للحزن أولاد سيكبرون

> فاروق ناصر علي:

> «وضعوا على فمه السلاسل/ ربطوا يديه بصخرة الموتى، وقالوا: أنت قاتل/ أخذوا طعامه والملابس والبيارق، وقالوا: أنت سارق/ طردوه من كل المرافئ/ أخذوا حبيبته الصغيرة، ثم قالوا: أنت لاجئ/ يادامي العينين والكفين إن الليل زائل/ لاغرفة التوقيف باقية/ ولازرد السلاسل/ نيرون مات، ولم تمت روما، بعينيها تقاتل/ وحبوب سنبلة تموت/ ستملأ الوادي سنابل..»

- محمود درويش -

إن الرجال يولدون من قلب المواقف الصعبة، وهم الذين يبنون الأوطان الرائعة.. ونحن اليوم في أعماق المواقف المرة والصعبة، ولنا في كلمة الحق خيار وحيد، أن تبقى (حرة)، تقف بصلابة وشجاعة أمام ديمقراطية الفساد والفيد والباطل.. حتى توقف هذا العبث بمصير بلادنا وأجيالنا، لأننا ندرك أن قطع الأرزاق والنهب والسلب والقمع والتهديد والتخوين والتكفير.. إلخ كلها أساليب مفلسة مكشوفة ومعروفة، هي أسطوانة تبعث على الغثيان، لكنها تزيد من تراكم غضب البركان.

هم يريدون منا علنا أن نكف عن فضح وتعرية الباطل الذي يمارس علينا، وأن نقبل ونخضع ونركع لها، وأن تمر علينا مرور الكرام، إما طواعية أو بإرهابنا بكل الوسائل، عملا بالمثل المعروف (خذه بالموت ليرضى بالحمى)، لذا علينا الاختيار، إما كلمة حرة من أجل الوطن والإنسان، أو الانزواء تحت عباءة الصمت الجبان.. ولقد كان خيارنا منذ البداية: والله، ورب محمد، لانقبل بالباطل ولوا انقلبت علينا الدنيا كلها، ولانرضى بالدجل والتطبيل والفساد والظلم مهما كان الثمن! ولقد دفعنا طيلة هذه السنوات المرة والعجاف الثمن المر مرات ومرات، ولازلنا ندفعه، لكن لن نخضع إلا لرب العرش سبحانه، والذين يكفروننا نعرف أنهم مجرد (أكلة سحت)، يعبدون المال مثلهم مثل مراكز القوى والفساد، ونهايتهم معروفة في تاريخ كل الشعوب المقهورة.. مُزرية، مزرية! سيحمل وصمة عارها للأسف أولادهم وأحفادهم إلى يوم القيامة.. أقول: لاتتحدثوا كثيرا عن حرية (الكلمة، التعبير، القول)، لأن مكيالكم مجرد مكيال مهلهل مثقوب، هو مجرد مكيال مرهون تركتموه عن قصد لأهواء الفاسد والدجال والمفتي والمزايد والمنافق والواشي والأجير والسمسار الحقير.. تتحدثون عن حرية الكلمة والقول، وإخواننا ورفاق الدرب في السجون السحيقة، مكبلين بزرد السلاسل، والأرض مطوقة بسوار من العسكر والسلاح، أنتم تريدون (كلمة) تطبل، تدجل، لاتكشف المآسي ولاتبين الباطل.. تريدون الكلمة التي تحول الظالم إلى بطل، والمظلوم جلادا ومجرما.. تريدون كلمة تفتح كل الدروب المؤدية إلى صناعة جيل أهبل، جبان، وخائن للوطن، وبعدها يأتي الطوفان.. لكن لاتستطيع أي سلطة مهما كان جبروتها أن تقف أمام (نفس حرة)، وهذه هي (الثغرة) التي ضاعت وسط الغطرسة والعنجهيات ونشوة الانتصار.

ويبقى القول.. لقد وهبنا الله عز وجل البصر والبصيرة، لذا حق لنا التساؤل وبقوة: من الذي أعطاكم حق الوصاية علينا؟! من أعطاكم حق التفكير نيابة عنا؟! من الذي منحكم حق القول والتعبير عنا؟! من الذي منحكم حق التخوين والتكفير؟! ومن هذا الذي حرم علينا حق الرفض والتفسير والتنوير؟! ولمن ستقرع الأجراس في الأخير؟!

وتبقى كلمتي الأخيرة ما قاله الشاعر الرائع (محمود درويش):

«إنني جئت من الموت لأحيا وأغني/ فدعيني أستعر صوتي من جرح توهج/ وأعينيني على الحقد الذي يزرع في قلبي عوسج/ إنني مندوب جرح لايساوم/ علمتني ضربة الجلاد/ أن أمشي.. ثم أمشي.. على جرحي وأقاوم».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى