هذيان مواطن جدا

> صالح حسين الفردي:

> (1) .. جلس يترقب حاله المنكود، ينظر يميناً وشمالاً، فتزداد حسرته وهو يرى الكآبة والحزن تكسوان وجه أحبته وأصدقائه، وهم يلهثون في (اللاشيء)، كسراب يحسبه الظمان ماءً، تلفت ثانية، لم يبصر أحداً يدنو منه، كلٌ منشغل بذاته عن الجميع، زادت حالته تعباً، وانزوى في (دكته) اليومية التي يجد فيها بعض السلوى، ففيها تتداعى إلى مخيلته ذكريات الكثير ممن رحلوا من روادها، وقد كانوا يتسامرون ويتبادلون النكات البريئة والقفشات الساذجة لتلطيف الجو وبث الألفة بين المؤتلفة قلوبهم على لعبة (الدمنة)، فتعلو الضحكات على (نقلات) أحجارها، ويستمر بهم ومعهم الحال حتى منتصف الليل، وهم في منافسة حامية وسجال ضاحك، فتورق الحياة في عيونهم عند مغادرتهم للمبيت، على أمل اللقاء القادم، تلك صور لم تمحَ من ذاكرته.

(2)

حين كان يهيم في خيالات ماضٍ تعب جميل، وزمن صفت فيه القلوب وخلت فيه الجيوب، تراءت له ملامح من بقي من شلته القديمة، إنه (بو مدهش)، الذي ما عُرف إلا مزوحاً من طراز فريد، ساخراً من كل شيء وعلى كل شيء، الجميع يهاب لسانه اللاذع، وصوته الضاج الطازج، لا يستطيع أحد مجاراته فيما يرميه من قفشات هنا وهناك.

(3)

عندما اقترب منه استعد للمواجهة، وبدأت تسري في جسده المثخن بالألم بقايا همس الصحاب، تساءل ما الذي يحمله هذا المساء، وكيف؟! حسم أمره سريعاً، واطمأن إلى قوة موقفه- أي جلسته- ومنى النفس بالكثير من قفشات (بو مدهش) اللذيذة، وقد كان ما توقع، باغته (بو مدهش):

- يا بو عبدالله محافظك القادم من يكون؟

- لكنك يا بو مدهش خلِّ (الخوق)- أي اترك العباطة.

- نقولك محافظك من يكون؟!

حاول أن يرد له هذه المزحة بأحسن منها:

- إلا قل لي يا بو مدهش كيلو الرز اليوم بكم؟

- الظاهر إنك يا بو عبدالله حالك ملان ولا هو حق وله.

- وأنته كنك بركت تو لما ذكرت لك الرز.

- الله يهديك صبتنا صوب، الرز معناته الصغيرين، معناته أم العيال، معناته القلق اليومي، بل ضغط الدم، والذبحة الصدرية، وأمراض الوقت ذا كلها.

- جلس.. جلس يا بو مدهش، وهي على الباري خل نحنا في بلاوينا، والباقي إلا خوق من صدق.

(4)

ابتسما معاً، وعادا للصمت!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى