حل (القضية الجنوبية) مقدمة لحل قضايا الوطن

> عبدالله ناجي علي:

> بعيداً عن الأحكام المسبقة ضد أي فرد يطرح رأياً سياسياً يتعلق بقضية الجنوب.. وبعيداً أيضاً عن لغة التخوين والتسفيه وخطابات الأعصاب المنفلتة التي تهاجم كل شخص يتحدث عن معاناة أبناء الجنوب.. نقول دعونا أيها العقلاء في الساحة السياسية - سلطة ومعارضة وشخصيات مستقلة- نتداول هذه القضية ونطرحها على الطاولة بأعصاب هادئة.. فنعتقد أن البحث عن حلول للقضية الجنوبية يتطلب منا جميعاً أن نتعامل معها بمنهج العقلانية السياسية الذي سيوصلنا إلى البحث عن أسباب المشكلة، لكي نتمكن فيما بعد من التعرف على الدواء الحقيقي للمرض الذي أصاب الوحدة في مقتل وأصاب معها أبناء الجنوب.. فحرب 1994م أفرغت كيان الوحدة من محتواها الحقيقي.. والأخطر من هذا كله أن التشطير الذي كان قائماً قبل الوحدة على الأرض قد انتقل بعد حرب 1994م إلى النفوس.. وهذا أخطر أنواع التشطير. فدعونا نعترف أولاً بأن هناك مشكلة موجودة على الأرض، وهي قضية شعب الجنوب.. فهذه المشكلة جاءت بها حرب ظالمة دارت رحاها على أرض الجنوب لأكثر من سبعين يوماً.. وكما يقال، فالاعتراف بالمشكلة يمثل الخطوة الأولى نحو الحل، وهذا ما يحتم على ولاة أمرنا أن يعترفوا أولاً بهذه المشكلة إذا كانوا يريدون فعلاً حل مشاكل الوطن بشكل عام، وهي بدون شك كثيرة والحمد لله.. لكننا نعتقد أن مشكلة الجنوب لاتزال تحتل الأولوية وتشغل بال كثير من السياسيين داخلياً وخارجياً.. فالطريق الصحيح والسليم لحل قضايانا الوطنية يا ولاة أمرنا يجب أن يبدأ أولاً بالاعتراف بالمشاكل الموجودة على الأرض بعيداً عن المهرجين السياسيين الذين يتحدثون دائماً عن مؤامرات خارجية تحاك ضدنا..!! بينما الحقيقة المرة التي يجب علينا أن نعترف بها أن المؤامرات التي تدمر الوطن سببها ساستنا في الداخل وليس مؤامرات الخارج..!! فالمطلوب من العقلاء السياسيين في الساحة، خاصة الذين يتمتعون بالحكمة السياسية والرؤية الموضوعية في النظر للواقع، وتعاملهم معه بشفافية كاملة بعيداً عن التضليل والنفاق السياسي الذي أوصل (صدام حسين) إلى الحفرة.. فالوطن يا ساستنا العقلاء يعيش مشاكل كثيرة والمطلوب من سادتنا العقلاء أن يشخصوا أولاً مشاكلنا بصدق وأمانة ثم يجب عليهم أن يساهموا في جدولة هذه المشاكل حسب الأولوية التي تساهم في تعزيز الجبهة الداخلية، وتعيد للوحدة محتواها المفقود الذي دمرته حرب صيف 1994م.. ونعتقد هنا أن مفتاح الحل لكل مشاكلنا الداخلية يبدأ أولاً بحل قضية الجنوب التي أفرزتها حرب ظالمة، وما رافقها من نهب منظم ومتوحش لممتلكات الجنوب شملت كل المؤسسات التي كانت تديرها دولة الجنوب قبل الوحدة.. من مصانع ومزارع وأراض سكنية واستثمارية ومؤسسات خدماتية أخرى.. تعود ملكيتها أصلاً للشعب في الجنوب وليس ملكية الحزب الاشتراكي.. مثلما اعتقد البعض.. فالعمال والمزارعون والموظفون في جهاز الدولة الذين نهبت مؤسساتهم هم في حقيقة الأمر أصحاب الحق الذي بنيت تلك المؤسسات والمصانع والمزارع على أكتفاهم خلال عقدين من الزمن.. ومن الظلم الجائر أن تنهب مؤسساتهم باعتبارها غنيمة حرب ويتم رميهم إلى الشارع !!!

إضافة إلى ذلك، فالظلم والتهميش والإقصاء طال طابوراً من أبناء الجنوب مدنيين وعسكريين، وهم من أفضل الكفاءات العلمية والعملية.. وقد طال الظلم أيضاً حتى القيادات الجنوبية التي حسبت على قوات الشرعية.. بل أن الجنوبيين الموجودين في السلطة، فإن وجودهم يمثل فقط شكلاً ديكورياً للسلطة.. أما أهم مشكلة يعيشها أبناء الجنوب، فهي ضياع نمط الحياة التي عاشوها قبل الوحدة، تلك الحياة التي كان يسودها النظام والقانون الذي ورثوه من الإنجليز.. واليوم يشعر أبناء الجنوب أن الزمن قد عاد بهم ستين سنة إلى الخلف، خاصة بعدما عايشوا هيمنة قانون القوة.. وما عانوا بسبب من مظالم طالت معظم مجالات حياتهم اليومية. ويتساءل هنا كثير من السياسيين بطرحهم سؤالاً مفاده: ما ذنب أبناء الجنوب الانتظار ستين سنة، حتى يعود لهم النظام والقانون الذي كانوا يعيشون تحت مظلته قبل الوحدة..؟!! وما ذنب شعب الجنوب في أن يتحمل أوزار التخلف الذي جاء لهم باسم الوحدة بينما الوحدة بريئة من ذلك؟!.. فكل هذه المعاناة التي سقطت على رؤوس أبناء الجنوب بعد حرب 1994م حفزت كثيراً من النشطاء السياسيين والحقوقيين والشخصيات المستقلة من أبناء الجنوب إلى تأسيس كيانات سياسية لربما يستطيعون من خلال رفع أصواتهم لولاة أمرنا في الداخل وإيصال معاناتهم إلى الخارج، بهدف إيقاف المظالم التي حلت بأهلهم وإخوانهم الجنوبيين.. لكن المناخ السياسي المشبع بالفساد والإفساد في بلادنا كان لهم بالمرصاد.. والنتيجة المؤلمة تم إفراغ هذه الكيانات السياسية من مضمونها، وانتهت سريعاً دون أن تحقق أهدافها، إلا أن ظهورها ساعد إلى حد كبير في بقاء قضية الجنوب حية.. وها هي اليوم تناقش في الداخل والخارج.. وللتذكير فقط بتلك الكيانات السياسية التي ظهرت خلال فترة ما بعد حرب 1994م، نوردها على النحو الآتي:

- التكتل الوطني المستقل الذي ظهر بعد الحرب مباشرة.

- ثم بعد ذلك بسنوات ظهرت اللجان الشعبية التي تأسست في المحافظات الجنوبية.

- بعد ذلك أيضاً بسنوات جاء تأسيس «ملتقى أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية»، وهذا الكيان السياسي بالذات هو الذي أخاف السلطة، لأن تأسيسه جاء من قبل قيادات جنوبية كبيرة كان لها الفضل في حسم المعركة لصالح الشرعية عام 1994م.

- وأخيراً ظهرت معارضة جنوبية في الخارج تناضل من أجل قضية الجنوب.

- والمحطة الأخيرة ظهور قيادات الحراك الجنوبي في المحافظات الجنوبية كلها، ومعظمها اليوم في المعتقلات.

- أخيراً نقول إن الفرصة لاتزال متاحة لحل هذه المشكلة في إطار مشروع وطني كبير، فإذا تركت هذه المشكلة دون حل فإن العواقب سوف تكون وخيمة.

ومن باب الدين النصيحة نقول لفخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح: إن معرفة الواقع بحقائقه المرة أفضل بكثير من حلاوة النفاق السياسي، فمعظم مشاكلنا سببها النفاق السياسي فقضية الجنوب قضية موجودة على الأرض ومن الصعب تجاوزها، ووظيفة السياسيين هي حل مشاكل المجتمع، فلماذا لا نبحث عن حل لهذه المشكلة بعيداً عن الاعتقالات للنشطاء السياسيين الذين يسلكون طريق النضال السلمي؟

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى