«الأيام» تواصل رحلتها في مديرية الصلو.. حضارة تحاور الماضي ونسيان يحاكي الحاضر (1- 2)

> «الأيام» رياض الأديب:

>
بعض قرى الصلو من الأعلى
بعض قرى الصلو من الأعلى
كانت «الأيام» قد رحلت في عدد سابق إلى مديرية الصلو، و تحديدا إلى عزلة الأشعوب بلاد القباب و المزرات، وسلطنا الضوء فيها على أهم المعالم التاريخية لهذه العزلة، خاصة مدرسة أورس التاريخية، إضافة إلى تطرقنا إلى بعض المجالات الخدمية فيها.

ليس في بلد مثلها

نسلط الضوء اليوم على أهم معلم تاريخي و أثري، ليس في المنطقة وحسب، وإنما في الوطن ككل، ولن نبالغ بالقول إذا قلنا إنه حضارة تهم المنطقة العربية بشكل عام، كونها شهدت حقبا تاريخية مهمة قبل الإسلام وبعده، إضافة إلى عصر الخلافة الإسلامية، إنها قلعة وحصن الدملؤة المتربعة على جبال الصلو، التي تعد من أهم المعالم التايخية والأثرية والسياحية للبلاد.

يشير الهمداني بالقول إن من عجائب اليمن التي ليس في بلد مثلها- كما يقول- (قلعة الدملؤة) لأبي المغلس في أرض المعافر، وهي تطلع بسلم، فإذا قلع لم تطلع, وفي موضع آخر بسلمين في السلم الأسفل منها أربعة عشر ضلعا، والثاني فوق ذلك أربعة عشر ضلعا، بينهما المطبق وبيت الجرس على المطبق بينهما, ورأس القلعة يكون أربعمائة ذراع، ومثلها في المنازل و الدوار, وفيها شجرة تدعى (الكلهمة) وهي شجرة غريبة الشكل عديمة النظير، ضخمة الجذور والفروع، يشبه لونها لون جسم الفيل، وهذه الشجرة تظلل مائة رجل، وفيها مسجد جامع ومنبر، وهذه القلعة ثنية من جبل الصلو يكون سمكها وحدها من ناحية الجبل الذي هي منفردة عنه مائة ذراع عن جنوبها, وهي عن شرقها من خدير إلى رأس القلعة مسيرة ساعتين, وكذلك هي من شمالها ما يصل وادي الجنات و سوق الجؤه, ومن غربها بالضعف في السمك مما عليه جنوبها, بها مرابط الخيل, ومنهلها الذي يشرب منه أهل القلعة مع السلم الأسفل غيل عذب وفيه كفايتهم, وباب القلعة في الجهة الشمالية, وفي رأس القلعة عدد من الصهاريج، ومساقط مياه القلعة تهبط إلى وادي الجنات من شمالها، ثم المأتي شمال سوق الجؤه إلى خدير.

وصف القلعة بأنها من عجائب اليمن و ليس في بلد مثلها ما كان له أن يكون من مؤرخ اليمن الشهير لولا الأهمية التي تحتلها القلعة، وبهذا الوصف حق لكل مواطن أن يفخر.. ومثلما هو الفخر بهذه الحضارة العريقة هو الحزن الذي يجثم على الصدور، ونحن نرى حضارة بحجم أمم خلت يعبث بها وتطالها يد القاصي والداني لنبشها وطمس هويتها وتاريخها دونما حسيب أو رقيب من أحد، أو حتى حركة جفن من الجهات ذات الاختصاص في المديرية والمحافظة والوطن بشكل عام.

مناظر يرثى لها، حكايات مفزعة وقصص مؤلمة يرويها لنا الأهالي عن مدى الخراب والدمار الذي لحق قلعة وحصن الدملؤة التاريخية.. ونترك التعبير للصور التي أمامكم، فالصورة هنا أصدق إنباءً من الكلم، في جدها الجد بين الحزن والألم!.

شاهد على التاريخ العريق والواقع المهين
شاهد على التاريخ العريق والواقع المهين
صور تحق لنا أن نشهد الله ونشهد كل من يشاهدها أن يرأف بحالها ويوصلها إلى الجهات المعنية، لعلها تحرك فيهم نخوة وبقية ضمير لوضع حد لهذه الآثار المهمة في تاريخ اليمن العريق، وسرعة تدارك ما بقي منها ليتسنى للكل قراءة التاريخ وربطه بالواقع، فقلعة الدملؤة- وكما تواترت المعلومات والإشارات عن المؤرخين حولها نظرا لموقعها الطبيعي الحصين، إضافة إلى التحصينات الدفاعية المتينة التي كانت حولها من قبل حكام الدول التي تعاقبت عليها مما زاد من شهرتها حينذاك, وفي غيض من فيض ما يذكر المؤرخون، وما استطعنا أن نحصل عليه من معلومات ومراجع بجهد متواضع وشاق بعض الأحيان- ذكر عنها في التاريخ أنه في فترة حكم الدولة الصليحية (439 - 532هـ) تمكن الملك (علي بن محمد الصليحي) من الاستيلاء عليها بعد صراع عنيف وحصار طويل لحامية (بني نجاح) التي كانت مسيطرة على القلعة عام 452هـ، وتذكر هذه الكتب بجلاء إن أهم من تحصن بها وازدهرت في عهدهم هم رجالات الدولة الزريعية في القرن السادس الهجري، ثم رجالات الدولة الأيوبية، وعلى رأسهم طغظكين بن أيوب أخو صلاح الدين الأيوبي القائد العربي الشهير، ومن بعدهم ملوك وقيادات الدولة الرسولية، وعلى رأسهم الملك يوسف بن عمر المعروف بالمظفر، ومن جاء بعده من ملوك الدولة الرسولية في القرن السابع و الثامن الهجري.

ويشير الدكتور (محمد يحيى حداد) في كتابه (تاريخ اليمن السياسي) إلى أن منصور بن المفضل بن أبي داؤود البركات سلم (محمد بن سبأ) ما كان ينظره من المعاقل والمدن التي انتقلت إليه بعد وفاة السيدة أروى بنت أحمد الصليحي، واتخذ محمد بن سبأ قلعة الدملؤة مقرا رئيسا له، وأقام فيها إلى أن توفي عام (548هـ)، واستمر بعد سيطرة (بني زريع) على قلعة الدملؤة في عهد السلطان عمر بن محمد بن سبأ الملقب بالمكرم إلى عام (560هـ) وخلال عهد الدولة الرسولية يشير (الخزرجي) في كتابه (العقود اللؤلؤية) إلى أن الملك المظفر (يوسف بن عمر) استولى على قلعة الدملؤة عام (648هـ)، وظلت تحت سيطرة ملوك بني رسول، حيث دلت على ذلك الشواهد الأثرية المتناثرة حول الحصن، ومنها عتبة المدخل المؤرخ عام (778هـ)، وهي كتلة حجرية صخمة طولها حوالي (1.8 متر) و عرضها حوالي (60 سم)، مكسورة إلى نصفين، عليها كتابة بخط النسخ البارز، تتألف من ثلاث أسطر، تقرأ: «بسم الله الرحمن الرحيم.. إنا فتحنا لك فتحا مبينا.. أمر بعمارته مولانا ومالك عصرنا السلطان بن السلطان العالم و العادل ضرغام الإسلام غياث الأنام سلطان الحرمين والهند واليمن، مولانا السلطان الأفضل من الأنام والملك المجاهد أمير المؤمنين العباس بن علي بن داؤود يوسف بن عمر بنٍ علي رسول خلد الله ملكه و نصره, رفعت العتبة المباركة بتاريخ الرابع والعشرين من رجب الأصم سنة (ثمان وستين و سبعمائة) مؤيدا بالنصر والتوفيق، وصلى الله على سيدنا محمد و آله و سلم».

وتوالى الأهتمام بالحصن في الفترة اللاحقة للدولة الرسولية حيث دعا الإمام محمد بن أحمد بن الحسين أبي القاسم المعروف (بصاحب المواهب) لنفسه عام (1098هـ) من حصن المنصورة بالصلو، وأعلن الإمامة خلفأ لأبيه.

كنز الملوك في الجاهيلة والإسلام

في وصف آخر للهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب)، قال عنها إنها «مخزن ذخائر الملوك وكنوزهم في الجاهلية والإسلام». كلمات مختصرة تحمل في طيأتها ألف قصة ورواية عن حقب مهمة من حقب التاريخ التي توالت على قلعة الدملؤة، وكما تشير كتب التارخ أيضا فإن لهذه القلعة أو الحصن تاريخ ارتبط بالدول اليمنية القديمة كالدولة الحميرية، ولاتزال بعض أسوار هذه القلعة موجودة حتى يومنا، وتشهد بفن ومهارة البناء المعماري اليمني الرائع.

قلعة
قلعة
مدينة الجوءة

من أهم المدن التي كانت تتبع قلعة المنصورة مدينة الجوءة التاريخية المندثرة، التي كانت تقبع على سفح حصن قلعة الدملؤة من الجهة الشمالية، وقد ازدهرت هذه المدينة خصوصا في العصر الرسولي، حيث صارت عبارة عن مضيف المجتمع حينذاك لملوك وأفراد وكبار رجال الدولة الرسولية، إضافة إلى نزوح الكثير من الوجهاء إليها، حيث تم استقدام مياه الري من وادي موقعة، ومن وادي الجنات (ورزان حاليا)، مما أضفى على المدينة الكثير من الجمال بسبب خصوبة أرضها وتناسق أبنيتها, كما أن كبار العلماء في العصر الرسولي كانت أكثر إقامتهم في هذه المدينة، مما جعلها قبلة لطلاب العلم, كما أن قرى الأشعوب والمنصورة وعمق كذلك، حيث يوجد فيها الكثير من المعالم التي تطرقت إليها «الأيام» في حلقة سابقة.

وللدملؤة تاريخ عريق، وارتبطت بها حكايات وأساطير منها ما تعد ضربا من الخيال، ومنها ما هي أقرب إلى الواقع.

حاولنا الغوص في التاريخ أكثر، والبحث عن كتاب (ضوء الشمعة في تاريخ الجمنون والقلعة)، ولكن دونما فائدة وكأنما الأرض انشقت وابتلعته، فيما ذهب البعض إلى القول إنه يوجد في إحدى المكتبات الأثرية في بريطانيا، وعلق آخرون بقولهم إنه مكتوب بخط يد، ألفه أحد المؤرخين اليمنيين واحتفظ به في مكان مجهول إلى الآن، فيما أضاف أخرون أن للكتاب أكثر من نسخة، وربما يوجد لدى بعض الأهالي الذين يحتفظون به.

شاركب جبل ربي

من الحكايات المتداولة عن الشيبة الذي خدع الملك المنصوري حين طلب من أهل منطقته في الجنات خشبا فجاءوا بها مكسرة حتى لاينتفع الملك بها، وعندما غضب الملك قال له الشيبة الذي افتعل الحيلة «بسعاتك واصلهن». وكان الشيبة قد اتفق مع أهل الجنات أن يعملوا مثلما يعمل حتى يؤمن الملك بغبائهم، فأمر الملك لهم بطعام وحلبة، ووضع في الحلبة حبات من ذهب بدلا من حبات الحُمر، فكان الشيبة يمضع الحبات و يرمي بهن، فآمن الملك بغبائهم، وبقي أن يتأكد من ذلك، فأمر الشيبة أن يعود إلى قريته دون أن يمشي على قدميه فقال الشيبة للمك «شاركب على جبل ربي»، (الغمام) الذي كان يملأ المنطقة، وقفز إلى مكان يعرفه، وبه عود يمسك به.. فآمن الملك بغبائهم، وقال الشيبة للشباب «شيبتي و لا كل الشباب».

الدملؤة في الوقت الراهن تستغيث لحضارتها، ويصفها المواطن خالد الأشعوبي أنها أصبحت اليوم مأوى للبوم و الغربان.

معادلة صعبة يندى لها الجبين، إذا ما قورن تاريخ الدملؤة العريق بالواقع الراهن.. فمن يلوم من؟!.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى