الشركاء والأتباع في ميزان الولاء

> هيثم الزامكي:

> هل الولاء للفرد أو الكيان أو الفكر سلوك فيه انتقاض من قيمة الذات الموالية؟ أم أن الولاء متطلب روحي يرفع من قيمة تلك الذات؟ هل الولاء صفة لاتتوفر إلا في الأتباع؟ أم أنه يمكن تواجدها في الشركاء؟ متى يكون الولاء سلبيا؟ ومتى يكون إيجابيا؟ أسئلة عميقة يصعب تناولها في مجرد مقال، ولكن بشكل عام، الولاء هو سلوك إنساني لايمكن قياسه أو وضع معايير ثابتة لخلقه في نفوس الأفراد والجماعات، كما أن إيجابية وسلبية الولاء- إذا تحقق- تتحدد بعاملين عكسهما صحيح، وهما:

أولا: درجة الوعي في المجتمع.. فكلما انخفض الوعي، تحقق الولاء السلبي، وثانيا: ارتفاع مستوى تمثيل المتولي للمجتمع، وشمولية ذلك التمثيل يحقق الولاء الإيجابي.

وانطلاقا مما ذكر سنتناول مفهوم صناعة الشركاء والأتباع وانعكاسه على طبيعة الولاء، وكيف نميز بين الشركاء والأتباع وولائهم، من خلال عدة وجوه أهمها:

1- طرق صناعتهم: الشركاء يُصنَعون من خلال المشاريع الفكرية الكبيرة ذات القيمة العامة، وبتحقق ذاتهم التشاركية بصورة فعلية على أرض الواقع، وبتمثيلهم الأصيل للمجتمع، بينما الأتباع يصنعهم العدم الفكري والمشاريع الفردية، وانسلاخهم عن ذاتهم، وعدم تمثيلهم، أو تمثيلهم الزائف للمجتمع.

2- طرق تعبيرهم عن الولاء: الشركاء على قدر ما يحدثون من إرهاق فكري للمتولي، فهم مصدر الاطمئنان الفكري له، لأن تحقق شراكتهم ينفي تآمرهم وخيانتهم للمتولي وللمجتمع، فتراهم يثبتون عند الخطر، ويقدمون التضحية تعبيرا عن ولائهم، والشركاء يعبرون عن ولائهم بالحرص على المتولي من الخطأ، فيعارضونه، يحاورونه وينصحونه ويساعدونه للوصول إلى الصواب، أما الأتباع فعلى قدر السبات الفكري الذي يحققونه للمتولي، فإنهم نقطة الضعف الكبرى التي تنفذ من خلالها المؤامرات ضده، وهم الأكثر استعدادا للانسحاب وقت الخطر، كما أنهم يعبرون عن ولائهم بالطاعة الظاهرة للمتولي، فلا يترددون في تنفيذ الأخطاء ولايؤمنون بالمسئولية كما يؤمنون بالسلطة، فالمسئولية في نظرهم هي للمتولي، أما السلطة فللجميع. ولنا من الأمثلة التاريخية من مشاهد ولاء الشركاء وتضحياتهم، وولاء الأتباع وتخاذلهم.

3- مستوى ولائهم واستمرارهم فيه: الشركاء لايتخلون عن المتولي ولاعن مشروعهم المشترك، حتى لو كان حجم الخسارة يصل إلى حد الانهيار لمشروعهم، فنجدهم يعيدون تنظيم أنفسهم ولايتخلون عن مشروعهم، سواء كانوا في موقع القرار أم خارجه، بعكس الأتباع الذين لامشروع لهم سوى مشروع المتولي، فإذا انهار توجهوا إلى المشروع المنتصر، وواصلوا خيانة ذاتهم ومجتمعهم حتى الأخير.

4- درجة تأثيرهم على المتولي والمجتمع: بوجود الشركاء يرتقي المتولي ويرتقي معه المشروع المشترك، وبالتالي المجتمع كله، بفعل التنوع الفكري الذي يحدثه الشركاء، وبهم تقوى وتتماسك تقاليد النظام وتتراجع الفردية، بعكس الأتباع الذين يحرمون المتولي من نعمة الخلاف، فيبقى رهين فكره الأول، وتتضاعف الأنا داخله، حتى يرى المنجزات البسيطة منجزات عظيمة، والواجبات المفروضة عليه مكارم طوعية منه، فيموت الإبداع والفكر، ليحل مكانه التبلد والعدم.

5- المصلحة العامة والمصلحة الخاصة: تتميز المشاركة بتناغم المصالح الخاصة والعامة، فالشريك يستمد قوته من المجتمع أولا، لذا تراه حريصا على مصلحته الخاصة المتحققة من رضا الناس عليه، وبناء على ذلك الرضا، يبني رضا المتولي على شركائه، أما التابع فدائما ما تتعارض مصلحته الخاصة مع مصالح الناس، لأن وجوده لايرتبط برضاهم، بقدر ما يرتبط برضا المتولي، لذا تراه يعمل على وضع الحواجز بين المتولي والمجتمع، كي لايفتضح أمره وتهتز صورة الولاء الزائف التي نسجها في ذهن المتولي.

وهناك عدة وجوه لايتسع المجال لذكرها كلها لولاء الشركاء والأتباع.

وخلاصة الحديث أن نجاح أي منظمة وتماسكها واستمرارها يرتبط بتحقق المشاركة، والشركاء الحقيقيون هم أتباع أوفياء للصواب والمنطق، ومعارضون نبلاء للخطأ والعدمية، والقائد الذكي أينما وجد في مستويات القيادة هو الشخص القادر على تجسيد المشروع المشترك، من خلال مؤسسة واضحة الحدود، تحظى أهدافها وإجراءاتها بإجماع، ولايتزعزع بسلطة الأتباع بقدر ما يتماسك بمسئولية الشركاء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى