> «الأيام» د. عبده يحيى الدباني:

كعادتها في نشر المقالات الثقافية التي تقع في الصميم، نشرت جريدة «آفاق حضرموت الثقافية» مقالة طويلة للكاتب فخري صالح بعنوان «المثقف المدني العربي»، تدور حول أزمة المثقف العربي في العصر الراهن، وسنحاول هنا تكثيف أفكار المقالة من ناحية، وإثراءها ومحاورتها إيجابياً من ناحية أخرى.

يدعو الكاتب في البدء المثقف العربي إلى أن يعيد النظر في دوره التاريخي ورسالته الخالدة بعد الانحراف الذي طرأ على هذا الدور وهذه الرسالة في الوقت الحاضر، بعد أن وقع المثقف إما في حبال اليأس وإما في مستنقع السلطة العربية الفاسدة، وبعد أن شرع في تقديم التنازلات واحداً واحداً حتى الوصول إلى مرحلة خطيرة تهدد رسالة المثقف بالاضمحلال والسقوط فيصبح هو وبالاً على مجتمعه وأمته، فهو إما أن يضر وإما أن ينفع، فليس ثمة حيادية في عمل المثقف، حتى لقد قيل «إن شر الناس هم العلماء إذا فسدوا»، وليس المثقفون إلا منهم. لقد نجح أعداء الأمة إلى حد بعيد أن يغتالوا روح المثقف وهذا هو الأمر الخطير، ولم تكن السلطات العربية المستبدة في منأى عن هذا الاغتيال المنظم، فلا ضير في نظر الأعداء أن يبقى المثقف حياً بعد قتل روحه المتحدية المؤمنة الثائرة، وتركه ينزف دموعاً وحزناً ويأساً وإحباطاً، فماذا يُنتظر من مثقف بهذه الروح الممزقة سوى التثبيط للروح التحررية الناهضة في نفوس الجماهير.

لاشك في أن الأحداث الكبيرة التي عصفت بالمنطقة العربية في العصر الحديث من النكبة إلى النكسة إلى الكارثة (احتلال العراق) قد أدخلت الجميع في نفق مظلم بما في ذلك المثقفون الذين كان عليهم أن يشعلوا الضوء في النفق نفسه لا أن يستسلموا للظلام أو يجملوه ويبرروه ويتماهوا معه على حساب رسالتهم وشمسهم التي لاينبغي أن تغيب. ثم يتساءل الكاتب: هل المثقف مسئول عما جرى من انهيار مريع؟ وهل كان مشاركاً فيه؟ لقد حاول الكاتب أن يبرئ ساحة المثقف مما جرى لأنه لم يكن مشاركاً في القرار ولم تسمح له الأنظمة العربية القائمة بممارسة دوره كما لم تسمع لصوته ولا حتى لصراخه ونحيبه، ووضعت أصابعها في آذانها حتى لا تسمع أجراس الخطر التي يقرعها المثقف بقوة، لأن مرجعيتها هي تقارير الاستخبارات العقيمة الضيقة المفرطة بالجهل والأنانية والنفاق.. ومع هذا كله فلا نستطيع أن نبرئ المثقف مما جاء من انتكاسات وتصدعات كل التبرئة، لاسيما أن المثقفين لم يكن موقفهم واحداً أو متشابهاً مما حدث، فقد كان الاختلاف وارداً إلى حد التناقض، فصمد من صمد وسقط من سقط وأحبط من أحبط وتنازل من تنازل وانتحر من انتحر إلى غير ذلك، لاسيما مع ضعف الوازع الديني الإيماني، وتواري الثقافة الإسلامية أمام الثقافات الأخرى في العصر الحديث في البلاد العربية. لقد تجلت أزمة المثقف العربي فيما تجلت في سعيه كثيراً أن يكون جزءاً من السلطة- على فسادها- وكان عليه أن يظل ناقداً إياها من خارجها وألا يتلبس بها ويتماهى معها لأنها لا تطبق مشروعه، وحتى إذا كانت السلطة إيجابية ومقبولة فعلى المثقف أن يلزم موقفه الناقد المحايد لأنها بوجه عام فاسدة مفسدة (أي السلطة).