في حوار لم ينشر .. الفقيد الأستاذ القدير عبدالله فاضل فارع:لا أرى تطورا كميا وتوسعا عدديا واستمرارا تصاعديا في الدرجة الجامعية

> «الأيام» جيهان عثمان:

> عبدالله فاضل فارع.. اسم ملء السمع والبصر، فهو الكاتب الأديب المترجم المربي الناقد والشاعر أيضاً وإن كان يهرب من هذا التوصيف، وهو أيضاً من المؤسسين الأوائل لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وأول وكيل وزارة للتربية والتعليم بعد الاستقلال.

وأول عميد لكلية التربية العليا عند افتتاحها في بداية السبعينات في عدن .. للأستاذ/عبدالله فاضل فارع إسهامات ثقافية وأدبية وتربوية كبيرة، لكنه يبقى ذلك الإنسان المتواضع البسيط الشجاع، الذي يقول كلمته دون خوف أو وجل لايحيده عن الحق لومة لائم .. ماذا عسى المرء أن يقول عن رجل هو بقامة الأستاذ عبدالله فاضل فارع .. هذا الحوار أجريته معه في شهر إبريل 2001م ولم أتمكن من نشره، وها أنا أقدمه لـ«الأيام» اليوم .

> تعد أحد المؤسسين البارزين لجامعة عدن كيف ترى الجامعة بين الأمس واليوم؟

- أولاً : لست أحد المؤسسين البارزين لجامعة عدن بحسب أنها جامعة عدن الحالية، لأن هذا الزعم سوف يعد افتئاتاً على الزاعمين أنهم كذلك حتى من صغار الموظفين الذين كانوا في منشآتها قبل تسمية المؤسسة بجامعة عدن، ولست ادعي ذلك تمجداً أو تنصل منه ترفعاً .

ثانياً : تعاونت مع السيد الأستاذ الدكتور محمد عبدالقادر بافقيه، في بداية ما سمي باستقلال البلد وتكوين جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، حينما ورط في تقبل وزارة التربية والتعليم في تنظيمها المحدث وكنت حينئذ قائما مقام وكيل الوزارة إرثا عن حكومة اتحاد الجنوب العربي (الفيدرالي) وكانت مخزونة في عقل ذلك الرجل الفذ الطلعة عدة أفكار تربوية طليعية لتجديد مسار المعرفة في البد منها إنشاء نواة للتعليم الجامعي ابتداء بعملية تطبيقه هي تأسيس كلية للعلوم والآداب مرتبطة بالتربية تبدأ بتخريج مدرسين لكفاية حاجتي المدرسة الإعدادية، فالمدرسة الثانوية، وتتطور فيما بعد إلى مؤسسة جامعية عامة وقد لقي تشجيعا منقطع النظير من وزير التربية والتعليم العالي العراقي أستاذ أساتذة التاريخ الدكتور عبدالعزيز الدوري أطال الله في عمره وزكى ثمار نشاطه على دعم المشروع ما إن ينشأ في افتتاح العمل به، ومن اليونسكو عن طريق صندوق التطوير الدولي .. واستعداد الحكومة القائمة لتعزيز قيام الكلية ببذل مخصص شهري لكل ملتحق بها. ومع صدق العزم وضح السبيل وتم إنشاء الكلية، وما إن تم العمل لإنشاء تلك الكلية إلا وقد أسهمت مديرا عاما للتعليم العالي من مقره في وزارة التربية .. وحتى برئاسة لجنة اختيار شعار الجامعة الذي يظهر على مطبوعتها ووثائقها الآن، لكني لم أسهم في تخليقها وشهود ميلادها وإن أكن قد عدت أزاول مهنة التدريس متعاقدا على العمل فيها.

أما سؤالي عن : كيف أرى بين الأمس واليوم ؟ فإنني لا أرى تطورا كميا وتوسعا عدديا واستمرارا تصاعديا في الدرجة الجامعية إذا أخذت تنتقل في بعض نواحيها مما يعادل البكالوريوس إلى مايعادل الماجستير وهي خطوة مباركة بما بعدها ويزداد عدد الطلاب كثيرا عما كان عليه في بداية الأمر وقد غدا للتربية كلياتها المتخصصة وللآداب والعلوم وبقية الفنون تفرعاتها،ولكن المزيد من تحسن المستويات هو الأهم والذي يبدو أنه مع كثرة العدد يتقلص إلى درجات أدنى ولاسيما بعد أن تدخل كسب المؤهل بالرسوم المالية مع قلة عدد هيئات التدريس ونزرة توافر الخدمات المكتبية وذلك ماتجب مراعاته لضمان سمعة أرقى يرجى أن تماشي ماينفقه الطلاب من مال، وبأن يشتد الحزم معهم على التحصيل ومع من يلون أمور تعليمهم على الأمانة وتوخي أفضل طرق الإجادة لإكساب الطلاب مردودا جامعيا يعتز به حقيقة ويؤدي إلى تقدم ينهض بالبلد مما هي عليه من كبوة قد لاتحمد عقباها، وإن موعدنا لصبح مبين تبيض فيه وجوه .. إن شاء الله .

> لك إسهامات مشهورة في الشعر .. وتحديدا في الغنائي منه لماذا لاتحب أن تطلق عليك صفة الشاعر ؟ ولماذا توقفت عن كتابته ؟

- أقسم بالله وكم يسقط من نظري من يبدؤون إجاباتهم على التساؤلات بقول «والله.. نعم وأقسم صادقا إنك سألت هذا السؤال وليس في ذهنك إلا بيضة الديك أغنية (بروحي وقلبي) التي يذكر الأستاذ الصديق محمد مرشد ناجي الناس بي عند إنشادها «هذا إذا ذكر المذيع مقدمها اسم صاحب الكلمات وليس شعري تحديدا في الباب الغنائي وليس مانشر منه من صنع زمانك هذا، أو كذلك ما أربأ به عن النشر في سوق أباطيل هذا الزمن البائس الرتيب لا أحب أن تطلق علي صفة الشاعر، لأنني لم أبلغ فيه أسمى مراتب ما أصبوا إليه فيه وإن أغبط العظماء فيه من أبناء بلدي الذين قضوا نحبهم كالدكتور حقيقة محمد عبده غانم والجرادة وأمير شعراء اليمن عبدالله البردوني كما أغبط كثيرين من ناشئة الشعراء الواعدين بتجاوز من يتأستدون عليهم بغرض الطغيان لهم عليهم،لأن الأجيال القادمة هي التي سوف فضلى المستويات، سواء أطال الزمن أم قصر، ولسوف ينصف كل مستحق النصفة ،ويخذل الزائفون الذي. قال لك إنني توقفت عن الكتابة، هذا هو مايتمناه إنني اكتب واكتب واكتب، وهذا هو ماسوف يرثه من يستحقونه في حينه - فيما تبقى من عمر يتقاصر أوبعده، ولكنني لن أهين ما أحرص على نبله أن اتقدم به علفا لمجد من لا أرى فيه مايستحق رضاي، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه. ولينطبق على المثل اليمني القائل من عدن : «من يدري بك يامن تغمز في الغدرة»، وهل توجد غدرة وظلام أشد ممانحن فيه من تنفذ القاصرين في التعتيم على المبدعين ليحلوا لهم وجه التكسب المشين .

> تعمل أستاذا في تدريس الإنجليزية ولك ترجمات تذكر منها مسرحية نشرت في سلسة «من المسرح العالمي» التي كانت شهرية وتحولت الآن إلى سلسة «إبداعات عالمية» الفصلية الصادرة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، ومسرحية آخرى نشرتها الدار العربية للكتاب المساهمة بين دولتي تونس وليبيا إلى جانب ترجمات أخرى منشورة في بعض المجلات .. لماذا لانرى لك كتبا أخرى في مجال الترجمة أوالمجالات الثقافية الأخرى ؟

- أولا شكرا على هذا الرصد التوثيقي الدقيق فيما تم نشره من عمل توقف إلى صدوره. ثانيا أنا أعمل كاتبا في أوقات فراغي ومدرسا أحضر ما ألقيه على طلبتي باعتزاز بخط يدي أدرسه وأجري كل ماله علاقة به من تصحيح ورصد ودرجات وفحوص منتظمه وغير ذلك، لذلك لا أجد وقتا للترويج لما أكتب بضاعة مزجاة، ومالا أستطيع عمله قد يقدر على فعله غيري يوميا ما، ولاأتعجل النتائج المادية وأضمن ريعها متكالبا على المنافسة الأدبية والكسب فيما وراء الكفاف، فثقتي بذاتي وبقيمة ما أؤدي من عمل وما أنتج من كتابة أرجوها ثمرا لا سمادا تطمئنني بأن ماينفع الناس حتى وإن ظل مطمورا لابد له من بعث ونشور، وثقتي بأجيال الغد الآتي مع صدق العزم تعزيني عما يتم من تعتيم، «والليل طويل وأنا سهيل» .. ومالايتم اليوم يبلغ تمامه غدا مع الثقة بأن «الفضة قديمية» وأن «من يهن يسهل الهوان عليه»، «ما أقلق نوم الرأس الذي يعتبر التاج»، كما يقول شكسبير ولينظر إلى التمدى الذي غبط فيه رسول كسرى نوم سيدنا عمربن الخطاب رضي الله عنه وجل السابق وخسئ اللاحقون .

> لماذا تعزف عن النشر برغم توافر الفرص الآن أكثر من السابق ؟

- أنا متفق معك بأن النشر متوافر اليوم، أما أكثر من السابق فتلك : مسألة فيها نظر، ولسنا بحاجة إلى تملق وضع سيء بالإشارة إلى وضع سيء سبقه وإن يكن السابق أقل سوء بكثير إذ طبعت دار الهمداني لكل من هب ودب ووزعت أعمالا بأزهد الأسعار، وأنظري الآن إلى ما ترزؤنا به الهيئة .. من أسعار باهضة لكتيبات دقيقة العود قليلة الصفحات قد تكون لاتدفع لكاتبيها إلا القليل وتمن عليهم بأنها تنشر إنتاجهم تشجيعا لهم وإشهارا لما يبدعون، فإذا نظرنا بعيون فاحصة إلى النشر حاليا .. سواء مايطبع منه في اليمن أويجهز في الخارج لمكاتب ومؤسسات في البلد، لوجدنا أن المبالغة في الأسعار هي سحق لأكتاف الجمهور القارئ من جهة أوحرمانه من ترف القراءة وكل ذلك دليل على معاداة نشر المعرفة بتسليط التجارة سوط عذاب على أرزاق القارئين ولقد كان من خيرة من يتهاودون في أسعار مايبدعون ذلك الغني النفس الباذل النفيس المرحوم عبدالله البردوني أما اليوم فأصحاب دكاكين الكتب لايكتبون أرقاما لأسعار مايروجون من كتب وقريبا يسعرونها بالدولار حسب مايمليه البنك الدولي الـ.. هذا حديث الشيء بالشيء يذكر.. أما اتهامي بالعزوف عن النشر أوعدم الاقتراب من الناشرين فإنني صاحب اعتزاز بما أنتج وأربابه أن يعرض سلعة في سوق النخاسة القائمة، ولابد لمن رام نشره أن يطلبه، كما هو كاملا معبرا عني، وليس خدمة لغيري، ومستشاروهم وأدلتهم على التجارة الحسنة حريون بإرشادهم إلى سواء السبيل، هذا إذا كانت المنافسة الواطئة لاتحتم عليهم تجنبهم من لايروق لهم رؤية إنتاجهم المتميز يظهر معاصرا لما ينتجون هم، ولعنة الله على المعاصرة ما أشد جورها بين الأفراد المتزامنين وكم يصدق المثل اليمني الشهير «ماخبازة تحب خبازة»، ولكن المعاصر المترفع عن الدناءة المتبادلة مزامنة يظل متمثلا بنص البيت النبيل :

إزرع جميلا ولوفي غير موضعه

فلن يضيع جميل حيثما زرعا

ولكن كم يخيب الظن بتلك الغانية القلب الشيء «أريها السها وتريني القمر»، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه»، ومن لم يتخذ عكاز المعز يقوي به مساره بالأمس، ورآه ينهار إلى بئس القرار لن يتخذ من «قرطة» المذل اليوم وسيلة قربى إلى البوار، الآئل وشيكا إلى سوء العثار والانهيار .

> تعد واحدا ممن ارتبطوا بالصحافة في خمسينات القرن الماضي هل لك أن تعطينا صورة عن صحافة زمان ؟

- أن ارتباطي بالصحافة في خمسينات القرن الماضي ظل مستمرا فيما بعد في عدن وفي الكويت وفي تونس - المنفى الحبيب- في أيام «مملكة الغربان»، حينما تحتم السكوت إلا فيما ندر فحتم فيما نحن فيه من تعتيم على من لايرقص على حباله الصوتية المعز، والترويج لمن لايقصر في الملف ولوسبق وكان ممن سبحوا باسم «السلف الطالح» حتى انهيارهم، ثم داروا مع الزجاجة للملق في أيام الخلف (الصالح) ساخرين علنا بمتعهدي نعمتهم الأقدمين وهم بلا شك على الود القديم ميقيمون آملون أن تتبدل الحال إلى غيرها كي يقلبوا الإسطوانة المشروخة وإعلان ردة الارتزاق ..وتلك فئة من أشباه البشر ساء بختا من بهم تأزر عليهم تعجر .

أما حديث الصحافة قديما، فقد كان ذا شجون كانت الصحف ملكا لأصحابها والمسهمون في الكتابة فيها ماكانوا يتقاضون أجورا على مايكتبون وكان مالاينفق على الصحيفة هو تكاليف إصدارها في مطبعة صاحبها أوغيره ،وكانت حرية القول مكفولة بتجانس الكاتبين، ويتعاكسون ويقيلون في مبرز واحد وقد يواصلون فيه النقاش ويتحزب بعض من في المبرز لهذا أو لذاك، ولكن اختلاف الرأي ماكان يفسد للود قضية. وامتازت الطباعة بالتدقيق الشديد والحرص على توخي الأسلوب الكتابي السليم، ولايوجه عمل للمطبعة
إلا بعد المراجعة اللغوية والتبييض ثم مداومة التصحيح مرة وثانية وثالثة حتى يضمن للنص منتهى الصواب، وما كانت منشورة تشد عن هذه الطريقة القومية .

لقد كان معظم الكتاب هواة متأدبين يتبادلون مايقرؤون ويتناقشون فيما يكتيبون قبل النشر وبعده، إن البدء في أسبوعية «فتاة الجزيرة»، وبعدها في مجلة «الأفكار» الشهرية، ثم في إصدار «المستقبل» الشهرية، وإصدار «النهضة» الأسبوعية .. اتسم هذا النشر بالجدية المفرطة وآتى كتابه حسنة تقلد خير ماكان يصدر من صحافة مصر وغيرها، وكان الجيل قارئا استفاد من نعم ماكانت تزخر به مكتبة المعهد البريطاني ومن فروعه - غرفة القراءة- في التواهي والمعلا والشيخ عثمان وعدن - إضافة إلى مكتبة المجلس البريطاني، التي كانت توفر صحف كل البلاد العربية ومجلاتها.

اكتسب الناس حينئد ملكة القراءة ثم استثمروها دراسة ونقاشا وإبداعا والغريب أن معظم الذين كانوا يكتبون في هذه المجلات كانو يتعاطون القراءة باللغتين العربية والإنجليزية، ويزاولون الترجمة توقا وإبداعا، وأكثر تلك المجالات ماكانت تخلو من بعض أعمال الترجمة الجديدة .

ثم توالى صدور الصحف السياسية بعد «صوت اليمن» 1946م التي أصدرها المرحومان أحمد محمد نعمان ومحمد محمود الزبيري، عن الجمعية اليمانية الكبرى، وأميز تلك الأسبوعية هنا ،لأنها كانت بداية للوعي السياسي اليمني، ثم تلتها أو سايرت عهدها صحف ذوات طابع سياسي مثل الفضول وأخبار الجنوب والجنوب العربي وغير، ذلك وظلت محافظة على مستوى معتبر من الرصانة لغة وذوقا صحافيا، وتلتها «البعث» و«الفجر»و«الفكر» و«القلم العدني» وأسفرت السياسة في مابعدها من صحف عن وجهها النفعي ودخل الاستكتاب المرتزق من أوسع أبوابه فكان مجال النشر متاحا لكل من يتماشى ومبادئ صاحب الصحيفة سلبا وإيجابا حينئد اختلط الحابل بالنابل وصار كثيرون يكتب لهم بأقلام يملكونها ،ويكتب لهم بها غيرهم يدفعون لقاء مايكتب لهم أجرا ويتبنونه قرابة ذات ميراث، هذا وإن لم تخلو الساحة من أهل صحف كانوا قديرين على الكتابة إضافة إلى استكتاب غيرهم معهم، لكن المستوى تدنى لغة وأسلوبا، وتمادى في نفعية السوق الرائجة ،لاسيما في تلك الصحيفة الحكومية الأسبوعية «صوت الجنوب» التي صدرت عن وزارة داخلية الاتحاد الفدرالي التي أتاحت مجالا للملق والتكسب بالشعر والنثر والرسوم لبعض سلاطين الاتحاد، وسؤال صدقاتهم والتزلف الذليل استدرارا لمعوناتهم، ولقد ساد الصحافة طابع متدن من الإنتاج ولاسيما في المظان اللاهتة والاسترضاء أوضاع ماقبل الاستقلال مباشرة ثم ولى زمن المشائخ والسلاطين والمستوزرين، وتلاه عهد حكام من أبناء خدم أولئك المشائخ والسلاطين وطباخي الضباط الإنجليز ومن غيرهم ممن هم دونهم من شذاذ الآفاق الآخرين، وعم وجع الرأس فعز مجي العافية، لكن «كنديد» فولتير ظل متفائلا حتى بعد قطع أبناء فارس لساقه، ونهب أمواله وهو في طريقه إلى محبوبته في أحد المطابخ في قصر أحد سلاطين تركيا ..

ولعل وعسى فلنقل مع المرحوم ميخائيل نعيمة

غير أني وإن كرهت التمني

أتمنى لوكنت لا أتمنى ..

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى