الأيام» تستطلع أوضاع أهالي الفرع في إب:مديرية فرع العدين.. أسيرة الحاضر الحزين وعُزل تتناثر على صدر الجبال لتحكي قساوة الصراع المرير مع الحياة (4 - 2)

> «الأيام» محمد مرشد عقابي:

>
منظر لمنطقة المقطار
منظر لمنطقة المقطار
عُزلة بني أحمد الثلث هذه العزلة التي يقطنها أناس يتميزون بالطيبة والكرم والجود، تتنوع مآسيها بتنوع مناظرها الجميلة، وترتسم المعاناة على وجوه أهاليها فلا طرق ولا مشاريع حيوية ولا شيء من أساسيات الحياة.

آهات تنطلق من أفواه الأهالي تخترق جدار الصمت لتحكي حقيقة الواقع الأليم ومعاني قساوة العيش عند الإنسان، ثمة تساؤلات ومفارقات عجيبة لا تجد لها محلاً غير البقاء على حافة الألسن، لسنوات طويلة ظلت حبيسة الكبت. «الأيام» وبعد إلحاح كبير من جانب أهالي المديرية وبالأخص أبناء عُزلة الثلث الذين أصروا على نزولها، فكانت أن لبت النداء إثر وصف الجميع لـ«الأيام» بأنها متنفسهم الوحيد للبوح بأسرار معاناتهم التي بقيت رهينة لأعوام في الأجواف، لا تستطيع ألسنتهم أن تصدح بها من شدة وطأة الإقامة الجبرية والعزلة المفروضة عليهم حين ذاك فـ«الأيام» عايشت هموم أبناء هذه العزلة عن كثب، كما أرادوا لتحملها بشفافية مطلقة عن ظهر قلب وتنقلها من باب الأمانة للقارئ والمسئول على حد سواء.. فإليكم أعزائي ما جادت به هذه الأسطر من مفردات نشر المعاناة:

منطقة المدهف بالثلث سطر من كتاب البؤس والشقاء

«الأيام» طافت أرجاء عُزلة بني أحمد الثلث وفيها استوقفتنا محطات عديدة، وفي إحداها استقر بنا المقام في منطقة المدهف، وهناك كشفنا الواقع المعيش بحيادية، فهذه المنطقة داهمها شيب الإهمال واحتوتها أجندة الإجحاف والحرمان.

منطقة تكتنز مخزوناً أثرياً وتركة من المعالم تأتي نتاجاً طبيعياً لما خلفه وأنجزه الآباء والأجداد القدماء الأفذاذ، مشاهد لا تزال في صراع مستمر مع عوامل المحو والصدأ والتعرية، التي تحاول خدش تلك المعالم التاريخية وتشويهها في ظل غياب دور السلطة في الحفاظ عليها، منازل المنطقة تحمل طابع الفن المعماري المميز، ومبان قديمة تدل على الاستماتة والصمود في وجه متغيرات تضاريس ومناخات الأجواء وفي لحظات التأمل العميق لما صنعه الرعيل الأول، رغم غياب وسائل تنمية الإبداع، تداخل معي المواطن مسعد دبوان أحمد قائلاً:«هذه المعالم والآثار صنعتها الأيادي الذهبية للآباء والأجداد، أولئك الذين لن يتكرروا إطلاقاً مهما كانت الأجيال المتعاقبة».

وتابع قائلاً:«الجيل الحالي تكبله الحياة بظروفها القاسية فالفقر والجهل والمرض والبطالة والإحباط قد أصاب الجميع بمقتل، وبالتالي فإن من المستحيل أن يفكر الواحد منا بعمل صرح يبقى عالقاً في التاريخ، وهو لا يجد ما يسد به رمقه، حيث إن المواطنين في هذه الظروف هم في بحث دائم ومستمر عن منافذ الرزق وستر الحال ولا يبتغون غير ذلك».

وأضاف قائلاً:«أطراف معادلة النجاح في إنجاز أي شيء هم المسئولون، وهذا الزمن كما يعلم الجميع يجود بالغث والسمين من المسئولين، فمسئولو اليوم بعكس مسؤولي الأمس، فالبون بين الطرفين شاسع المسافة والفجوة كبيرة جداً بين سياسة إبراز الإبداع والمبدعين، وسياسة التدمير والهبر حتى القبر».

واستوقفته بعدها بالقول: حدثنا عن معاناة أهالي المدهف؟

فرد قائلاً:«منطقتنا كنظيراتها تفتقر للحد إلى الحد الأدنى من المشاريع الخدمية والتنموية، والجميع هنا كما أسلفت يعيشون تحت نيران الفقر وضيق اليد».

وقال:«لا طرق ولا مدارس ولا وحدات صحية ولا غيرها من أساسيات المشاريع، وأهمها كالماء والكهرباء، فنحن لا يتوفر لدينا الحد الأدنى من مقومات الحياة، ومع ذلك لا حياة لمن تنادي، فالمسئول يتبحبح بالفلوس والنعيم، والمواطن تلفح وجهه المآسي والآلام، فإلى متى سنصبر؟ وإلى متى ستظل تسير بنا سفينة الإهمال نحو مرسى غير معلوم الملامح؟!».

واستطرد قائلاً:«السلطة المحلية بالمديرية تتبع منوالا يقودنا حتماً إلى حافة الهاوية، فالخريجون يتكدسون والبطالة تزداد والغلاء يلتهم الأخضر واليابس، والمواطن أو رب الأسر مكتوف الأيدي تجاه هذه الظروف العاصفة، والكل يعيش حياة حذر وترقب من أي طارئ للقادم المجهول».

وقال في ختام حديثه:«أشكر «الأيام» على نزولها إلينا وبنزولها حركت فتيل المآسي الحبيسة في أنفس أهالي المديرية لسنوات لتتيح لنا فرصة التنفس من خلال بلاطها الطاهر المخطط بحبر الحق والمصداقية، ونحن من على هذا المنبر الحر نفرغ همومنا كونها أول مطبوعة صحفية تزور منطقتنا، ونناشد من خلالها المسئولين بالرحمة والشفقة بنا وبأطفالنا وضرورة عمل طريق نعبر عليها بحاجياتنا بعد أن جردنا من الكهرباء والماء».

منطقة المقطار تئن تحت كثبان متراكمة من الحرمان

منطقة المقطار إحدى المناطق التابعة لعُزلة بني أحمد، هذه المنطقة يتميز مناخها بالاعتدال على مر الفصول، أهاليها لديهم سمات الطيبة والكرامة بقدر الطبع والحال، إلا أن المعاناة أثقلت كاهل الأهالي فيها، فمنذ أزمنة ماضية ومتعاقبة والنسيان والحرمان والمعاناة بشتى مفردات معانيها تبصم على واقع حياة الأهالي يومياً، عقود سالفة لم تتمكن خلالها مديرية بكل عُزلها من التحرك قيد أنملة نحو ملامسة أي مشروع من إنجازات الثورة والوحدة. نماذج من معاناة أهالي المنطقة لم يستطيعوا من عهود نفض غبار البؤس والشقاء من على أجسادهم الهزيلة، إنها صور واقعية لبعض المصفوفات الحقيقية لأرقام معادلة المعاناة التي يتلظى تحت سياطها الجميع هنا، فإليك عزيزي القارئ لب المآسي على لسان المواطن عبدالعزيز الهلالي الذي حدثنا قائلاً:«نحن أهالي منطقة المقطار ورثنا تركة المعاناة من أسلافنا الأجداد، فالمسئولون منحونا إياها كما منحوها من قبل لأجدادنا وآبائنا، ونحن الآن نعيش أطوارها المأساوية».

وأضاف: «المسئولون وأصحاب المناصب في المديرية لم يعملوا لنا أي مشروع، بل تتوقف مشاريعهم على الورق، فالسلطة المحلية لا تتحرك إطلاقاً باتجاه تحقيق أي منجز أو مشروع للمديرية وللمنطقة، حيث إن قادتها يكتفون باستعراض البيانات والخطابات التي لا تخلو من بهارات المشاريع الوهمية في كل مناسبة يطلون برؤوسهم فيها».

مدرسة أبي بكر الصديق طلابها يتعلمون تحت الشجر
مدرسة أبي بكر الصديق طلابها يتعلمون تحت الشجر
وقال:«من عجائب الزمن أن المواطن في مديريتنا يتعرض أحياناً للسطو، رغم فقره وضيق حاله في حقوقه ممتلكاته، ولا أحد ينصره لأن الفقير عندنا يمشي وكل شيء ضده». ومضى يقول:«استغاثاتنا ومناشداتنا لو سمعها الصخر بصلابته لتأثر من هول مضمونها، لكن الاستجارة والاستجداء بمسؤولي اليوم لا تهتز لهم عاطفة أو تحرك فيهم بواعث الرحمة»، واستمر بالقول:«آفاق العيش الكريم في هذا الوطن قد تبخرت وتبعثرت في صحراء اليأس والقنوط، وما قلته مجرد غيض من فيض، لأن حكاية العذاب الذي نذوقه يومياً في هذه البلاد يحتاج الكثير من المجلدات لسرد تفاصيله، فمنطقتنا ينعدم فيها أبسط ما يجب تقديمه للإنسان في أي بلاد للمحافظة على بقائه وحياته».

وأردف قائلاً:«من سخرية الأقدار في هذا الوطن أن توجد مديرية معترف بها منذ القدم إدارياً وجغرافياً ولا يوجد فيها أدنى المشاريع، فلا طريق ولا كهرباء ولا مياه للشرب، وفوق كل المصائب والبلاوي التي على رؤوس أهاليها يطلع علينا أصحاب الكروش الممتلئة والأجساد المترهلة بفاصل ممل من موسيقى نشاز بالعمل والإنجاز الوهمي، اعتادت مسامعنا على تذوق لحنها المتكرر».

واختتم حديثه بالقول:«نحن أبناء مديرية الفرع لا نريد شطحات الوهم، بل نريد بوادر الإخلاص والعمل والإنجاز من المسئولين، ولا نتمنى فرقعات المشاريع الخيالية، بل نتمنى من سلطتنا ومسئولينا مراعاة الله في الأمانة الملتوية على أعناقهم، والعمل بضمير الرحمة والعدل تجاه البلاد والعباد، وشكر خاص لـ«الأيام» على إعطاء الفرصة للحديث والنزول الكريم إلينا».

منطقة صمعر بالثلث كالجنين المتشوه في رحم واقع متخلف

أما منطقة صمعر فهي لا تختلف عن نظيراتها من المناطق الأخرى، فهي والمعاناة وجهان لعملة واحدة، وعن ذلك يحدثنا المواطن حميد قايد مفرح أحد أهاليها قائلاً: «منطقتنا كما تلحظون تفتقر لكل ميزان المواطنة العادلة، فلا طرق ولا مدارس ولا مياه صالحة للشرب ولا كهرباء، وزيادة في نسبة البطالة بين أبنائها، ويبقى الحمار رمزاً لتحمل الأعباء والمتاعب ونقل الحاجيات من وإلى منزل كل مواطن بالمنطقة في عصر رفاهة وسائل المواصلات والوصول إلى سطح القمر».

واختتم حديثه المختصر بالقول:«نتوجه بنداء استغاثة عاجل عبر منبر من لا منبر له ومن صفحات أول مطبوعة صحفية تكلف نفسها بمعاينة أوضاعنا والنزول إلينا بكل هذا التواضع بعد قطع مسافات سفر طويلة متعبة ومرهقة.

نرسل عبر «الأيام» مناشدتنا لكل فاعلي الخير أن يغيثونا بعد أن تقطعت حبال الوصل بالسلطة الموقرة واصطدمت كل صرخات الاسترجاء بصخور أكاذيب الوعود والمشاريع الوهمية التي يتفنن في إطلاقها مسئولونا عند كل مناسبة».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى