علي ناصر وعبدالله غانم ومحمد السعدي وأبوبكر باذيب يتحدثون لـ «الخليج» حول الأحداث في المحافظات الجنوبية

> «الأيام» عن «الخليج»:

>
من اليمين علي ناصر محمد و عبدالله غانم و د.محمد السعدي و أبوبكر باذيب
من اليمين علي ناصر محمد و عبدالله غانم و د.محمد السعدي و أبوبكر باذيب
نشرت صحيفة «الخليج» الإماراتية الصادرة أمس الأول الخميس حوارات مع قيادات سياسية في صنعاء أجراها الزميل صادق ناشر، وفي دمشق أجراها الزميل يوسف كركوتي، فيما يلي نص الحوارات:«يشهد جنوب اليمن اضطرابات أمنية، وحالة من الغليان السياسي تمثلت بمواجهات دامية جرت في أكثر من مدينة ومنطقة بين متظاهرين وقوى الأمن، تم خلالها رفع شعارات تطالب بحق تقرير المصير، وأخرى تدعو للانفصال، وبعض المطالب كانت اجتماعية ومعيشية لها علاقة بالعسكريين المسرحين أو المتقاعدين.

لكن أبعاد وتداعيات ما يجري في جنوب اليمن نبهت إلى مخاطر فعلية بدأت تطرق الأبواب، خصوصا ما يتعلق بالوحدة اليمنية والعلاقات السياسية القائمة بين (حزب المؤتمر الشعبي) الحاكم وأحزاب المعارضة، وانسداد الأفق أمام الحلول السياسية في ظل تعنت الأطراف المعنية وتمسكها بمواقفها، بل وتبادلها الاتهامات في ما بينها.

في ضوء هذه الصورة المتعلقة، تحاول «الخليج» الإمساك بطرف الخيط في محاولة لمعرفة حقيقة ما يجري هناك، والوقوف على آراء القوى السياسية الأساسية المشاركة في هذا الصراع المكشوف، من خلال حوارات أجريت في صنعاء ودمشق مع قيادات نافذة لها دورها ومواقفها وتاريخها في ما جرى ويجري في اليمن ماضيا وحاضرا.

وتشمل هذه الحوارات التي يضمها هذا الملف رئيس اليمن الجنوبي السابق علي ناصر محمد، وعبدالله غانم رئيس الدائرة السياسية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم، وأبوبكر باذيب الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي، والدكتور محمد السعدي الأمين العام المساعد لحزب التجمع اليمني للإصلاح.

ليس أمام حزب المؤتمر الشعبي العام الحاكم في اليمن سوى التمسك بمواقفه التي لا رجعة عنها، بخاصة عندما يأتي الحديث عن الوحدة، فهذه القضية تثير الكثير من الحساسية لدى قادة الحزب الذي يتزعمه الرئيس علي عبدالله صالح، والذي يعتبر الوحدة من الثوابت التي لا نقاش أو جدال حولها.

لكن الأحداث الأخيرة التي عمت مناطق الجنوب فرضت إيقاعا مختلفا لمواقف قادة حزب المؤتمر، الذين بدأوا يشعرون بتسرب هواء غير نقي من وراء هذه الأحداث، ولهذا يحاولون معالجة ما يحدث بأقل الخسائر الممكنة.

لكن الأزمة الحاصلة اليوم ليست فيما يحدث من أعمال عنف في الجنوب فحسب، بل في من يقف وراء هذه الأحداث.

نص حوار عبدالله غانم

> هل لنا أن نعرف منكم ما الذي يحدث اليوم في الجنوب؟

- الذي يحدث في الجنوب وكما يشاهده الجميع هو نتاج التحريض، بعضه ظاهر وبعضه خفي، تحريض الناس على طرح مطالبات غير مشروعة إلى جانب المطالبات المطلبية المشروعة التي يقرها الجميع، والهدف من ذلك هو إجبار السلطة على القبول بتسويات غير ديمقراطية، بمعنى إجبار السلطة على مشاركة الحزب الاشتراكي اليمني في السلطة، أي عن طريق غير ديمقراطي، طريق المساومات والضغوط وليس عن طريق صناديق الاقتراع.

> لماذا تتحدثون عن الحزب الاشتراكي بالذات؟

- لأن الحزب الاشتراكي يتصور أن فرصته للوصول إلى السلطة أو المشاركة فيها معدومة عن طريق صناديق الاقتراع.

> أنتم هنا تتهمون الحزب الاشتراكي، فهل هو الوحيد الذي يواجهكم في الشارع؟

- نعم.

> ما هو مراده إذن، هل فقط الوصول إلى السلطة أم العودة إلى ما قبل 22 مايو 1990؟

- العودة إلى ما قبل 22 مايو ليس هدف كل الذين في الحزب الاشتراكي اليمني، صحيح أن هناك قطاعا لا بأس به من الحزب الاشتراكي اليمني قد صرف النظر عن البقاء في الحزب، وفضل الارتماء في أحضان قوى خارجية تهدف إلى عودة الأمور إلى ما قبل 22 مايو، أي إعادة الدولة الجنوبية السابقة وليس بالضرورة أن يكون الحزب الاشتراكي حاكما، ولكن هذا البعض يستخدم الآن من قبل قيادة الحزب الاشتراكي اليمني لكي يحدث ما يمكن أن يحدثه، رغبة في أن يحصل على السلطة بطريق غير ديمقراطي، باعتبار أنه القادر على كبح جماح ذلك التيار الذي يريد الانفصال.

> هل تفصلون بين الحزب الاشتراكي والمعارضة في شأن ما يحدث في الجنوب؟

- إلى حدٍ كبير نعم.

> لكن هناك اتهامات من قبل السلطة أن المعارضة كلها، وليس الاشتراكي هي التي تهيج الشارع في الجنوب؟

- المعارضة تنجرف مع الحزب الاشتراكي دون أن تدري ما هو مرماه الأخير، وهم يعبرون بذلك عن تحالفهم مع الحزب الاشتراكي، وبعض هؤلاء المعارضة يتصورن أنه فليحدث انفصال، ولماذا، لأنهم لايتمتعون بذكاء كامل عن مخاطر الانفصال على الشعب اليمني.

الإصلاح انفصالي أيضا

> لكن هؤلاء كانوا حلفاءكم في فترة من الفترات، وخاضوا حربا ضد الحزب الاشتراكي العام 1994؟

- إن كنت تقصد حزب الإصلاح فأنا في جوابي السابق كنت أقصد الحزب الناصري، أما بالنسبة لحزب الإصلاح فبعضه مع الأسف الشديد أصبح انفصاليا.

> بعد أن كان وحدويا؟

- نعم.

> برأيكم ما هو المشروع بنظر هؤلاء؟

- هؤلاء غير الاشتراكي، ليس لهم مخطط واضح المعالم، إنهم يسيرون بغباء، دون أي مخطط، والاشتراكي طرف فيه.

> هل تفرقون بين القادة الاشتراكيين في الداخل والخارج؟

- نعم، الاشتراكيون الذين انسلخوا عن الاشتراكي وأصبح لديهم مشروع انفصالي يرتبطون فعلا بالخارج.

> هل نشاط الخارج مؤثر برأيكم؟

- نعم مؤثر.

> كيف؟

- عن طريق المال.

> هل لديكم أدلة على ذلك؟

- لدينا أدلة عديدة، لانريد أن نكشفها الآن.

> لماذا؟

- لا أريدك من أجل أن تبحث عن سبق صحافي أن تعطل قضية وطنية كبيرة.

> هل تشعرون بأن لبريطانيا يدا بما يجري في الجنوب؟

- كما قلت سابقا لا أريد أن أتحدث الآن عن أحد معين، وعن أطراف خارجية في هذا الوقت.

> هل تشعرون بأن هناك محاولة لوضع اليمن بكامله فوق موقد يغلي، سواء في صعدة بالشمال أو في الجنوب؟

- هذا صحيح، فهناك مخطط خارجي لإبقاء اليمن فوق هذا الموقد.

> إلى أي مدى يمكن أن ينجح هذا المخطط في إيصال اليمن إلى هذه الدرجة من الاحتقان؟

- قد ينجح، لكن نجاحه الكامل غير متصور، وإنما قد ينجح إلى حد أنه يجعل الأوضاع متوترة.

> ألا تخيفكم الشعارات والهتافات الانفصالية التي بدأت تبرز في الآونة الأخيرة في المظاهرات والمسيرات التي يشهدها الجنوب؟

- بلى، تخيفنا.

> وكيف تقرأون في القيادة العليا ذلك؟

- نحن نعرف أن الانفصال مستحيل، وندرك أن من يرفعون شعار الانفصال، إنما يدعون إلى اقتتال الشعب اليمني والى احتراب الشعب اليمني، ونقول إن الانفصال لن يحدث، بل هو مستحيل الحدوث، ومع ذلك نحن لانخفي خوفنا من أن تؤدي الدعوات الانفصالية إلى مشاكل كبيرة.

المخرج

> هل تعترفون بوجود مشاكل في البلد يجب أن تحل؟

- نحن نعرف، والناس تعرف أن هناك مشاكل كثيرة، لكن دعوتك إلى أن أعترف بوجود مشكلة، أعتقد أنك تقولها عن حسن نية، لأن هناك من يريد أن يقول لنا اعترفوا بوجود أزمة ثم تعالوا نحلها، هنا نقول لا، لا توجد مشاكل.

> أقصد أن المشاكل ليس بالضرورة أن تكون في الجنوب، ولكن في عموم اليمن كله، فهل لها معالجة مجزأة أم شاملة لكل البلاد؟

- لكل مشكلة حل، وليس ضروريا أن يكون حلا واحدا لكل المشاكل.

> ما هي المشاكل التي ترون أن من المهم حلها في هذه الفترة بسرعة؟

- أهم المشاكل التي يجب حلها في تقديري الشخصي هي مشكلة البطالة في مختلف المناطق، وهي التي تجعل الشارع متوترا، وهذا أمر طبيعي، أي أن المشكلة الاقتصادية يجب أن نجد لها حلا في أقرب وقت ممكن، وهناك قضايا عديدة كما قلت لا بد من التحرك لحلها، لكن في مقدمتها المشكلة الاقتصادية.

> ما المخرج برأيكم لما يدور اليوم؟ هل هناك إمكانية للجلوس إلى مائدة حوار واحدة والتحاور بين كل الأطراف؟

- لا.

> لماذا يغيب مجلس النواب عن مواكبة ما يجري في البلاد، سمعنا أن هناك جلسة للبرلمان ستخصص لمناقشة أحداث الجنوب، ألا ترى أن هذا الموقف متأخر؟

- هذا شأن مجلس النواب.

> باعتباركم قياديا بارزا في الحزب الحاكم، ما هي وجهة نظر الحزب الحاكم حيال ما يجري؟

- هناك هيئات المؤتمر الشعبي العام، نحن نناقش هذه القضايا باستمرار.

> هل هناك خلافات في ما بينكم أم أنكم على وجهة نظر واحدة؟

- تجاه ما يجري هناك وجهة نظر واحدة، وإن كانت هناك اختلافات، ولكن بالاتجاه العام هناك اتفاق في وجهات النظر.

> ما موقفكم تجاه بعض ردود الأفعال من الخارج، سمعنا مؤخرا تصريحات للرئيس الأسبق علي ناصر محمد يطالب بضرورة العودة إلى الحكمة اليمانية في معالجة ما يدور في الجنوب؟ هل بدأت القطيعة تحدث مع علي ناصر أو ماذا؟

- مع الأسف لأول مرة يتخذ الأخ علي ناصر محمد موقفا غير متوازن كما هو عهده دائما إزاء القضايا الداخلية، وكنت شخصيا أرجو ألا يتخذ هذا الموقف، وأن يبقى على مسافة متساوية بينه وبين المؤتمر الشعبي العام، وبينه وبين أحزاب اللقاء المشترك، وربما يكون هذا موقفا عارضا سيعود عنه قريبا إن شاء الله.

البيض والعطاس

> فيما يتعلق بعودة القياديين في الخارج، هل تعتقدون أنه إذا ما عاد علي سالم البيض وحيدر العطاس وعدد من الشخصيات الموجودة في الخارج فإنه سيوضع حد لحالة الاحتقان القائمة اليوم؟

- أعتقد أنهم لن يعودوا.

> في حالة أنهم عادوا، هل يمكن أن يساعد ذلك على تخفيف حالة الاحتقان؟

- لا أعتقد.

> لماذا؟

- لأسباب كثيرة، على الأقل فإن آخر حديث صحافي لحيدر العطاس قال فيه إن أكبر خطأ ارتكبه الحزب الاشتراكي هو قرار الوحدة، وأعتقد أن مثل هذا التفكير لن يساعد إطلاقا على حل أي مشكلة.

> لكن هو بنفسه اعترف بأن هناك تواصلا بينه وبين الرئيس علي عبدالله صالح؟

- ونحن أيضا نؤكد ذلك.

> وعلى ماذا تتواصلون إذا كانت هناك قطيعة من هذا النوع؟

- القطيعة من جانبهم.

> رؤيتكم أن هؤلاء لايستطيعون أن يعودوا إلى البلد، هل لأن لديهم مشروعا آخر؟

- يستطيعون العودة إلى البلد، ولكن لديهم مشروع آخر، هذا صحيح.

> تقولون في الحزب الحاكم دائما إن المعارضة هي الوجه الآخر للسلطة؛ فلماذا تستبعد الآن المعارضة من كل المعادلات السياسية القائمة؟

- هي التي استبعدت نفسها برفضها للحوار.

> المعارضة تتهمكم بوقف الحوار معها؟

- نحن لم نرفض الحوار في أي وقت من الأوقات.

> اتخذت قرارات مؤخرا بشأن استئناف الحوار مع المعارضة، هل لديكم تصورات كيف يمكن أن يكون شكل هذا الحوار؟

- حتى الآن الحوار يجري بصورة غير معلنة، وحتى الآن لاتوجد نتائج.

> أين أوجه الخلاف والتقاطع بينكم وبين المعارضة فيما يتعلق بموضوع الحوار؟

- هم يرفضون الحوار لأسباب كثيرة أهمها في تقديري الشخصي في الظروف الراهنة أنهم وعدوا قواعدهم وأنصارهم أنهم لن يلتقوا بالسلطة.

> وأنتم؟

- نحن لم نقدم هذا الوعد لأحد

> هل سيتم إخراج قانون الحكم المحلي إلى النور من أجل إنهاء هذا التوتر والاحتقان القائم في الجنوب؟

- طبعا، هناك خطوات مستمرة من أجل إخراج قانون الحكم المحلي الجديد بصيغته الجديدة، وأن يتم تنفيذ هذا القانون فيما يتعلق بانتخاب المحافظين في موعد أقرب من الاستفتاء على الدستور.

> وفيما يتعلق بلجنة الانتخابات، إلى أين وصلتم بشأنها؟

- خلال أسبوعين أو ثلاثة، وإذا لم يصل الحوار إلى نتيجة بهذا الشأن فسوف يتخذ مجلس النواب قراره بانتخاب اللجنة العليا للانتخابات.

الانتخابات وتقسيم اليمن

> بعض الأحزاب السياسية، ومنها حزب الرابطة أعلنت مؤخرا تقسيم اليمن إلى عدة مخاليف كحل للاحتقانات القائمة في البلد، هل هذا مفيد لليمن برأيكم؟

- هذا في تقديري الشخصي أمر غير ممكن، اليمن ملك شعبها، وليست ملك حزب معين أو أشخاص معينين يقسمونها كما يشاؤون، فهي ليست (قطعة جاتوه) قابلة للتقسيم كما يتصور البعض.

> يعني أنتم ضد هذه المشاريع؟

- نعم نحن ضدها تماما.

> هل من الحلول للوضع القائم تغيير شكل السلطة لتكون مجلسا رئاسيا عوضا عن الشكل الحالي؟

- يا أخي، يجب أن يفهم الناس جميعا أننا في المؤتمر الشعبي العام لدينا رؤية متكاملة شاملة لحاضر ومستقبل الشعب اليمني ولن نحيد عنها، هذه الرؤية متمثلة في (الميثاق الوطني)، الدليل النظري للمؤتمر الشعبي العام، ومتمثلة في دستور الجمهورية اليمنية، هذه الرؤية لانملك أن نحيد عنها، صحيح أننا نملك أن نطورها بين وقت وآخر، لكننا غير مستعدين لأن يعلمنا أحد كيف ننظر لمشاكل بلادنا.

> بالنسبة للانتخابات المقبلة، هل أنتم مستعدون لها؟

- نعم، نحن مستعدون لها تماما، وقد بدأنا لذلك قبل فترة وليس من الآن، بدأنا ذلك قبل ثلاثة أشهر.

> هل يمكن أن تتغير الخريطة الاجتماعية والسياسية فيما إذا فاز الحزب الاشتراكي في الجنوب؟ هل هناك تخوفات من أن يعزز ذلك الانفصال على الأقل سياسيا؟

- أولا الانفصال غير موجود حتى يتعزز، ثانيا لسنا خائفين من أن يعزز الحزب الاشتراكي مواقعه في الجنوب أو في الشمال، هذه مسألة متاحة لكل الأحزاب طالما نحن مؤمنون بالديمقراطية.

> هل ما زلتم تصرون على الاحتفاظ بالأغلبية البرلمانية؟

- بالطبع نحن مصرون على الأغلبية المطلقة، أي النصف + واحد، وبعدها إذا ما حصلت أعداد زيادة فأهلا وسهلا.

> هل أنتم في موقع يؤهلكم لهذه الأغلبية كما كنتم في السابق؟ ألم يتغير شيء خلال هذه السنوات؟

- تغيرت أشياء كثيرة، من دون أن تتغير حقيقة أن شعبنا مازال يعطي الثقة للمؤتمر الشعبي العام ولقيادته.

> هل أنتم في وارد مراجعة الأخطاء التي حدثت خلال الفترة الماضية؟ وهل أنتم في وارد تقييم برنامج الرئيس الذي خاض بموجبه الانتخابات الرئاسية؟

- لا، لسنا في وارد مراجعة برنامج الرئيس، نحن باستمرار نراجع أخطاءنا ونعترف بها، لكن أخطاءنا ليست من ذلك النوع الذي يمثل خطورة على الوطن.

نص حوار علي ناصر محمد

في ضوء ما جرى في الضالع والحبيلين في محافظة لحج اليمنية من أحداث وتحركات احتجاجية جماهيرية، هل هذا يؤشر إلى مخاوف حقيقية على تجربة الوحدة، وبعيدا عن السبب المباشر الذي أدى إلى التحركات الاحتجاجية (عدم السماح لعدد من الشباب الجنوبيين بالالتحاق بالسلك العسكري عندما تقدموا للتطوع تلبية لدعوة وجهها الجيش)، باعتقادكم ماهي الأسباب الحقيقية والأكثر عمقا التي أدت إلى احتقان دائم في محافظات الجنوب منذ العام 1994؟

- السبب المباشر الذي أشرت إليه في سؤالك عدم السماح لعدد من الشباب بالالتحاق بالسلك العسكري وفقا لدعوة من الجيش ليس سببا مباشرا كما يمكن للبعض تصويره أو تصوره، وما هو إلا جزئية بسيطة في موضوع كلي وعام وهو موضوع الحراك الجنوبي الذي لم يلتفت إليه بجدية وبمسئولية من قبل صانع القرار والمسئولون، ويستغرب كل عاقل أن يكون الحراك الجنوبي في أوجه والمطالب مستمرة ومتصاعدة من أجل المواطنة المتساوية، ويتم رفض هؤلاء الشباب التطوع في الجيش لأسباب غير مقبولة، يمكن أن تمثل امتدادا لممارسات المنتصر العسكري في حرب 94، الذي يحصد اليوم نتائج الممارسات الإقصائية للعسكريين والمدنيين الجنوبيين ونهب الأراضي وغير ذلك من الممارسات المرفوضة التي تهدد تجربة الوحدة، وتشوه هذا الحلم الجميل الذي ناضلنا جميعا في الجنوب والشمال من أجل تحقيقه، وهنا تكمن الأسباب الحقيقية والعميقة للاحتقان الحاصل الذي حذرت من تبعاته منذ وقت مبكر، وتحديدا بعد الحرب مباشرة في العام 94، واليوم لانحذر من التبعات التي باتت أمرا واقعا، وإنما من تبعات التبعات وما يمكن أن تشكله من خطر كبير على الوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي، خاصة إذا ما استمر تجاهل مطالب المحتجين وتجاهل المبادرات للحل التي تطلق بين الحين والآخر، تارة من الجنوب وتارة من الشمال من دون أن يكترث إليها، مع أنها جميعا تلتزم مبدأ الحوار منهجا وسلوكا، وهو مبدأ حضاري لايختلف عليه اثنان، إلا أن الإرادة السياسية للحل لاتزال مفقودة، وهي مطلوبة أولا وأخيرا، وإلا سنبقى في دائرة حديث الطرشان.

> هل صحيح أن بنية دولتي اليمن قبل الوحدة والمعالجات الخاطئة التي عملت عليها دولة الوحدة للمواءمة بين البنيتين بعد الوحدة ضيعت المنجزات الاقتصادية التي حققتها جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا، وأدت إلى تفشي الفقر والبطالة في المحافظات الجنوبية؟

- اليمنيون جميعا في الشمال والجنوب على حد سواء عندما تطلعوا إلى الوحدة كانت بالنسبة لهم حلما جميلا وهدفا عظيما، علقوا عليها الآمال من أجل الوصول بالبنيتين والدولتين إلى دولة واحدة موحدة كبيرة وقوية، ترسخ هويتهم التاريخية المشتركة وتؤمن لهم هذه الهوية على أرض صلبة يعتزون بها، يبادلونها الحب والوفاء وتبادلهم الخير وتمنحهم العزة والكرامة والرخاء، وتكون عنوانا لافتخارهم على مستوى المنطقة والعالم أجمع.. ولكن هذا الحلم الذي تحقق على حين غرة اصطدم بحائط مبكى وفقا لجملة من الظروف الذاتية والموضوعية، وكانت حرب 94 وما تبعها من ممارسات التجسيد الحي لسقوط الحلم الجميل في يقظة مفزعة قلبت الحسابات وغيرت الموازين، فانعكس كل ذلك سلبا على حياة الناس وظروفهم المعيشية، وبعيدا عن الإشادة بتجربتنا في الجنوب سابقا على الصعيد الاقتصادي، فإن الجنوبيين يتذكرون جيدا المنجزات الاقتصادية التي تحققت في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والتي أشرت إليها في سؤالك، حيث كان المواطنون جميعا ينعمون بالمساواة، وباكتفاء ذاتي عملت الدولة على تثبيته من خلال مجانية التعليم والتطبيب المجاني ودعم أسعار المواد الغذائية الأساسية والسكن الرخيص، إضافة إلى الأمن والاستقرار الذي كان ينعم به المواطنون في الجنوب حيث لم يشهد الجنوب أي حالة ثأر منذ قيام الدولة في الجنوب حتى نهاية الثمانينات، وكل ذلك تحقق في ظل سيادة القانون، حيث لا مكان للفساد والفاسدين في أجهزة الدولة ومؤسساتها.

وكان يمكن لدولة الوحدة في عام 1990 أن تبني على ذلك وعلى ما يوجد في الشمال من ثروة بشرية وغير ذلك فتحصل طفرة نوعية في حياة الشعب اليمني بأكمله، ولكن مع الأسف لم يتم الحفاظ على ما كان في الجنوب من منجزات اقتصادية ومن نظام مالي وإداري متطور ورثناه عن الإنجليز الذين حكموا الجنوب لأكثر من 120 عاما، ولا على ما كان في الشمال أيضا نتيجة تغليب المصالح الخاصة على العامة والخلافات السياسية وصولا إلى الحرب والضم والإلحاق، فذهبت البلاد في الاتجاه الخاطئ، وأسوأ ما في هذه الحقائق ألا تجد من يعترف بها حتى الآن وخاصة من قبل صانع القرار.

> هل توافقون على ما ذهبت إليه بعض قوى المعارضة أن هناك عسكرة للحياة المدنية وإقصاء للمدنيين والعسكريين من وظائفهم، وأن المتضرر الأكبر من هذه السياسة أبناء المحافظات الجنوبية، وأن الحكومة اليمنية لم تف بوعودها، ولم تعالج كما يجب ذيول حرب 94؟

- أعتقد أن الحديث عن هامش ديمقراطي في اليمن يستوجب منطقيا التوجه نحو إنعاش الحياة المدنية وتنمية الواقع المدني وهذا يتأتى من خلال إرادة سياسية حقيقية في المقام الأول، وتضطلع منظمات المجتمع المدني بجزء من المسئولية، وأن يتجه القرار السياسي نحو عسكرة الحياة المدنية كما أشرت في سؤالك فهذا يخالف أبسط المعايير الديمقراطية بشكل خاص والحضارية بصورة عامة، لذلك فإن المتضرر من ذلك هو كل مواطن يعيش في ظل هذا الواقع، جنوبيا كان أم شماليا، ولكن انعكاس ذلك بشكل أكبر على أبناء المحافظات الجنوبية له خصوصياته المعروفة والمشهودة، فهناك سبب عسكري مباشر من خلال حرب 94 التي كان بالإمكان تجاوزها بقطع أي أثر سلبي لها منذ اليوم الأول، وهذا ما نبهنا إليه في تلك الأيام، ولكن لا حياة لمن تنادي، ومع الأسف النظام يواجه المظاهرات والاحتجاجات السلمية التي تحدث منذ عام وحتى اليوم في المحافظات الجنوبية بالعنف والقتل والسجن والمطاردة، وآخرها ما حصل في عدن ولحج وأبين، واعتقال القيادي البارز في محافظة أبين حسين زيد بن يحيى ظهر يوم 2008/4/6 أكبر دليل على إرهاب الدولة، وإصرارها على رفض كل الخيارات السلمية.

> برأيكم ما هي مشروعية دعوة البعض إلى إعطاء أبناء محافظات الجنوب (حق تقرير المصير) في سياق تقييم تجربة الوحدة التي بدأت في العام 1990؟

- يكثر الحديث في الوقت الراهن على مستوى العالم ووفق حسابات اللعبة السياسية الدولية عن الفضاءات الكبيرة وعن التكتلات، وينأى الكثير من الحريصين على دولهم بأنفسهم عن الغوص في مسلك تفتيت المفتت وتجزئة المجزأ، لأنه يخالف طبيعة العالم اليوم، ويجعل من هذه الدولة أو تلك لقمة سائغة للحيتان، وأما ما يتردد عن مشروعية لحق تقرير المصير لأبناء المحافظات الجنوبية فهو مؤشر واضح إلى مدى الاحتقان الحاصل في الجنوب، ودليل قاطع على وصول الناس إلى مرحلة من اليأس نتيجة طول فترة الإقصاء منذ عام 94 حتى اليوم، وقد لاحظت أن تقييم تجربة الوحدة بات موضوعا للبحث والنقاش في الكثير من الندوات والمؤتمرات التي تقام داخل اليمن، وينظمها ناشطون من الشمال والجنوب، فهناك من يوجه انتقادا لتجربة الوحدة منذ قيامها في العام 90، وهناك من ينتقد الفترة من 90 إلى 94 بوصفها فترة وهمية غلبت فيها المصالح الحزبية على مصلحة الوطن، وهناك من يكرس الانتقاد على حرب 94 وعلى آثارها المأساوية التي غيرت الخريطة السياسية برمتها وهذه النقطة محل إجماع، وكنا نتمنى لو جرت الاستفادة من تجربة اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة التي أسسها ورعاها القائد الحكيم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله.

> هل ترون وجود عوامل خارجية ضاغطة كانت وراء تصاعد الأزمة، لأن بعض الجهات الأجنبية تريد إفشال تجربة الوحدة اليمنية وما تمثله من تجربة فريدة في التاريخ العربي الحديث؟

- لاتخلو أية تجربة سياسية نوعية من وجود عوامل ضاغطة قد يكون منها عوامل خارجية، ولكني على يقين أن العوامل الخارجية لايمكنها أن تسير من دون عكازات داخلية محلية ومن دون توافر ظروف مساعدة، لذلك ينصب النقد على العوامل الداخلية المحلية لأنها هي الأساس في نجاح أو إخفاق التجربة، وتجربة الوحدة اليمنية تعتبر تجربة نوعية، فنجاحها أو إخفاقها سببه المباشر والأساسي العامل الداخلي، لذلك نكرس تحذيراتنا ووجهات نظرنا، والتي تقرأ معظمها بطريقة سلبية على أطراف الصراع في الداخل، هذا في وقت سابق، أما اليوم فإننا نخص بها صاحب القرار السياسي والإداري فهو وحده من يملك زمام الأمور.

وأريد أن أؤكد للرأي العام وللتاريخ أن الخطر الحقيقي على الوحدة من داخل القلعة وليس من خارجها.

نص حوار د. محمد السعدي

> كيف نجد موقف حزب التجمع اليمني للإصلاح مما يدور اليوم من أحداث في الجنوب؟

- أوضاع الجنوب الحالية هي نتيجة لتراكم سياسات الحكومات المتتالية للمؤتمر الشعبي العام، والقاضية بترحيل الأزمات والمشكلات وعدم وضع الحلول المناسبة المنصفة في وقتها، وهذا التصعيد مؤسف لنا جميعا، وهذه الأوضاع مضرة بالنسيج الاجتماعي والسياسي للبلاد.

أما بالنسبة للتجمع اليمني للإصلاح فآراؤه معلنة وواضحة كما في كثير من المواقف، وبصفته اليوم عضوا فاعلا في تكتل اللقاء المشترك فقد رحل آراءه الحزبية إلى آراء إجماعية تخرج في مواقف محددة في بيانات وآراء تكتل اللقاء المشترك.

> أليس لديكم قلق مما يحدث في الجنوب، خاصة لجهة رفع بعض الدعوات الانفصالية والعودة إلى ما قبل 22 مايو 1990؟

- الخوف على الوطن بشكل عام. الإشكالية هنا تتمثل في الانسداد الذي يعانيه المؤتمر الشعبي العام من عدم السماح إلا بسماع صوته هو، وعدم قبول الحلول من الجهات الأخرى إلا الحلول التي ترضيه هو، وهذا يعني انه لايوجد شركاء سياسيون، وإلغاء الشركاء السياسيين هو الذي يؤدي إلى مثل هذه الدعوات، ثم إن الحلول الجزئية الانتقائية أو الحلول الشخصية في قضايا وطنية هي التي تؤدي إلى النفق المظلم الذي عبرنا عنه في مواقفنا السابقة في التجمع اليمني للإصلاح.

للأسف إن الذي يحدث فعلا يؤثر في كل سياسي وفي كل من لديه نزعة وطنية والخوف من أن يتصاعد هذا الأمر إلى أن تصبح هذه الدعوات لها دوائر أوسع ولها مستجيبون كثر.

> لماذا برأيكم يتهم الحزب الاشتراكي بأنه وراء ما يحدث في المحافظات الجنوبية والشرقية؟ هل للأمر صلة بحكمه للجنوب قبل الوحدة؟

- المؤتمر الشعبي العام يحاول أن يصنف خصومه السياسيين، وأن يركز على الحزب الاشتراكي ويجعل القضية محصورة فيه أو حتى في اللقاء المشترك، وقد بينا في آخر البيانات حول الأحداث الأخيرة أن المشكلة اليوم ليست بين قوى سياسية، بل بين النظام والشعب بكل فئاته.

مبادرة إنقاذ

> هل اختلطت الأوراق بين المطالب الحقوقية والمطالب السياسية؟

- الأهم عند الموطن الحياة المعيشية، ونحن في القوى السياسية نفرق بين المطالب المدنية والمطالب السياسية، ونرى أن أية مشكلة في الجانب الاقتصادي أو الجانب الخاص بالحقوق المدنية مفتاحها مفتاح سياسي، وبالتالي المبادرة التي قدمناها في 2005 للإصلاح السياسي والاقتصادي الشامل تعتبر مفتاحا لحلول للمشكلات الأخرى.

اليمن يعاني اليوم من مشكلات متعددة، سواء في الجانب الاقتصادي أو في الجانب الأمني، اليوم أصبح الجانب الأمني هو الذي يعكس نفسه على الجوانب الاقتصادية وعلى الجوانب الأخرى.

> هل مازال مشروعكم المقدم للإصلاح الشامل قبل فترة صالحا لليوم؟

- بالتأكيد هناك مستجدات، لكن لايزال جزء كبير منه صالحا، ولكن في ظل المستجدات الآن نحن بحاجة إلى مبادرة لإنقاذ الوطن، وإلى رؤية جديدة تتناسب مع المستجدات الحاصلة داخل البلد، وخصوصا ما حدث في صعدة من تنازلات من قبل النظام وما يحدث اليوم في الجنوب من تصاعد في المطالب.

> هل مبادرة الإنقاذ هذه محصورة فقط في حل جزئية معينة كحل المشاكل في الجنوب أم أن هناك نظرة عامة؟

- النظرة العامة هي الطاغية في هذا الأمر، وينبغي الآن أن نوجد مدخلا لحلول مشكلات اليمن، والعمل على عدم تكرار مثل هذه المشكلات التي تتصاعد وتتزايد وتتوارث من جيل سياسي لآخر.

نحن نرى أن هناك مشكلة في السلطة ومشكلة في الثروة، وتنعكس هذه المشكلات على العمل السياسي، وأي إنقاذ يجب أن يشمل الحل المفتاح السياسي لقضايا اليمن عموما وتحت سقف الوحدة اليمنية والتعددية والديمقراطية، ولكن بشكل نزيه وبشكل شفاف.

> في ما يتعلق بالجنوب، ما هي رؤيتكم لتهدئة الاحتقان القائم؟

- الاعتراف من قبل النظام بوجود أزمة، هذه مرحلة أولى ثم دعوة القوى السياسية المؤثرة لتشخيص هذه الأزمة، ووضع الحلول بشراكة وطنية بين كل القوى المؤثرة بما فيها الأحزاب السياسية والقوى الاجتماعية، والنظام لا شك في أنه الطرف الرئيسي في هذا الأمر.

> كيف تكون هذه الشراكة؟ هل العودة إلى السلطة أو تقاسمها؟

- بعمل آليات سياسية تسمح للآخرين بالوصول إلى السلطة عبر الديمقراطية والنضال السلمي، بأن نعيد المنظومة الانتخابية بشكل صحيح، بحيث لاتعيد فرز الناس الذين تفرزهم في كل نتائج انتخابية، كما نعمل أطرا تسمح بالمشاركة بشكل أكثر، ولاتفصل النتائج على مقاسات السلطة بوسائلها وإعلامها وقوتها المالية والعسكرية، كما هو حاصل الآن.

لا قطيعة مع الحاكم

> لماذا انتقلت العلاقة بين حزبي الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام من مربع التحالف إلى مربع العداء؟

- التجمع اليمني للإصلاح وقع تحت المضايقة من بعد الائتلاف الثنائي، ونظر له المؤتمر الشعبي العام بأنه منافس قوي ولم ينافسه منافسة شريفة، وإنما اتجه إلى تقليص نفوذ هذا النشاط البارز، وصار الفكر الاستئصالي يهيمن على توجهات المؤتمر الشعبي فضايقه في وظائفه وفي متابعة عناصره، وبالتالي كان الإصلاح يحرص على الحلول الثنائية باستخدام العلاقات التاريخية المشتركة مع المؤتمر الشعبي العام، لكن المؤتمر الشعبي العام لديه ثقافة التملك؛ فإما أن تمضوا معي كما أريد وإلا أنتم خصومي، وبالتالي فضلنا ألا نكون أجراء تابعين مادمنا حزبا سياسيا له أهدافه وله مشروعه في العمل السياسي.

> هل نفهم من ذلك أن هناك قطيعة مع المؤتمر الشعبي العام؟

- لا، نحن لانؤمن بالقطيعة، لكننا لانؤمن بأن مفهوم التواصل هو مفهوم استخدامي، ونرى أن التواصل يجب أن يكون في احترام القوى السياسية كل في موقعه وإمكانياته وتاريخه وحجمه وخلفيته السياسية، بمعنى أن القوى السياسية بكل أطرافها هي يمنية ولها كافة الحقوق ولها حق المشاركة.

> لو اختار النظام الحوار مع الحزب الاشتراكي منفردا، هل ترفضون؟

- لانرفض أبدا، لكن سبق أن حسم هذا الأمر في اللقاء المشترك، ليس هناك قطيعة بالاتصال الشخصي مع قادة المؤتمر أو مع الرئيس، لم يعد هناك من المصلحة الانفراد في التعامل مع المؤتمر الشعبي العام.

المخرج

> هل تعتقدون دائما أن حلول المشاكل هي في يد الرئيس علي عبدالله صالح؟

- أعتقد أن الرئيس هو الآن القوة الرئيسية في المؤتمر الشعبي العام، لكن هناك بالمقابل طبقة من المحيطين بالرئيس هم الذين يطبخون ويصنعون الرأي، بل هم الذين يؤثرون بالقرار وبثقافة الرئيس حتى في تعامله مع القرارات السياسية على المستوى الداخلي أو المستوى الخارجي الإقليمي.

هذه المجموعة المحيطة بالرئيس وهي قيادة ممثلة في المؤتمر الشعبي العام أصبحت قوى مؤثرة ولها أجندتها في تكوين وصناعة القرار.

> ما هو المخرج إذن للأوضاع الملتهبة اليوم؟

- المخرج هو في الاعتراف بوجود أزمات كبيرة في البلاد، هناك أزمة جنوبية حقيقية وأزمة عامة وسياسية حقيقية، كل هذه أنتجت أزمة أمنية وأزمة اقتصادية.

النظام هو المسئول الأول عن هذه الأزمات المتكررة والمتتالية، وبالتالي يجب عليه أن يخضع وأن يعترف بوجود هذه الأزمة ثم يدعو القوى السياسية للاستماع منها وليس من أجل إسماعها ما يريد.

نص حوار أبوبكر باذيب

> الأحداث في الجنوب تشهد منذ أيام تصاعدا لافتا من خلال الاحتجاجات والاعتصامات، كيف تقرأون المشهد؟

- أعتقد أن الأحداث متصاعدة في الجنوب منذ سنوات ولاتزال، وهي تتصاعد بفعل عدم قدرة السلطة على مواجهة المطالب والاستحقاقات التي تطرحها هذه الجماهير منذ أن بدأت أول تظاهرة سلمية في الجنوب وفي عدن تحديدا من أجل المطالبة ببعض الحقوق المطلبية المستحقة، وأهمها عودة المسرحين لأعمالهم، وكانوا بالآلاف، والسلطة غير قادرة على الاستجابة لهذه الآلاف، وإن استجابت فالاستجابة كانت جزئية.

ولكن القضية اليوم أكثر من مجرد كونها قضية مطلبية ومعيشية، القضية سياسية في نفس الوقت، الناس في الجنوب بشكل عام وربما في كافة المناطق يعانون من أمور كثيرة جراء حرب 1994 ولايتعلق الأمر فقط بإزاحة الناس من أعمالهم وتسريحهم، لكن المواطن الجنوبي يشعر بأن التعامل معه يتم على أساس انه مواطن درجة ثانية.

للأسف بعد هذه الحرب المشئومة جرى التعامل مع الجنوب وكأنه مجرد أرض وثروة، فلم يعط الاعتبار للإنسان الذي يعيش في هذا الجزء من الوطن اليمني بالرغم من أنه لعب دورا رئيسيا في تحقيق الوحدة التي نعيشها الآن.

لم تكتف السلطة بعد حرب صيف 1994 بإقصاء الحزب الاشتراكي اليمني، وإنما أكاد أقول إنها أقصت المواطن الجنوبي من القرار السياسي والاقتصادي، وكل هذه الأمور تراكمت إلى أن انفجرت في شكل تظاهرات وتحركات أخذت أشكالاً مختلفة، وتكونت العديد من المنظمات المدنية، ولأول مرة صار في الجنوب إحساس عام بضرورة التحرك ضد الغبن الذي كان يعانيه الجنوب طوال هذه الفترة.

للأسف اتجهت الأمور أحيانا من قبل البعض إلى رفع الشعارات، وحاولت السلطة استغلالها، وهذه الشعارات كانت تتعلق بوضع حد لهذا التفرد للسلطة المركزية، ووصلت إلى حد المطالبة أحيانا بحق تقرير مصير الجنوب وما إلى ذلك، لكنني أعزو هذا إلى درجة الاحتقان الذي كان موجودا في الجنوب ولايزال، وعدم تصحيح الأوضاع من قبل السلطة.

القضية الجنوبية

> هل هذا يعني بأن هناك قضية جنوبية بوضوح؟

- علينا أن نعترف بأن هناك قضية جنوبية موجودة على أرض الواقع، حتى عند الذين لايعترفون بهذه القضية، القهر وأسلوب الإذلال الذي مورس خلال هذه الفترة أوجد القضية الجنوبية، ومن دون النظر إلى هذه القضية بشكل واقعي لانستطيع أن نقترب من حلها.

لكن ما هي بالضبط هذه القضية الجنوبية، فلايزال هناك التباس حول هذه القضية، في تقديري أن القضية الجنوبية تكمن في تصفية آثار حرب صيف 94، وتحقيق شراكة وطنية حقيقية، وهي الشراكة التي افتقدها الجنوب منذ حرب 1994، الشراكة لاتعني اقتسام السلطة كما يردد البعض، لكنها تعني شراكة الشعب كله، بمعنى آخر أن المواطنين في الجنوب كما في الشمال يجب أن يكونوا مشاركين في صنع القرار، لابد أن يشعر المواطن الجنوبي بأنه يقول رأيه فيما يتعلق بالقرارات التي تمس مصيره، الشراكة هي شراكة الشعب وليست شراكة أحزاب، فالحركة التي تجري في الجنوب ليست حركة هذا الحزب أو ذاك.

الحزب الاشتراكي اليمني لم يدع أنه صاحب هذه الحركة، لكن لا شك في أنه مؤثر أساسي في هذه الحركة مثله مثل غيره من الأحزاب، السمة الرئيسية في هذه الحركة هي السمة الجماهيرية، وهذه ميزة تنفرد بها هذه الحركة منذ وقت طويل، فنحن لم نشهد مثل هـذه الحـركة، ونتمنى أن تستمر في هذا التوجه على أن ترشد من أهدافها وأساليبها مستقبلا.

> لكن كيف تفسر أن معظم المعتقلين هم من الحزب الاشتراكي وليسوا من المعارضة، ألا يعني أن الحزب الاشتراكي هو المعني؟

- هذا يعود في تقديري إلى الزاوية التي تنظر السلطة من خلالها إلى الأمور، هي تعتقد دائما أن الحزب الاشتراكي وراء كل ما يحدث من تحرك في الجنوب، وإن لم يكن هو الفاعل الرئيسي فيها، فالسلطة تعتقد أنه المؤثر الرئيسي في هذه الأحداث، وصارت تدمغ الحزب الاشتراكي وتتهمه كلما تحركت مثل هذه التحركات.

وأنا أريد أن أقول إن الحزب الاشتراكي لايريد أن ينفي صلته بما يجري في الجنوب، لكن في الأساس هذه الحركة هي حركة شعبية جماهيرية، الحزب لن يتردد في القول إنه يقود هذه الحركة إذا كان فعلا يقودها، لكنه لايقود هذه الحركة ولايدعي قيادتها، لكن العلاقة التاريخية بين الحزب الاشتراكي والجنوب علاقة واضحة، ولا تحتاج للتوضيح أكثر.

اليوم عدد من القيادات الاشتراكية موجودة في المعتقلات، وبعضها ليس له علاقة بأحداث الشغب أو هذه الحركة التي تدعي السلطة أنه يقودها.

> ألا تخشون من انفلات الوضع وعدم القدرة على السيطرة على الشارع في حال ما إذا تدهورت الأمور أكثر؟

- نحن في الاشتراكي وتكتل اللقاء المشترك كذلك نرى أن الأمور إذا انفلتت فستكون السلطة هي المسئولة عن ذلك، لأن الوسائل التي تتبعها الآن في مواجهة هذه التحركات السلمية هي التي تؤدي إلى ردود فعل سلبية من الناس، لنأخذ على سبيل المثال في ردفان والحبيلين الأسبوع الماضي عندما وعدت مجموعة من الشباب بالتجنيد، وأخذوا إلى المعسكرات، ثم طلب منهم أن يخرجوا من المعسكرات لأن التجنيد غير متاح لهم، فعادوا بغضب شديد وعملوا ما عملوه في الحبيلين، وفعلا حصل شغب كبير، والغريب أن السلطة عندما حدث هذا كانت تتفرج ولم تتدخل.

وانتهى الأمر عند هذا الحد، ثم فجأة وبعد يوم مما حدث تأتي السلطة بقوة عسكرية كبيرة جدا معززة بدبابات وصواريخ ومدافع و(آر بي جي) وطائرات وحملة عسكرية كبيرة لا أول لها ولا آخر، وقامت باعتقالات واسعة لعدد من القيادات السياسية، حزبيين وغير حزبيين، ولم تعتقل بحسب علمي عناصر كان لها صلة بأحداث الشغب التي وقعت، حتى إن المرء يتساءل هل كانت السلطة بحاجة للشغب لكي تقوم بهذه العملية العسكرية الطويلة التي تدل أنها مبيتة لاعتقال قيادات الحراك السياسي؟

اليوم نجد أن كثيرا من المظاهرات تنطلق في كل المحافظات للمطالبة بإطلاق سراح المعتقلين، بمعنى آخر أن هذه القوة العسكرية لم تسكت هذه الحركة بل بالعكس أفرزت نتائج أخرى، اليوم هناك مشاكل في حضرموت وفي أكثر من منطقة في الجنوب، وحتى في الشمال، هناك تداعيات لهذه الحركة في تعز ومدن أخرى.

المزاج في الجنوب

> هل تعتقدون أن مزاج الناس في الجنوب بدأ يتغير، بمعنى آخر هل بدأ الحنين بالعودة إلى الماضي؟

- أعتقد فعلا أن هناك مزاجا آخر في الجنوب، ويجب أن نأخذ هذا بعين الاعتبار، لانستطيع أن نعتبر ما يحدث الآن في الجنوب أنه مجرد طفرة أو ثورة آنية، هناك فعلا مزاج، نحن الذين أتينا من الجنوب نشعر بأن هناك تغييرا كبيرا حصل في أذهان الناس وطريقة تفكيرهم، وتفجر فجأة في شكل هذه المظاهرات والتحركات.

ولهذا أفسر أن بعض الشعارات التي تنطلق هي بفعل هذا المزاج الحاد، لم يعد هناك تفكير عند البعض أنه يمكن إصلاح الأمور عبر الوحدة، ونحن في حوار دائم مع هذه الأفكار، وهذه الآراء تقول إن السلطة أصبحت تقتل الوحدة بممارساتها غير الوحدوية، وهنا تكمن المشكلة.

وعلى كل حال الاستجابة لهذا المزاج ينبغي أن يتم بشكل عقلاني، وأن تدرك السلطة أولا أن هناك مشكلة حقيقية في الجنوب، وأن المشكلة ليست فقط حقوقية وإنما مشكلة سياسية بدرجة أساسية، بدون هذا أعتقد أن الأمور ستستمر في التدهور والانزلاق نحو الهاوية.

> ألا ترى أن مزاج الشارع يمكن تصديره إلى داخل الحزب الاشتراكي، بمعنى آخر أن ينقسم الحزب بين من يؤيد هذه التحركات ومن يعارض؟

- هذا المزاج الحاد موجود داخل الحزب الاشتراكي أيضا، لا أريد أن أغطي على هذا الأمر، لكننا نحاول في القيادة أن نستوعب كل هذه الأفكار بطريقة ديمقراطية، ونحاول أن نناقش هذه القضايا كلها ونصل إلى اتفاق مشترك.

> حتى الآن ليس هناك خطر يتمثل في انقسام الاشتراكي، بل على العكس كلما مرت الأيام تأكد أن الحزب الاشتراكي هو الملاذ لكل هذه القوى التي تريد أن تحدث تغييرا سلميا للسلطة، نحن لسنا مع أية اتجاهات متطرفة، بل مع الحفاظ على الوحدة، لكن السؤال أية وحدة؟ بعد كل ما حصل، الوحدة ينبغي أن تكون وحدة ديمقراطية كما تم الاتفاق عليها في 22 مايو 1990، لابد من إعادة صياغة للكثير من الأمور إذا أردنا الحفاظ على الوحدة بطريقة ديمقراطية، ونعطيها وجهها الحقيقي المشرق الذي أعلنت فيه في 22 مايو.

الشعار الرئيسي الذي يتبناه الحزب الاشتراكي ويتبناه تكتل اللقاء المشترك هو أن السقف النهائي لهذا الحراك كله هو سقف الوحدة والديمقراطية، ما دون هذا السقف يمكن مناقشة أي أمر من الأمور يتعلق بتطوير الأوضاع في الجنوب والشمال، ولابد أن يقترن هذا التفكير بإصلاح سياسي، لأننا نعتقد أنه بدون إصلاح سياسي للنظام ككل لايمكن التقدم صوب إصلاح الوحدة أو إصلاح أي أمر من الأمور.

> هل هذه النظرة موحدة لقادة الحزب سواء في الداخل أو الخارج؟

- هذه وجهة النظر الغالبة التي تمثل القطاع الغالب من الحزب، والتي كل يوم تكسب أرضا جديدة، خصوصا مع وجود هذه الخروق في هذا الاتجاه أو ذاك.

> بالنسبة لقادة الخارج هل هناك تواصل ورؤية لما يمكن أن يكون؟

- هناك تواصل مع قادة الخارج، وغير صحيح القول إن قادة الخارج من الاشتراكيين هم وراء هذه الأحداث، أو إنهم يشجعون عليها، أنا كنت في الخارج قبل وقت قصير والتقيت الكثير منهم، وأستطيع أن أؤكد أنهم يفكرون بذات الطريقة التي يفكر فيها الحزب الاشتراكي اليمني، الخط السياسي للحزب الاشتراكي اليمني هو الحفاظ على الوحدة مع إعادة الاعتبار للوحدة، وليس صحيحا أنهم وراء بعض الأحداث التي تتهمهم السلطة بالوقوف وراءها، هم يريدون التغيير مثل الحزب الاشتراكي اليمني، التغيير الذي يسير وفق نهج عقلاني يعيد الاعتبار لوحدة 22 مايو، وبنفس الوقت يدركون أن هناك قضية جنوبية ينبغي التعامل معها بشكل سليم وصحيح، هذه القضية إن لم تكن موجودة في السابق فهي موجودة الآن كما يقولون وكما يؤكدون، وكلهم حريصون على الأمن والاستقرار وتعزيز الوحدة.

> هل يشمل هذا الرئيس الأسبق علي ناصر محمد؟

- نعم يشمل الأخ علي ناصر محمد ويشمل الأخ حيدر أبوبكر العطاس وعلي سالم البيض، وكلهم قيادات واعية لما يحدث في الجنوب، ويحرصون على أن تنتهي هذه الحركة بما يحدث تغييرا في إطار الوحدة.

> كيف تقرأون تصريحات الرئيس علي ناصر محمد الأخيرة ورد الفعل من قبل السلطة؟

- تسير في هذا النهج، لا أريد أن أزعم أنه ليس هناك اجتهادات لدى بعض الإخوة في الخارج مثل ما هنالك اجتهادات في الداخل، هناك اجتهادات هنا وهناك، نحن في وضع غير اعتيادي واستثنائي، لذلك لابد أن نتوقع الكثير من الاجتهادات، لكن المهم أن نصل في الأخير للقرار الصحيح والسليم الذي يجنبنا شر التفتت والتمزق والانقسام.

الحوار مع الحاكم

> في ما يتعلق بالأحداث الأخيرة هل جرى حوار بينكم وبين الحزب الحاكم؟

- يجري حوار، لكنه غير رسمي، الحوار الرسمي يمكن أن أقول إنه وصل إلى طريق مسدود، لكن لايمكن القول إن هناك قطيعة مع حزب المؤتمر ومع الرئيس نفسه، ونطرح آراءنا باستمرار أننا إذا أردنا أن نعيد للحوار جدواه وقيمته ينبغي أن نرتب الأمور على النحو الصحيح.

لانستطيع أن نتحاور اليوم مثلما كنا نتحاور قبل عامين أو ثلاثة، هناك شيء جديد يتحرك على الأرض ينبغي أن نستمع لهذا الشيء الجديد، وأهم ما في هذا الجديد هو أن طريقة التغيير صارت مطروحة سواء في الجنوب أو الشمال، القضية ليست قضية انتخابات فقط أو قضية اللجنة العليا للانتخابات، القضية صارت أكبر من هذا، صحيح أن هذا الأمر مهم، ولكن من المهم أن نناقش ما يجري اليوم في اليمن ككل.

لهذا لاتوجد قطيعة مع الحزب الحاكم ومع الأخ الرئيس شخصيا ومع عدد من العناصر العقلانية داخل حزب المؤتمر، لكن لانستطيع أن نزعم أن هذا الحوار رسمي.

> ما هو المخرج في رأيكم لقطع الطريق على كارثة يمكن أن تحدث لو استمرت الأمور على ما هي عليه اليوم في الجنوب؟

- لم يعد المخرج يكمن في حوار بين المشترك وحزب المؤتمر الشعبي العام، لأننا نشعر في المشترك وفي الحزب الاشتراكي اليمني أن الأزمة أصبحت أزمة وطنية عامة، وأن قوى كثيرة داخل المجتمع من حقها أن تقول رأيها في ما يدور وتقديم المخارج المطلوبة.

لهذا ندعو لحوار وطني بشكل أو بآخر، يعد له الإعداد الصحيح حتى يمكن أن نخرج برؤية محددة للخروج من هذه الأزمة الوطنية الحادة.

يجب أن يشمل الحوار كافة القوى السياسية التي لديها القدرة على أن تقول رأيها في ما يدور، والمشاركة فيما يجري من أحداث، لاينبغي أن يكون الحوار مقصورا على المشترك والمؤتمر الشعبي العام وبالطريقة التقليدية السابقة، من الأفضل إشراك قوى كثيرة في هذا الحوار لنخرج بوثيقة تدلنا على طريق انفراج وحل يحفظ لليمن وحدته، ويحمي الشعب اليمني من التمزق».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى