في أربعينية قامة تربوية وأدبية ودبلوماسية عظيمة لاتتكرر

> «الأيام» لبنى الخطيب:

> تحل علينا يوم السبت القادم الموافق 24 مايو 2008 أربعينية الفقيد عبدالله فاضل فارع الراحل الساكن في وجدان وعقل أصدقائه وتلاميذه ومحبيه، وسيظل قائما ذلك الحضور التربوي، الأدبي، الثقافي، والدبلوماسي أكبر من أن تسدل عليه الأيام والسنوات ستار النسيان- طيب الله ثراه-.

لقد حفلت حياته بالعديد من الأعمال الوظيفية والإبداعية، هذه المحطات الثرية في حياته لم تأت من محض الصدفة، فولد عبدالله فاضل فارع يوم الأحد 15 من ديسمبر 1926 الموافق العاشر من جماد الأول سنة 1345هجرية- مصادف لشهرنا الهجري الحالي- وللذكاء الحاد الذي تمتع به منذ الصغر، ففي منتصف شهر يونيو 1935 التحق بمدرسة الحكومة بالصف الثاني الابتدائي مباشرة دون المرور بالصف الأول، وخلال سنتين ونصف أنهى مرحلة الأربع سنوات المقررة على جميع الطلاب، انتقل إلى مدرسة (كيث فالكنر) الإرسالية لبدء الدراسة الثانوية بمرحلتها الدنيا، كانت تستغرق ثلاث سنوات، وأكملها في سنتين على الرغم من مواصلته حضور دروس القرآن الكريم بالجامع في نفس الوقت، تفوقه وتميزه في المراحل الدراسية الابتدائية، الثانوية الدنيا، ومن بعدها الثانوية العليا بجامعة كامبردج لم يقف عند هذا الحد وإنما تواصل تميزه حتى المرحلة الأكاديمية عندما التحق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة سنة 1948، وفيها درس الرياضيات والعلوم مدة ثلاث سنوات كان يحضر في أثنائها مساقات من مناهج كلية الآداب بإذن من الجامعة، وبعد إنهاء عمل ثلاث سنوات الرياضيات والعلوم بنجاح، إضافة إلى ما درسه من مناهج كلية الآداب كسب زمالة من الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبعد ذلك استطاع في عام واحد حيازة بكلاريوس الآداب بدرجة الشرف، وإعداد رسالته عن التفسيرات المتباينة لفلسفة عمر الخيام بامتياز.

تدرج بالعديد من الوظائف التربوية في عدن، وفي سنة 1954 عين مدرسا بالكويت وتحقق فيها حلمه منذ الصغر بحيازة مكتبة تظم في طياتها العديد من الكتب، واستمرت معه هذه السعادة بامتلاكه للمكتبة، فنقلها من الكويت إلى عدن، وظل يحافظ عليها ويرفدها بكل جديد حتى آخر أيام في حياته ويتزود منها كل يوم.

ومن أتيحت له فرصة زيارته أثناء حياته أومن ذهب مؤديا واجب العزاء لوفاته سوف يلمس ويلاحظ الكم الكبير والوفير من الكتب وأمهات الكتب والقواميس النادرة والمختلفة والمجلات والصحف المحلية والعربية والأجنبية، كما حوى محرابه الثقافي على زاوية فيها جهاز (الجرام فون) لتشغيل الإسطوانات مع عدد كبير من الإسطوانات الغنائية اليمنية العربية والأجنبية القديمة، ونادرا مانجدها في بعض البيوت العدنية الآن، ومن كثر ما ضم محرابه من كتب ومجلات وصحف ضاق بهم المكان، رغم سعة البيت، إنها ثروة ثقافية وأدبية وعلمية وموسيقية لاتعوض، تركها الفاضل في زمن يسأل الإنسان كم ترك فلان أوعلان من رصيد أوتركة، ما تركه الفقيد عبدالله فاضل من إرث لايقدر بثمن.

صورة في يوم تخرج الفقيد من كامبريدج
صورة في يوم تخرج الفقيد من كامبريدج
لقد زينت غرفته بالعديد من الصور، وهو في سن الشباب ويوم تخرجه من جامعة كامبردج بصحبة زملائه في تلك الدفعة، وظل محافظا على هذه الصورة من تأثير النمل الورقي والرطوبة، رغم التقاطها عام 1946، إلا أنها صورة لحدث جميل ولمرحلة أجمل، ولوحة فنية خلف مقعده الخاص الذي جلس عليه وسطر العديد من إبداعاته، تجسد هذه اللوحة الجميلة صورة شخصية (لوجهه) بريشة الفنان أحمد عبدالعزيز مهداة من اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في ديسمبر 1999، وصورة شخصية مع رفيقته في دربه ومسيرته الحافلة (الله يرحمها هي الأخرى) دليل على النبل والوفاء الذي حمله لها في حياتها ومماتها، كما لايفوتني أن أذكر الشيء الذي شد انتباهي والكثير من زوار البيت الفاضل، هو ملصق تذكار هدية من مجلة العربي الكويتية لعدد يناير 2002 يعبر عن (انتفاضة الحجر) ياترى كم شخصا لايزال يحتفظ بهذا الملصق الآن، إنه دليل آخر على البعد الإنساني والتضامني الذي يحمله للإخوة بفلسطين في مواجهة العدوان والغطرسة الإسرائيلية، فيما ضمت أدراجه الخاصة العديد من صور للمراحل العملية الأدبية الثقافية والدبلوماسية، وضمت العديد من الدروع والأوسمة والشهادات، أنه الفاضل بالفعل، حيث وجد تميز في كل شيء، ففي أواسط 1964 عين في وزارة المعارف ضابطا للمطبوعات والنشر وعموم الامتحانات، وكان يؤدي هذا العمل قبله ضابطان بريطانيان أنهيت خدمتهما لأول مرة بفرد محلي، وتسلمها الأستاذ عبدالله فاضل، وتمكن من أداء العمل بجدارة المتحدي الكفء القدير، وبعد ذلك حول إدارة التفتيش إلى إدارة التوجيه الفني، ثم مديرا لمعارف ولاية عدن، وبعدها انتقل نائبا لوكيل الوزارة للشؤون الفنية، وهو من الرعيل الأول الذي عمل في إذاعة عدن، مقدما للعديد من البرامج الأدبية، وأهم ما لديه من كتابات قدمها تلك الفترة في الإذاعة، وتواصل تميزه بالريادة في سنة 1970، حيث عين كأول عميد لكلية التربية، وهي الإرهاص الأول لبزوغ التعليم الجامعي في عدن، وبعد ثلاث سنوات لعمادته لكلية التربية العليا انتقل للعمل مديرا عاما للتعليم العالي في مكتب مستقل استحدث في وزارة التربية والتعليم، كما حظي بدور الريادة على المستوى الأدبي والثقافي كأول أمين عام لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين عام 1972، وتواصل عمله بعد ذلك في العمل الدبلوماسي والثقافي، ورشح الأستاذ عبدالله فاضل حسب اختياره للعمل في المنظمة العربية للثقافة والعلوم، وشد الرحال وانتقل للعمل في القاهرة أولا ثم تونس، بعد ذلك لغياب خمس عشرة سنة في العمل الدبلوماسي، وإحدى عشرة سنة في المنظمة العربية، وأربع سنوات في سفارة اليمن بتونس كوزير مفوض (أول) فيها.

جزء من المكتبة
جزء من المكتبة
بعد الوحدة بسنتين عاد إلى الوطن وتقاعد من وزارة الخارجية بدرجة سفير 1994، وعين مستشارا لرئيس جامعة عدن للشؤون الثقافية، ثم أستاذا للترجمة بمركز الدراسات الإنجليزية والترجمة، متخصصا في الترجمة التطبيقية وعلم المصطلحات الإنجليزية، واستمر يعمل في هذا المنصب حتى وفاته يوم الإثنين 14 أبريل 2008، ويعتبر أحد أعضاء الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب، ويشاركه هذا التميز الأستاذ جعفر الظفاري بعضويتها، إنهما الوحيدان من اليمن وسط كوكبة كبيرة وعظيمة من الأدباء والمترجمين العرب مثل أ.د. إبراهيم الخمسان، فاروق جويدة، فكري الصباغ، أ.د. محمود العالم وآخرين لامجال لحصرهم هنا.

بعض من الدروع والميداليات التي حصل عليها الفقيد
بعض من الدروع والميداليات التي حصل عليها الفقيد
عمل وأبدع وأحب الآخرين وزين جلسات الأصدقاء بحديث ذي شجون عطرة عما قرأه، ومشواره العملي الذي قضاه، والنجاحات كما أظهرتها الصور التي يحتفظ بها في أرشيفه الخاص، كما كان خير معاون وناصح وصديق لطلاب الدراسات العليا والقادمين إليه طلبا للمشورة والرأي في العلوم المختلفة، لقد عاش مبدعا ومتألقا، ولم يستغل وظيفته العملية لتحقيق أغراض شخصية من وساطة ومحسوبية، غرس وعلم أبناءه الاعتماد على النفس، وبعد ذلك نقل هذه الصفة للأحفاد الذين وصلوا للمراحل الجامعية، سيرته الطيبة سوف تظل محل دراسة وتقدير من أجياله ومحبيه، ومن يهمهم الأدب والعلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى