الأنامل الحريرية

> «الأيام» إيضاح قاسم جبران:

> شاحبة شحوب الغروب، لكنها شمعة إن انطفأت تلبدت السماء بالغيوم، ونضيع بين متاهات الدروب.

كانت عجوز بائسة تجلس على كرسيها البالي وتنتظر عودته وحيدة تحيك بأناملها المجعدة شيء هي نفسها لاتعلم ما هو، مع ذلك كانت تواصل الحياكة، هبت نسمات باردة أرعشت ذلك الجسد النحيل، نهضت لتغلق النافذة، وما أن أدركت يداها النافذة نظرت إلى السماء ورأت القمر، فقالت وهي تبتسم ابتسامة مخلوطة بمشاعر حزينة وسعيدة اتختلس النظر على عجوز وحيدة، ليتك تستطيع الكلام لكنا نؤنس بعضا. أغلقت النافذة واتجهت إلى غرفتها لتنام.

في اليوم التالي وكعادتها بدأت العمل، وما إن انتهت جلست على كرسيها القديم، صديق عمرها، ومؤنس وحدتها، وظلت تحيك، نظرت إلى النافذة وشاهدت الشمس تغرب بألوان دافئة حزينة، شعرت وكأنها المرة الأخيرة التي ستراها فيها، أطلقت زفرة الحسرة وأغمضت عينيها، بعدها بدقائق انفتح الباب وخرج صوت يقول: أمي.. أمي، لقد عدت إليك. شاهد أمه تقبع على كرسيها بيدها إبرة وكرات خيط ووشاح، تقدم بخطوات قلقة، وقال: أماه.. أمي، لقد عدت، اقترب منها، وهزها وهو ينادي: أمي انهضي أرجوك.. لكنها ظلت ساكنة دون حراك، عض شفتيه وذرف دموع الحسرة والألم، وقال: سامحيني يا أمي.. جعلتك تنتظرين! نظر إلى الوشاح أخذه، فوجد فيه:

انتظرتك يا فلذة كبدي، لكنك تأخرت

لقد هامت بي الذكرى إلى حيث الطفولة والصبا، فرأيتك بين ذراعي تارة تبكي وتارة تضحك، فغربت شمس روحي دون لقياك ياصغيري، وأطلقت آخر أنفاسي مع حلم لازلت أنتظر فيه عودتك إلى أحضاني

أخيرا أسدل الستار، وتعالت أصوات التصفيق، والدموع تترقرق في أعين المشاهدين، كأنها شاطئ تحطمت فيه سفن الأمل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى