حقائق واتفاقات سياسية تؤسس للحل

> هيثم ناصر الزامكي:

> كنا قد أشرنا في مقال سابق إلى أن الجهد الذي بذله الجميع للوصول بالحالة السياسية لما هي عليه اليوم من تأزم، هو جهد أقل من الجهد المطلوب للحل، وظننا أنه لم يكن حديثا مبالغا فيه، فمن يتأمله جيدا يكتشف إمكانية تحقيقة، ويستدل على ذلك بموضوع تحقيق الوحدة اليمنية ذاتها، فمن كان يتوقع تحققها وقد تحققت، لاينبغي له أن يسقط من توقعاته إمكانية إصلاحها، وحل الإشكالات التي تعترض طريقها.

إن المشكلة الحقيقية التي تعترض طريق حل هذه الأزمة تكمن في تجاهل حقائق الجانب السياسي للحالة، والحل تلك الحقائق التي يشكل تناولها واستيعابها عاملا دافعا ومنظما للتفكير الهادف للخروج من هذه الأزمة. ومن جملة الحقائق السياسية التي يجب فهمها نذكر الحقيقتين التاليتين:

-1 إن الوحدة اليمنية لم تكن مجرد عواطف محبة ومودة جمعت سكان الدولتين، ولا تمازجا اقتصاديت وثقافيت واجتماعيت استدعى توحيد جغرافية الدولتين، بل هي بالأساس مشروع سياسي ، ما كان ليتحقق على أرض الواقع لولا توفر شرط الاتفاق السياسي بين طرفين سياسيين ممثلين على أرض الواقع.

-2 لو أن المسار السياسي لدولة الوحدة قد سار منذ التوحيد إلى اليوم في طريق سياسي مستقر لكان أساس الحل الحقوقي أكثر إقناعا في التناول من أساس الحل السياسي، لكن حرب 94 بأسبابها السياسية، وبما أفرزته تلك الحرب من نتائج ذات طابع سياسي في معظمها، بالإضافة إلى حركة الاحتجاجات الجنوبية منذ أكثر من عام، إنما يحتمان علينا الالتفات إلى أهمية بلورة وتجريب الحل السياسي للأزمة الحالية.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن كيف يمكن الخروج من هذه الأزمة ؟ وكيف سيسهم التناول السياسي في تقديم الحل المرضي للجميع؟

وإذا ما سلمنا بأن جميع أطراف اللعبة السياسية تملك قدرة مقبولة على أقل تقدير في فهم وتمييز مصالحها، وأن الفاعلين في الملعب السياسي يبحثون دائما عن المكاسب ومن لا يستطيع منهم ضمان المكسب يفترض أنه يعمل بحكمة لتجنب الخسارة، فإن الإجابة عن هذا التساؤل المشروع تتلخص في تحقيق ثلاث اتفاقات رئيسية يمكن اعتبارها أساسا للحل وهي :

أولا : حتمية الحل السياسي: ألا ينبغي أن يؤدي فشل معظم الخيارات التي جربت للحل، وعدم تحقيق نتائج ملموسة للتفكير في تجريب الحل السياسي، وقد بات أمرا لا مفر منه، ويشكل الاتفاق الأول.

ثاينا: ضمان تمثيل الجميع : تحقق الاتفاق الأول يقتضي وجود أطراف حقيقية في تمثيلها السياسي، وتملك مقدرة كافية لتجسيد ما يتفق عليه على أرض الواقع، وإذا كان تحديد الطرف الأول لا يتطلب جهدا كبيرا بوجود السلطة، فإن الطرف الثاني وإن وجد البعض صعوبة في تحديده هو طرف موجود أيضا، ولكن تجسده بالمواصفات التي ذكرت أعلاه يتطلب بعض الخطوات أبرزها أن يساعد الجميع، وأولهم السلطة، على بلورة حركة الاحتجاجات الحالية في كيان سياسي واضح.

نجزم بأن السلطة نفسها أبرز المستفيدين من تشكله، لأن أية اتفاقات قد تتوصل إليها السلطة مع الأشخاص أيا كان توجههم ومقدار ثقلهم في الشارع، ستكون معرضة في أي وقت للنقض، ما لم تحظ بموافقة سياسية معترف ومتفق عليها، والتجارب السابقة تثبت إلى حد كبير صحة هذا الافتراض.

ثالثا: التناول الذكي والشجاع لكافة الخيارات على طاولة الحوار: ترى هل تنحصر الخيارات السياسية التي يمكن تناولها للخروج من هذه الأزمة ضمن حالتين متضادتين فقط، إما الوحدة بجميع مشاكلها أو الانفصال بكل مشاكله؟ هل فقد الوعي السياسي الوطني كل إبداعاته لطرح حلول توافقيه أخرى؟

والجواب العاقل قطعا سيكون لا، فهناك خيارات أخرى يجب البحث فيها بشجاعة وثقة وتجاوز النوايا المسبقة المتمسكة بالمجهول، فالقراءة العاقلة لما وصلنا إليه اليوم تعطينا درسا في أخطاء البناء السياسي القائم على الشك المسبق في النوايا، ذلك البناء الذي اتباعه للوصول إلى الحالة الراهنة، وبتعبير أكثر دقة نسأل ألم تؤد المغالاة في الخوف على الوحدة من الانفصال فقط إلى إهمال التفكير في الجوانب التي تعزز رسوخ الوحدة نفسها ؟

فتحول ذلك البناء القائم على فلسفة النوايا المسبقة وافتراض عدو لم يكن موجودا حينها، إلى خلق الأسباب الدافعة باتجاه تشكل الحالة المعاكسة، وكان بالإمكان تجنب ذلك كله، لو أن البناء السياسي لم يقم على النوايا الأحادية المسبقة، بل قام على التطلعات الثنائية المشتركة، وبالرغم من هذا وذاك فالطريق مازالت مفتوحة للتصحيح إذا آمن الجميع بضرورة وإمكانية التصحيح.

إن المراقب لسير الأحداث وتراكم وتفاقم الاحتقانات لا يستطيع أن يخفي قلقه بشأن ما يمكن أن تحمله الفترة القادمة، ومازال الأمل في تبدد ذلك القلق معقودا على العقلاء، وعلى من وضع الله في قلوبهم الإيمان والحكمة إذا ما صعدوا بإيمانهم وحكتمهم إلى مراتب العقل، فيلتق الجميع على مائدة الحوار، ويتقوا الله في شعبهم وأمتهم، فكم يحز في نفس المؤمن أن يرى الحالة الصعبة للناس وحاجتهم الماسة للكثير من سبل العيش والنماء، في الوقت الذي تنفق فيه تلك السبل على حل مشاكل كان يفترض الانتهاء منها منذ زمن بعيد ليتوجه الجميع إلى ما هو أعظم وأفيد عند الله ورسوله والمؤمنين.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى