إنه زمن مخروط

> محمد سالم قطن:

> قديما كان إيقاع الحياة بطيئا متمهلا، وكان الناس يتحركون في هذه الأرض بصبر وتأن، وكانت الدنيا بخير والناس بسطاء ظواهرهم كما بواطنهم، يحرثون ويزرعون ولايستـعجلون موسـم الحصاد.

فالراضة من الرحمن والعجلة من الشيطان! أما اليوم فقد تسارعت عجلة الحياة، وأصبح كل منا في عجلة من أمره، الكل يجري، والكل يلهث، وكلهم مشغولون، رغم البطالة والتفاهة وقلة الحياء في زمننا هذا، وفي بلدنا هذه، ظهر التجار (السوبر) والمسئولون (نص كم) ومثقفو (الباقي على الكرفتة).

قديما كان الصعود في سلم الحياة يجري بحذر درجة بعد درجة، أما اليوم وبعد ظهور الرافعات بمختلف الأشكال يتم الصعود- أو بالأحرى التصعيد- عبر (الأسانسير).

إنه زمن مخروط، والمخروط شكل هندسي معروف، ازدادت أهميته في هذا العصر، فهو سلس كثيرا وانسيابي جدا، وهنا مكمن خاصيته التي جعلته متألقا في هذا العصر، تراجعت كل الأشكال الطبيعية التي عرفها الناس في الماضي، من مثلثات ومربعات ومستطيلات ودوائر، فليس لأحد حاجة في هذه الأيام بمربع أرسطو ولا بدوائره، كما اختفى من تواريخ الهندسة موضوع فيثاغورس بمثلثاته الشهيرة، نحن في عصر السرعة والفهلوة، فلا داعي للتعب والعناء. قديما أعجب الناس بالدائرة واعتبروها أروع الأشكال الهندسية وأكبرها، أما الأن فقد تلاشى هذا الإعجاب بعد أن أظهر المخروط والمخروطيون روائعهم وإبداعاتهم على كل صعيد حتى الصناعات الحديثة، وفي شتى مجالات الإنتاج ومختلف فروعه اقتبست من هذا الزمن (مخروطيته) حيث وجدت في انسيابيته الشديدة وسلاسته الفائقة ما يتيح لها أن تطور وتبتكر وتحقق الأهداف وتنجز الروائع.

ففي الصناعات الدوائية تقلص إنتاج الحبوب والحقن والكبسولات، وحل محلها (تحاميل) مخروطية معبأة بالدواء، يجري تمريرها في سهولة إلى الجسم من أدناه، كذلك فعلت كل الصناعات بما فيها الصناعات الإستراتيجية وترسانات صناعة الأسلحة التي أنتجت بهذه الطريقة الفذة أضخم الصواريخ الباليستية عابرة القارات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى