> محمد عبدالله الموس:

يبدو أننا أصبحنا نعيش حالة (اللامعقول) لكثرة ما يعصف بنا من خلل ومن استخفاف وتجاهل للمعاناة يدفع بالناس إلى الإحباط مع ما يمكن أن ينتج عنه من تصرفات سلبية تضر بأخلاق وقيم المجتمع وربما بأمنه، والأغرب أن يلجأ البعض إلى تصنيف من يدعون إلى ضرورة المعالجة بتهم ليس لها صلة بما يتم تناوله لا من قريب ولا حتى من بعيد.

أن تنتقد الأخطاء، فأنت انفصالي، أو تتناول التلاعب في مصائر وحقوق الناس ونوعية الخدمات المقدمة لهم، فأنت انفصالي، حتى الحديث عن وزن وجودة وسعر رغيف العيش يعتبرونه طرحا انفصاليا وتهديدا للوحدة الوطنية! أن تنتقد الممارسات والانتهاكات التي تحمل نفسها انفصاليا، فأنت الانفصالي، لدرجة أن تتعامل مع كل المساوئ التي يعيشها الناس والحقوق المسلوبة باعتبارها جزءا من الوحدة، والخضوع لها والقبول بها التزاما وحدويا.

أن تحال مدن في الجنوب إلى المعاش المبكر قسرا، ويتحول الكادر فيها إلى (خليك في البيت)، أو فائض عن الحاجة، ويضاف إلى طوابير المتقاعدين الذين أصبحوا أقرب إلى متسولين لفتات إعاشة (يساوي شهريا، ضروريات أسبوع، أو قات يوم واحد لرقبة سمينة) بعد أن أفنوا جل أعمارهم في خدمة بلدهم، فذلك شرط وحدوي.

بالله عليكم أخبرونا ما علاقة الوحدة بهذا التعسف؟ ولماذا يصر البعض على أن يعلق كل الممارسات السيئة بالوحدة، من خلال اتهام من يدعو إلى المعالجة أو يطالب بحقوق عامة وخاصة بالانفصالي، لدرجة أن رسخوا في الأذهان أن لا حلول في إطار الوحدة، وأن شعار الدفاع عن الوحدة ليس إلا هروبا من استحقاقات إصلاحية قد تبدأ بحقوق المواطنة وبإصلاح خلل الأداء العام، وبالتلاعب بأقوات ومصائر الناس، ولاتنتهي برفع السطو على الحقوق العامة والخاصة.

من جانب آخر هناك من سعى لنيل حقه من خلال القضاء، لكن كم واحدا ممن صدرت أحكام لصالحهم حصل على هذا الحق؟ (كمثال لأعداد لاحصر لها).

كلنا يذكر المماطلة التي تعرض لها الأخ فاروق ناصر علي للحصول على مستحقاته المالية، رغم صدور حكم لصالحه، ولم ينفذ إلا بأوامر حكومية بعد سنوات من صدوره!! وكثير ما نقرأ في الصحف رسائل شكر تبدأ بالرئيس ونائبه والوزير والمحافظ في المحافظة المعينة وقائد المنطقة ومدير الأمن ومدير المركز، لأنهم أمروا بتنفيذ حكم قضائي!! الأمر الذي يدل على أن سلطة القانون الممثلة في القضاء ليست مطلقة.

أما فروع الأجهزة في المحافظات، ومنها الاقتصادية، فحدث ولاحرج، فهي مجرد أشياء ديكورية يتنفس العاملون بها بأمر من العاصمة، فصلاحياتها في المعالجات معدومة تماما، ولايقوى كل الناس على متابعة مصالحهم وحقوقهم في صنعاء، علاوة على أن العاصمة لاتنظر في قضايا من لايتحفونها بطلتهم البهية، مع ما يجب أن يتبع هذه الطلة من التزامات.

دعوا الوحدة جانبا، وعالجوا عوامل نخرها، فالوحدة لم تسلب الناس حقوقهم، ولم تفقد القانون هيبته، ولم تعث في العباد والبلاد فسادا، لدرجة أن أصبحنا أقرب إلى شريعة الغاب، فما نعيشه ليس (قدرا وحدويا)، إنما هي تصرفات أفراد، وربما أجهزة، عجزت عن القيام بدورها في حماية حقوق ومصالح أفراد المجتمع، وكفانا مزايدة بالوحدة وعليها.