> «الأيام» الخضر عبدالله محمد:

الأطفال ومعاناة شحة المياه في عراكبي
منطقة عراكبي تعاني ما تعانيه منطقتا امعين وامقاع، اللتان تطرقنا إلى أوضاعهما في الاستطلاعات السابقة فهي محرومة من التعليم وماء الشرب والصحة والطرق والاتصالات، وتفتقر إلى كثير من الخدمات الأخرى. «الأيام» زارت المنطقة ضمن استطلاعاتها لمعرفة أحوال وهموم أبناء المنطقة وآمالهم وأحلامهم فإلى الاستطلاع.
الطرق إلى المنطقة ترابية ووعرة
بعد أن أنهينا استطلاعنا الصحفي في منطقة امقاع شددنا الرحال إلى منطقة عراكبي، مارين ببعض المناطق على جنبات الطريق، وعند خروجنا من منطقة امقاع، مارين بمدينة امعين وصلنا إلى الطريق الترابية التي تحيط به الأراضي الزراعية من كل الاتجاهات، وكانت الطريق وعرة وخطرة وضيقة بما يفوق الوصف.. قضينا أكثر من ساعة بين صعود وهبوط على الرغم من أن المسافة كانت قصيرة، ولا تستغرق إلا نصف ساعة إذا كانت الطريق سليمة أو حتى شبه سليمة، على أي حال وصلنا منطقة عراكبي ووجدناها وحيدة مع معاناتها لا يشاركها في ذلك غير نواح الطيور التي شردها الجفاف، وماشية أهلكها الظمأ لعدم وجود مشروع ماء، ولكن على وجهها ترتسم ابتسامة رغم المعاناة وفي عيون قاطنيها التي تبدو عليها دهشة وبراءة الطفولة.. أهالي المنطقة يسكنون بيوتا معظمها قديمة مبنية من الأحجار الصغيرة، وسقوفها من الطين، ومع ذلك فإن ساكني هذه المنطقة يرونها بمثابة القصور الفارهة، غير أن ما يبعث في نفوسهم الحزن والأسى هو عدم اكتراث الدولة لهم، حتى أن قريتهم تكاد تكون مجهولة لكثير من الناس.
الماء.. ورحلة الذهاب والإياب
في هذه المنطقة يبدأ مسلسل رحلة الذهاب والإياب لنساء وفتيات خلف أسراب الحمير.. حالات طوارئ..! آبار نازحة وأزمة مياه خانقة ومشروع المياه يلهث وراء السراب.. أجيال تتعاقب وهم جفاف الماء محنة لم تجد المعالجات.. تورمت أقدام النساء، وتجعدت وجوههن من أجل الحصول على شربة ماء.. وأصبح الحصول على قطرة من الماء هماً يؤرق كل منزل.. بجانب إحدى الآبار وجدنا شبابا في طابور كل منهم يمثل أسرته لأخذ نسبة محددة من اللترات، يتم توزيعها كأنهم أمام مؤسسة تعاونية حكومية.. يخافون الموت عطشاً ويخشون أن تحل بهم الكارثة، لأنهم يعلمون علم اليقين أن حكومتهم لن تستجيب مع سابق الإصرار.. أطفال وفتيات في عمر الزهور يغدون صباحاً من المنطقة إلى إحدى الآبار لجلب الماء، فيما بعض الأسر ميسورة الحال تقوم بشراء صهاريج المياه (البوزة) بمبالغ باهظة.. مناظر تئن لها الإنسانية، ويندى لها جبين الوطن.. أهالي منطقة عراكبي الشيوخ والعجزة والنساء والأطفال والرجال قذفت بهم سياسة الإفقار والتجويع إلى سراديب الفاقة والفقر، وكانت كلماتهم تخرج كالصواعق لعلها تجد آذانا صاغية وضمائر حية.
المنطقة دون عيادة صحية
المنطقة وضعها يُرثى له.. لا عيادة صحية ولا خدمات! ومن يصيبه المرض يتم إسعافه إلى أي مستوصف أو مستشفى لودر، ويتحمل المرضى تكاليف باهظة أجرة السيارة التي تنقله وتكاليف العلاج، فحال الصحة في منطقة عراكبي يُرثى له.. وعبر صحيفة «الأيام» ناشد الأهالي المسئولين الاهتمام بالجانب الصحي في منطقتهم، كما أنه يصعب نقل المريض بصورة سريعة، لذلك فإن أكثر حالات الوفاة بسبب هذه العوامل.. كما تساءل الأهالي إلى متى ستظل هذه المنطقة محرومة من الخدمات الصحية؟
الاتصالات ووعود الانتخابات
فالاتصالات التي تبعد عنهم بمسافة ليست بعيدة، أيضا هذه الخدمة لا ينعمون بها ولا تنصاع لاهتمامهم، وكأنهم ليسوا من البشر أو من سكان اليمن، بل وكأنهم من جزر الواق واق- فالاتصالات التي تبعد عن منطقتهم بمسافة قريبة تحتاح إلى 10-15 عموداً فقط، وستنعم المنطقة بهذه الخدمة، إلا أن أحداً لم يعرهم أدنى اهتمام، بالرغم من الوعود التي حصلوا عليها في موسم الانتخابات بإيصال خدمة الاتصالات السلكية إلى منطقتهم، وبمجرد الانتهاء من الانتخابات..ولكن للأسف لم تتحقق أمانيهم بإيصال الاتصالات، برغم متابعة الأهالي لهم، ولكن الوعود تبددت وأصبح أثراً بعد عين.

أحد الأهالي يتهيأ لجلب المياه
لا توجد في منطقة عراكبي مدرسة، بل يقطع الأطفال والطلاب المسافات البعيدة إلى مدرسة امعين، التي تطرقنا إليها في الاستطلاع الأول. ومنطقة عراكبي ليس فيها طريق أسفلتي، وذلك يصعّب على الطلاب الحضور في الطابور الصباحي أو حضور الحصة الأولى..
وكانت تلك هي آخر محطة، تم الوقوف عندها في منطقة عراكبي الحزينة الواقعة على أطلال الماضي، حيث لا شيء هناك سوى الحرمان المسيطر على جنباتها والإهمال المستشري في مساكنها، تنعى ذاتها الضعيف من وخزات الحاضر، وتسكنها العديد من الأزمات والمشاكل مع سبق الإصرار والترصد، والمعاناة فيها أكبر من الوصف!
وقفة مهمة:
كل ما تناولناه في حلقاتنا الاستطلاعية عن مدينة امعين ومنطقتي امقاع وعراكبي من هموم ومعاناة نصفها على طاولة الجهات المسئولة وأمام كل من يتشدق بالإصلاحات وانتشار خير الخدمات، معززة بالصورة والورق..
وهناك أسئلة كثيرة تنادي الجهات المسئولة وتبحث عن إجابات لتشفي غليلهم.