الوظيفة العامة مغرم .. أم .. مغنم

> صالح الوحيشي:

> الوظيفة العامة واجب يتحمل المرء مشقته، ويتكلّفها بمسئولية كي ينهض بأحد واجباته نحو المجتمع.

وهي حق لكل مواطن سوي، وقد جعلوا للوصول إليها معايير، وللاحتفاظ بها ضوابط وقواعد، على شاغلها ألا يحيد عنها، وإلا اعتبر كمن عدها غنيمة يستأثر بها لنفسه ويخضعها لأهوائه وأمزجته.

لذلك يُعهَد بالموقع الوظيفي إلى من هو مؤهل له وجدير به، وقبل ذلك يتم إخضاعه لميزان المفاضلة حتى يستقر الاختيار (في نهاية المطاف) على الأوفر دراية بمسئولية الوظيفة، بل ربما امتد هذا التفاضل إلى إعطاء اعتبار حتى للمتميز بالبراعة في التعامل مع الآخرين من مرؤوسيه بإنصاف وتجرد وامتلاك صفات قيادية.

ولكن من يبتوأ الوظيفة العامة يبقى بعدئذ عرضة للمحاسبة والتأكد من خلو تصرفاته من أية تجاوزات، بل للتثبت الدائم من أن شاغلها يخلص في خدمة مواطنيه؛ فهم دافعو الضرائب ومنها يتم تأمين (راتب) الموظف.. ونذكر أن الرسائل الصادرة من أي مرفق حكومي في عهد الإدارة الاستعمارية في عدن، الموجهة للمواطن كان الموقع عليها يختمها بعبارة: إني- سيدي- خادكم المطيع

I am sir your obedient servant

مهما علت مرتبة الوظيفة العامة التي يشغلها أو تواضع مكانة المواطن ذي الشأن،

لذلك نجد في بعض بلاد الله وخاصة الأوروبية، أن شاغلي الوظائف يتبارون في خدمة المجتمع وإنجاز المعاملات دون تعقيدات، والنأي بأنفسهم عن مظاهر الفساد، فبقيت الوظيفة العامة عنوان توازن مصالح الناس والمجتمع، وصارت من قواعد حياتهم -التي تزداد رسوخا- ألا يجنح شاغل الوظيفة العامة لتجييرها لمصالحه الشخصية أو حتى لأهوائه.. وإن وجد نفسه أمام من يخالفه الرأي فأن يلجأ لقانون الخدمة المدنية فهو الحكم مع اللوائح المنظمة ففيها الثواب والعقاب بما لا يدع مجالاً للاجتهاد الشخصي.

وأخيرا فإن مما تجدر الإشارة إليه توجه فخامة الأخ الرئيس لتدوير الوظيفة القيادية العامة بمعنى أن لا يبقى شاغلها لأكثر من فترة محددة، لأنه إن تجاوز وبقي لفترة أطول فيها ربما تهيأت له إمكانية شخصنة الوظيفة العامة، الأمر الذي قد يتحول معه أحد مرؤوسيه إلى غريم وخصم وقد يركب الشاغل دابة الفساد التي سرعان ما تجري بعيداً عن التزاماته نحو المجتمع ويكون من ثم تحت طائلة القانون.

أما فيما يتعلق بمن يفشلون من أول يوم لتسلم الوظيفة القيادية لأسباب احتواء نفر من الحاقدين والموتورين وتمكنهم من دفق الأمور لصالحه نتيجة لضعف هذا المسئول وتبدأ بذور الخلافات والمعارك المصطنعة.. والعمل لصالح منافعهم الشخصية وتصفية حسابات قديمة نتيجة لما يصوره لهم خيالهم المريض، فإن مثل هذه القيادات لا تستحق البقاء في مواقعها حتى لا تصل الأمور إلا ما لا يحمد عقباه.. فالضعفاء والذين لا يمتلكون المهارة في قيادة البشر ولا يمتلكون الإرادة التي تمكنهم من قيادة مرافقهم بحيادية وعدل وأخلاق، ولا يستطيعون التمييز بين الناس ويستسلمون طواعية وبدون إرادة للمحيطين المنتفعين بأمور كثيرة، في هذه الحالة لابد من الإسراع بتشخيص الحالة لهذا المدير الفاشل الذي لا يهمه من الوظيفة سوى مغانمها.. علاوات، بدلات سفر، نثريات، بالإضافة إلى السيارة والامتيازات التي يجيزها لنفسه بدون قانون.

صحيح أن البعض من القيادات الفاشلة تتمترس خلف القرارات الجمهورية التي جعلتهم في غفلة من الزمن يصلون إلى مراكز كانوا لا يحلمون بها، ولو كان فخامة الرئيس يعلم ما سيلحقه إصدار بعض القرارات بالمجتمع والعاملين لكان توقف عن توقيعها، لأنها ألحقت أضراراً بالغة نظراً لعدم استيعاب أصحاب القرارات مهامهم الوطنية والأخلاقية.

وفي إطار تبادل الحديث مع بعض الزملاء في الإعلام حول نصيب الأجهزة الإعلامية من مثل هذه القرارات التي حملت لنا الكوارث.. ذكر الزميل الإعلامي صلاح العمودي قائلا: «بحكم أنني مذيع نشرة أخبار قرأت عشرات القرارات بل المئات.. ولم يعلق بذهني سوى قرار أو اثنين، وبالرغم من أنني قرأتهما خلال النشرة إلا أن رقم القرار وتاريخه مازالا مطبوعين في ذاكرتي لأنني أصبت بفاجعة كبيرة واستغراب شديد، كيف حصل هذا ومن المسئول؟!».

وفي الختام نأمل إصلاح الأمور لما فيه مصلحة هذا الوطن العزيز وإصلاح ما يمكن إصلاحه.. والله من وراء القصد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى