الأدب والشعر عند عمر بن الخطاب

> «الأيام» علي محمد يحيى:

> بعد نزول القرآن الكريم ..كنت قد كتبت مقالا في هذه الصفحة المحببة إلى نفسي المعنية بالأدب قبل ما يزيد عن عامين، تحت عنوان (هل كان للأدب مكانة في صدر الإسلام؟) إذ كان مضمونة ردة فعل عندي في ضوء حوار عن تلك المرحلة، أنكر بعض حضوره مكانة الشعر والأدب بالعمود وقتها، بل قال قائل إنها طويت وذهب ريحها-أي مكان الشعر- فاستدليت بكثير من الحجج البينات ردا على دعاويهم بما جاء عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) وصحابته، وآل بيته.

فكم استحسن شعر الخنساء، وكم استنشد بعض صحابته مثل ثابت بن قيس وأنس بن مالك وأبي بكر وعمر وعائشة- رضوان الله عليهم- وثبت عنه-صلى الله عليه وسلم- أنه يتمثل بشعر طرفة بن العبد إذا أبهم عليه خبر ومنه قوله:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاً

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

وحين أنشد قول عنتره:

ولقد أبيت على الطوى وأظلله

حتى أنال به كريم المأكل

قال صلى الله عليه وسلم: «ما وصف لي إعرابي قط فأحببت أن أراه إلا عنتره».

وجاء في طبقات ابن سعد عن جابر بن سمره قال: «جالست رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أكثر من مائة مرة، فكان أصحابه يتناشدون الأشعار في المسجد ويتذاكرون أخبار الجاهلية.. وربما تبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم».

وسُئل حسن البصري: «أكان أصحاب الرسول يمزحون؟» قال: «نعم ويتقارضون الشعر ويسمرون بذكر أيام العرب وأخبار جاهليتها».

وفي هذه المقالة المقتطفة وددت أن أوسع حيزاً لأحد صحابته الأقربين، وثاني خلفائه الراشدين سيدنا عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فيما كان منه مع الأدب والشعر، وهو الذي كان يقول: «الشعر ديوان العرب»، وهو الذي ردد بين أصحابه وفي مجالسه «رووُّا أولادكم الشعر، تعذب ألسنتهم وتسمح أخلاقه».

روي أن عبدالله بن عباس أنه قال: «كنت في سفر مع عمر بن الخطاب، فقال: «أنشدني لشاعر الشعراء» قلت: «من هو؟» قال: «زهير بن أبي سلمى»، قلت: «وبما صار أشعر الشعراء؟» قال: «بقوله:

«ولو أن حمدا يخلد الناس أخلدوا

ولكن حمد الناس ليس بمخلد»

ثم علق سيدنا عمر على شعر زهير: «أنه كان لا يعاطل في الكلام، وكان يتجنب حشو الألفاظ، ولم يمدح أحدا إلا بما في» إلى أن قال في روايته - أي ابن عباس - «فأنشدته حتى برق الفجر، فقال عمر: «حسبك اقرأ القرآن» قلت: «وما أقرأ؟» قال: «اقرأ الواقعة»، فلما أتممتها نزل فأذن وصلى بنا».

ومما روي عنه رضوان الله عليه، أنه قال لبعض ولد هرم بن سنان المري: «أنشدني مدح زهير- أباك-». فأنشده.. فلما بلغ قوله:

تراه إذا ما جئته متهللا

كأنك تعطيه الذي أنت سائله

فلو لم يكن في كفه غير نفسه

لجاد بها فليتق الله سائله

فقال عمر: «إنه كان يحسن فيكم المدح»

فأجاب: «ونحن والله كنا لنحسن له العطاء».. فقال عمر: «قد ذهب ما أعطيتموه، وبقى ما أعطاكم».

وروي عن أحكامه حين سُئل عن الشعراء، قال:«امرؤ القيس سابقهم خسف لهم عين الشمس»، وجاء في سيرته أن أنشدوه مرة قصيدة عبد بن الطبيب، فلما بلغ المنشد:

والمرء ساع لشيء ليس يدركه

والعيش شح وإشفاق وتأويل

فقال عمر متمتما:«والعيش شح وإشفاق وتأويل..» متعجبا من حسن ماقسم الشاعر وفصل، وكان على علمه بالشعر وبصره الناقد لجيده يتحاشى التعريض لخصومات الشعراء فيما بينهم، ويعمل جهده على قاعدة درء الحدود بالشبهات.. وأنه حين شكا الزبرقان الحطيئة الذي هجاه وعرض به في قصيدته السينية التي يقول فيها البيت المشهور:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

كره عمر أن يبت في أمرهما واستشهد لهما رجالا.. منهم حسان بن ثابت ينظرون بالقصيدة أهي هجاء؟ فإذا سمع لحكمهم أصدر في ضوئه حكمه على الشاعر الحطيئة، وهو سليم من موجدة الشاعر لهجائه.

وكان محمد بن سلام يردد أن عمر بن الخطاب لايكاد يعرض عليه أمر إلا أنشد فيه بيت شعر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى