> «الأيام» محمد مرشد عقابي :

أطفال مع أمهم أمام باب منزلهم الحقير يبتسمون
أطفال مع أمهم أمام باب منزلهم الحقير يبتسمون
هموم متراكمة وأحزان دفينة، مساكنهم تحولت إلى مزار لأصداء النحيب، وإلى بحور من الأحزان لم يعد للفرحة مكان بين جدران منازلهم ، صغارهم رضعوا من حليب المعاناة وشبوا على ألم الفقر.. منازل حقيرة للغاية تحتقن بداخلها عيون قاطنيها، تتصدع القلوب وتنطلق منها نيران الحرقة عند النظر إلى حالهم المزرية. أحد صغارهم قابلني بدمعة لا يعرف معناها إلا هو. انحدرت تلك الدمعة من على عينيه منسابة على خده وكأنها ماء نار تعربد لتكتب على وجنتيه لوحة المأساة على واقع الحال. هذه هي حقائق ما تعانيه الطبقة المهمشة (الأخدام) بالمسيمير. «الأيام» رحلت إلى كبد المعاماة لتنقل من هناك كلمات ليست تقليدية لأن حروفها نيران من مآس معينها لا ينضب.. فإليكم ما جاءت به هذه السطور:

حالة بؤس وكوابيس الزمن الغادر

وسط محيط تتفجر فيه المقل وتنهال الدموع كالأنهار وبآهات يعتصرها الحزن على ضيق الحال وعوز الحاجة غمغمت المواطنة وديعة عبدالله إلي بشفتيها وبصعوبة بالغة قائلة:«يا أخي لمن نشكي ونبكي».. ثم كبتت أنفاسها وقالت:«حكايات همومنا ومآسينا تحتاج الوقت الطويل لشرحها وسردها، فنحن أصبحنا بحق ليس لنا وجود كآدميين، فلا خدمات ولا مرتبات ولا أي شيء يستحق أن نذكره»، وواصلت بالقول: «حتى الرعاية الاجتماعية تذهب لأصحاب الفلوس، ولمن يدفع أكثر، بينما الفقير يبقى مرمي لا أحد ينظر إليه أو يسمع شكاواه». واختتمت حديثها قائلة:«إننا عبر منبر «الأيام» نطلق نداءات الاستغاثة لفاعلي الخير أن يلفتوا إلى وضعنا ووضع أبنائنا ويساعدونا بما تيسر لديهم فعله، كوننا مقطوعين من أي مصدر للرزق وحسبنا الله ونعم الوكيل».

نحن مقطوعون في هذه البلاد والقائمون على الرعاية يتعمدون إسقاطنا منها

مالحة هي الكلمات في فم الناطق الرسمي للمهمشين بالمسيمير سليم درهم عبدالله، حيث عض شفتيه حتى كاد يدميهما قبل الحديث إلينا، ثم تنهد تنهيدة طويلة احتبست بعدها للحظات مفرداته واحتقنت الكلمات في فمه لتخرج بعدها في مذاق مرارة العلقم، حيث بدأ قائلاً:«نحن مشردون بكل معاني التشريد، فلا يوجد لنا في هذه الحياة سوى هذه المنازل التي كما تلحظها مشيدة على العلب والتراب، ومعاناتنا لا تتوقف عند هذا الحد إنما المعاناة الحقيقية تكمن في عدم توفر لقمة العيش، فأصبحنا وأطفالنا تائهين ونشحت يومياً لأجل لقمة العيش، فيما معونة الرعاية الاجتماعية تذهب لذوي النفوذ والقوة وتوزع بحسب درجة المحسوبية والقرابة، بينما نحن والفقراء مثلنا لا أحد يلتفت إلينا حتى من باب الرحمة والشفقة»، واستطرد قائلاً:«الطامعون استحوذوا على كل شيء ولم يتركوا أو حتى يخلفوا بعدهم شيئاً يسيراً من الفتات لنقتات منه، وفوق هذا يأتي سيناريو الانتخابات، ويأتون إلينا بدعايات كاذبة بلهاء، ونحن نصدق يا ولدي هذه الأكاذيب ونكتشف في الأخير أنهم يضحكون علينا وليس منها أي مقصد إنساني نبيل سوى سرقة أصواتنا والصعود عليها، ومن ثم رمينا في البحر نتلظي بالعذاب».

واختتم حديثه بالقول:«إنني أبعث رسالة نداء عبر صوتنا «الأيام» لكل إخواننا وبني جلدتنا من أمثالنا المهمشين في عموم الوطن، وذلك للتكاتف والالتفاف صفاً واحداًَ خلف احتياجاتنا ومطالبنا، وندعو من على صوت «الأيام» كل المهمشين إلى ضرورة تشكيل جمعية تعنى بإظهار مطالبنا ونزع حقوقنا المغتصبة. وشكراً لصحيفة «الأيام» على نزولها إلى حارتنا لتلمس همومنا ومعاناتنا، وهذا يدل على نمط البساطة والتواضع التي تتميز به صحيفتكم، ونتمنى لكم التوفيق في مهامكم».

أيام الانتخابات يحولونا إلى ملطشة لكسب أصواتنا:

أحمد قاسم العماري، وطارق أحمد مدهش صديقان من بين أكثر الشباب المهمشين تحملاً لصدمات الفقر والمعاناة يعيشان حالات اضطرابية ونوبات نفسية، شابان بدون عمل، جسدان تائهان يترقبان يومياً انبعاث فرج الأزمة، تعددت إقلاعات القهر عندهما، فكان لهما أن قالا:«نرحب أولاً بقدوم صحيفتنا «الأيام» ونقول عبرها لأصحاب الكراسي في سلطتنا المحلية كفاية كذباً على الفقراء والمساكين كفاية تصدير الدعايات والوعود الكاذبة»، وأضافا بالقول: «إخوتنا في السلطة المحلية وصندوق الرعاية لم يكتفوا بأكل السحت، بل أنهم يريدون أيضاً الكذب على عباد الله لتسطير سجلاتهم، فهم دائماً يعدوننا بتسجيلنا في استحقاقات الرعاية، ومع إتيان كل دورة للتسجيل وانتهائها نكتشف بأننا نسبح في الوهم، وفوق سراب أكاذيبهم، فنحن أصبحنا كالألعاب يحركونها بأيديهم كيفما يريدون، وفي أي وقت بحسب رغباتهم وما تمليه أنفسهم». وتابعا حديثهما بالقول: «نقول لهؤلاء حرام عليكم الكذب علينا ألا يكفيكم عذابنا ومآسينا وجوعنا! ألا يكفي تحويلنا إلى ملطشة ومسخرة للوعود الكاذبة أيام الانتخابات ألا يكفي إلى هنا أن تتحرك ضمائركم نحونا وتعاملونا معاملة إنسانية عادلة ومتساوية مع الآخرين». واختتما حديثهما بالقول: «رجاؤنا وأمنيتنا الوحيدة هي العيش بأمان مع توفير لقمة العيش لنا، وشكراً لصحيفة «الأيام» على هذه اللفتة الإنسانية الكريمة».

أوضاعنا لا تسر العدو والوعود الانتخابية مسامير في نعش مآسينا

يتلعثم لسانه قبل النطق بحروف الأسى، وتعتصر قلبه حرقة الشكوى بضيق ذات اليد، الكلمات تتوقف عند حافة لسانه من شدة معاناته من ظروف الحياة المتعبة إنه المواطن المعروف لدى الجميع بالمسيمير بأخلاقة وتعففه، وأحد المنتمين للفئات المهمشة، وهو عبيد ناصر زيون، حيث همس إلينا بكلام ممزوج بتنهيدة المرارة والتعاسة، فبدأ من خلالها قائلاً:«أنا ياولدي كما يعرف الجميع أعيل أسرة كبيرة، وظروفي قاسية والحال يعلم به الله»، وأضاف: «المعاش الذي خلفه لنا عمي الله يرحمه لا يغطي احتياجاتنا وطلباتنا، فهو ضئيل للغاية ولا يكفي لتوفير جزء يسير من احتياجات أسرتي وأطفالي، ولا يغطي صرفيات منتصف الشهر».

أطفال المهمشين يبتسمون لعدسة «الأيام»
أطفال المهمشين يبتسمون لعدسة «الأيام»
وأردف يقول بحسرة وألم:«عندي 12 نسمة ومعظمهم أطفال ومكالف وهم بحاجة إلى من يصرف عليهم ويهتم بهم، وأنا وحيد أسرة لا أحد يساعدني عندي طفل مريض بثقب في القلب». وواصل حديثه بالقول:«أحياناً تجبرنا الظروف أن نمد أيدينا ونتوسل الرحمة من خلق الله في سبيل الحصول على النقود لشراء العلاج الذي يعتبر باهظ الكلفة في حين أننا نظل أحياناً بلا طعام، وتمر علينا بعض الأيام وبيتنا فاضي لا يوجد فيه المواد الغذائية كالدقيق والأرز والسكر، ونحن بحاجة إلى النظرة العادلة من قبل المسؤولين بالمديرية بعيداً عن التمييز بين أسود وأبيض أو التعالي علينا».

واختتم حديثه بالقول: «نطالب السلطة المحلية بمساواتنا بغيرنا من حيث الخدمات والوظائف والمعاملة، ونرجو أن تزال نظرية العنصرية (يا أخدام)، فنحن بني آدم لا نفرق عن غيرنا بحكم الدستور والشرع والقانون إلا بالتقوى، وكلنا لنا حقوق وعلينا من الواجبات بحسب ما كفله لنا الدستور والدين مثل المواطنين الآخرين، واستغرب ما يقوله البعض بلهجة التعالي والكبر وبمنطق القبلية والعنصرية لهجة (يا خادم وياحجري)، ونقول لهؤلاء جميعاً إننا أولاد تسعة ولا أحد يفرق عن أحد إلا بالتقوى.. واتقوا الله في معاملة البائس الفقير.

وأوجه شكري في الختام لكل القائمين على صحيفة «الأيام» الغراء منبر من لا منبر له وصوت كل الغلابى والمظاليم، وأتمنى لها مزيداً من التألق في نقل هموم ومعاناة المواطنين ومزيداً من التفرد في سماء الصحافة».

قطوف من رحلة الاستطلاع

الطبقة المهمشة بالمسيمير يلفها حبل الفقر منذ سنوات مديدة، أسر تعيش حالة بؤس وشقاء وعذاب وكوابيس حقيقية في هذا الزمن الغادر، أسر تعاني فصولاً من مسلسل المعاناة التي لا تنتهي، أسر تربطها بالمعاناة والمآسي والفقر قصص طويلة، أسر وأطفال يكابدون رحلة النسيان المؤلمة، أسر مطعونة بخنجر الإهمال، دموع صغارهم من الجوع والعوز قد ارتوى منها ثرى منازلهم الحقيرة، نساء قد تورمت أعينهن من كثرة النحيب على الحال وسوء الطالع الملازم لهن دوماً، أسر تعاني النكبات والأزمات لسنين طويلة وليس في اليد مخرج أو حيلة، الحسرة تملأ كيان كبيرهم وصغيرهم على حد سواء امتزجت في أحشاء كبيرهم وصغيرهم قصص شظف وقسوة العيش، ويبقى السؤال الحائر الذي تتقاذفه ألسنتهم جميعاً عن ميعاد انفراج آلامهم وأحزانهم وانبلاج بارقة الأمل نحو العيش بكرامة، وهنا في أرضهم ووطنهم، إنها بعض الحقائق التي تكتوي بها تلك الفئات المهمشة.

«الأيام» فتشت في دفتر أحوالهم فلم تجد عناوين الفرح فيها فكل صفحة اطلعنا عليها حملت بين طياتها حروف القهر والمآسي، تعددت الآهات وتنوعت صيحات الاستجداء بأهل الخير، عيون زائغة للغد وسط أجواء حالكة لعل وعسى أن ينبعث بريق الأمل لحياة أفضل تعيد البسمة إلى شفاه قد فارقتها الابتسامة منذ أزمنة تليدة، تقاسيم وجوة سوداء تحكي مرارة العيش وقساوة الحياة، تلك هي العناوين البارزة والحقائق المرة الواقعية التي تقرأ من رحم معاناة المهمشين بالمسيمير، الذين للأمانة يجلدون يومياً بسوط الفقر والمرض، ولا يجدون من يخفف عنهم بعض آلامهم.