حضرموت .. محافظ جديد بصدى وزير وطني قديم

> د.عبدالله سعيد الجعيدي:

> عندما يتكرر زواج المصالح والأقارب، وتجري المراسيم في الخفاء، ويكون الشهود ذات الشهود، فإن مواليد حكومتنا الرشيدة في أحسن الأحوال يأتون مشوهين. وآخر مواليد زواج الغفلة لحكومتنا هو قانون انتخاب المحافظين (نسأل الله العفو والعافية) يقال أن بعض الناس في المكلا خرجوا مهللين ومطالبين ببقاء المحافظ غير الحضرمي في حضرموت، بل وأعدوه واجبا وطنيا، وفي مشهد بعيد وليس ببعيد خرج الناس في جنوب اليمن مطالبين بتخفيض الرواتب، وفي المشهدين كانت السلطة حاضرة بعصاها في المشهد البعيد، وبمالها في القريب .

وحتى هذه اللحظات لايزال الغموض يكتنف الأمور وصورة المشهد قاتمة ومهزوزة، والعرّابون هم العرّابون (بملابس فلاحين وكرفتات رأسماليين)، والغائب المغيب في هذا الحاضر هو التاريخ لأنه الذاكرة والتجربة ..والتساؤل ماذا حدث في تاريخ حضرموت القريب ؟؟ وما علاقة ذلك بحاضرها الغريب ؟؟

في يوم الأربعاء 18 مارس 1964م تم تعيين السيد أحمد محمد العطاس أول وزير وطني للسلطنة القعيطية. كان خبرا احتل حيزا مهما في صحف حضرموت في ذلك الزمن.. كان الحدث (الخبر) ممتلئا بالآمال ويحمل دلالات ومعاني عميقة ومتنوعة. وحقيقة الأمر لم يكن العطاس الوزير الوطني أو الحضرمي الأول للقعيطيين، فقد سبقه في ذلك المنصب أربعة وزراء منهم ثلاثة من أسرة آل المحضار وهم على التوالي: حسين بن حامد المحضار، أبوبكر بن حسين المحضار، وحامد بن أبوبكر المحضار .. وامتدت فيهم الوزارة إلى سنة 1937م مع انقطاع لفترة وجيزة في عهد السلطان عمر بن عوض القعيطي والسكرتير الرابع (الوزير) سعيد أحمد حدادي.. ويمكن أن نعزو النظرة إلى العطاس بوصفه أول وزير وطني أو محلي إلا أنه جاء بعد ربع قرن من تولي عدد من الأجانب كرسي الوزارة، ثم إنه جاء بعد أن ترسخت مؤسسات الدولة القعيطية وصار للوزير فيها وزنه وتأثيره القوي. وكان عهد الوزراء المجلوبين من خارج حضرموت قد بدأ منذ سنة 1939م إلى سنة 1964م عندما عين المستشار البريطاني (انجرامس) أولا الشيخ سيف بن علي البوعلي وهو زنجباري من أصل عماني في هذا المنصب واستمر فيه إلى سنة 1950م باللقب المستحدث سكرتيرا للسلطنة، وجاء بعده الشيخ سعيد القدال 1957-1950م وأخيرا جهان خان 1964-1957م .

جاء الوزير الحضرمي الجديد بعد انتظار للحضارم دام خمسا وعشرين سنة ومرور أربع عشرة سنة لحادثة القصر الشهيرة (1950) التي سقط فيها رجال من رعايا السلطنة القعيطية وهم يناضلون ويطالبون بسكرتير محلي من أبناء حضرموت. كان القدال مقبولا شخصا مرفوضا رمزا.. ولسبع سنوات جثم الوزير الأخير الغريب في حضرموت، وشتان ما بين عهده وعهد من سبقه، ففي عهده شهدت المنطقة تحولات على جانب كبير من الأهمية، فقد سقط النظام الإمامي في شمالي اليمن 1962م، وبعدها بعام اندلعت ثورة 14 أكتوبر التي وصل دويها إلى كل مكان، وأسهمت الصحافة العدنية والحضرمية في إذكاء الشعور الوطني والتطلع نحو الحرية و«العزة العربية»، وإذاعة صوت العرب من القاهرة تهز العروش وفشلت المشاريع الاستعمارية في ضم حضرموت لاتحاد الجنوب العربي.. وتسارعت أوراق اللعبة السياسية في التساقط من أيدي البريطانيين، ولم يعد المحافظة على السلطنات والمشيخات محورا استراتيجيا للسياسة البريطانية في المنطقة كما كان منذ زمن قريب.. في هذا الجو المشحون والملغم تم تعيين الوزير العطاس .

قوبل هذا التعيين بارتياح شعبي كبير، وقد عبرت كتابات النخبة وقتئذٍ عن هذا الشعور أمثال سعيد عوض باوزير، وحسين محمد البار، ومحمد عبدالقادر بامطرف، وبدر الكسادي .

لقد استبشر الجميع بهذا التعيين لاسيما أن العطاس مشهود له بالكفاءة المهنية والانتماء الوطني، ولم يخذل العطاس من ظن فيه الظن الحسن، ولكن رياح التغيير السريعة لم تعط للعطاس متسعا من الوقت لالتقاط الأنفاس. وتوارت السلطنة القعيطية عن الأنظار وأصبحت حضرموت المحافظة الخامسة في جمهورية اليمن الجنوبي، وخلال ثلاثة وعشرين عاما كانت مكتفية بكوادرها الإدارية والعسكرية، بل ساعدت بكوادرها المحافظات المجاورة والعاصمة عدن .

وفي العهد الوحدوي توالى على منصب المحافظ ثلاثة محافظين من خارج المحافظة .

وبضبابية عجيبة يلوح في الأفق هذه الأيام انتخاب شبح محافظ مصنّع من حضرموت أو غير حضرمي مصنّع في حضرموت !! ولكن السماء البعيدة تبرق بنور شهداء القصر، وترعد بصدى تهاليل من كان للوزير الوطني قد فرح واستبشر .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى