكبير عوض عبدالله المسلمي، وهي بعنوان (بالفضل بسم الله الرحمن بانبدي) وفيها :

لا أنته على العهد أنا ماسك على عهدي

مهمة اللوم لو قالوا معاهد خان

حد في نعايم وحد في العيشة النكدي

يجزِّع الوقت مثل النائم الغوان

وحد شرب سلسبيل الرائق الشهدي

وحد من الناس عند الماء وهو غبان

ويصيب الكاتب كبد الحقيقة في إشارته للرسالة التوجيهية التربوية والأخلاقية التي تضطلع بها أبيات الحكمة في شعر العراشة، بعيداً عن المباشرة والخطابية التي تبهت رونق الشعر، فامتلك العراشة الكبير دفة الشعر وسخره لأهداف سامية لا تخفى على أحد، فما أروع ما زخرت به القصيدة الرائعة (ياالله بحق الألف واللام والخمسة) التي يعد مجمل أبياتها - كما يقول الكاتب علوي العراشة - حكماً وأمثالاً، فلنستمع :

صلي فروضك جميعاً كلها الخمسه

في ذمتك لاتفرط منهم واحد

لا تصحب إلا من أخيار العرب خمسه

لا عذر يبنك المعروف في واحد

ومن الطرف لو معك خمسين في خمسه

حل الحوش ماتحصل منهم واحد

اضحك مع الناس واسدل كفك الخمسه

لوكانوا اعداك ما با يبغضك واحد

املك أسود الفلا والبحر بالخمسه

والـعسـفره ما تقرب مـنهم واحد

حتى ولوكانوا خوتك منهم خمسه

ربيتهم فوق جنبك ما دنح واحد

وعبد الرحمن قال الفضل في الخمسه

والحمد والشكر والتحميد في واحد

ويورد الكاتب في ثنايا كتابه (الأمثال الشعبية والحكم في شعر الشاعر السيد عبدالرحمن علوي العراشة السقاف) شيئاً من الأمثال الشهيرة من داخل قصائد الغناء الشهيرة للعراشة، ومنها (الهاشمي قال هذي مسألة) التي يرددها الصغير والكبير حتى اليوم، جاء في القصيدة :

ولا دريت أن هذي مشكله

والقرش يلعب بحمران العيوان

فكل من قام لك كن قوم له

فالعيب مقرون في ضحك السنون

وابنك إذا به تعوج مثّله

حتى ترقيه وإن هنته يهون

مثل الجمل كيف لما تجمله

وتطعمه صار لك مشفق حنون

فذا كما ذا وهذا أكله

فالجعل سحّاركم يحلق دقون

وقد وزع الشاعر والكاتب علوي قصائد ديوان الشاعر عبدالرحمن العراشة على الأغراض التي خط من أجلها كتابه القيم وهي : الأمثال الشعبية والحكم في الأشعار المتنوعة، وشهرة المثل في شهرة القصائد المغناة، وأمثال وحكم وجهها الشاعر لأصدقائه، ثم وزع الأمثال والحكم في أنماط القصيدة عند العراشة مابين الدان اللحجي (ياطير كف النياح) وعلى صوت الركله، ودان يامرحبا بالهاشمي، والأمثال والحكم في الأشعار الدينية .

وبعد، إن كنا نشذ عن القاعدة ونقوم بعرض هذه الكلمات، وهي معدة أصلاً كمقدمة للكتاب على القراء فذاك استباق تفرضه حيوية موضوع أثير على النفس يغطي بعضاً من القراءة الواعية المفترضة لديوان العراشة الكبير عبدالرحمن السقاف، أملاً في أن يظهر هذا الكتاب قريباً ليجد فيه القراء ضالة منشودة وزاداً أدبياً جديراً بالمراجعة والقراءة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى