> «الأيام» صالح عقيل بن سالم:
لقد وجدت في ديوان (أبهج الليل) للشاعر المرحوم علي بن جابر ملامح فنية لافتة للنظر، أعطت الديوان خصوصية في التجربة، ومكانة مرموقة بين دواوين الشعر العامي.. فإذا نظرنا إلى اللغة التي وظفها الشاعر وجدناها إما فصيحة قل استخدامها في هذا العصر، وإما عامية عذبة تطغى عليها نكهة الريف ورائحته.
قال الجابري:
أبهج الليل وأبصر صاحبي لا مسيره
وأبصر الناس ذي عنده وذي هم حواليه
عاد شي لي مودة شي من الله بصيرة
ون قده عاب محبوبي عسى الله يعافيه
كنت حبه وشل الصيرة والكبيرة
ياحقيب الربا يالجابري ذي تربيه
أول ما نلحظ التركيب الفعلي (أبهج الليل) في أول قصيدة مختارة في الديوان، وفي أول أبيات القصيدة وفي بداية البيت، فعلى ما يحمله التركيب من التفاتة، فقد جاء بالفصحى، ومحملا بدلالات عديدة: منها (التناص). قال الشنفرى:
فقد حمت الحاجات والليل مقمر
وشدت لطيات مطايا وأرحل
فتوجد علاقة حضور بيت النصين (أبهج الليل)، و(الليل مقمر)، غير أن الموقف الذي استدعى الشنفرى غير الموقف الذي استدعى الجابري، ومن الدلالات: التماس الأمل، وكأنه كان في ظلام، فإذا بالليل يشرف ويستنير، ومنها: وضوح الرؤية وانقشاع القتامة التي كانت تحيط الشاعر.. فكل هذه الدلالات تدل على هذا التوظيف المحكم الذي ابتدأه الشاعر، وجاء عفويا متسقا مع مفردات وتراكيب البيت والقصيدة، بعيدا عن التكلف والتقرير، كما جاءت معظم مفرداته وتراكيبه عامية عذبة مقروءة، منها: (الصَّيِّرة) ويقصد بها الصغيرة، إذ حذف الغين وعوض عنها بتضعيف الياء، وهذه لهجة مشهورة في منطقة (يرامس) وبعض مناطق محافظة أبين.
ويقول الجابري:
بنّي في نصيف الليل يا أزهار الربيع
مادام ابن جابر علي وألف على الطاعة
مفردة (بني) يقصد بها الشاعر فوحي، ويبدو لي أن هذه المفردة العامية أعطت البيت صبغة وروعة فنية، قد لاتعطيها مفردة فصحى في هذا السياق، والتناسق التركيبي لمفردات البيت. كما يأتي هذا التناسق متفقا مع ما ذكرناه سالفا (أبهج الليل)، وهنا (بني في نصيف الليل)، فالشاعر يجد في الليل راحة وتسلية وحياة حلوة، يحرص أن يرسمها بهذه الصور المعبرة.
وقال أيضا:
عاد الحب باقي والربوعة في الوصر
وشارح الأوصار جالس من عوز بندية
المفردات(الحب، الربوعة، الوصر، الشارح) توحي بأن الشاعر فلاح، له ارتباط كبير بالحرث والزراعة، كما تتضافر هذه المفردات لتدل على استتباب الأمور، وعدم تغير الأحوال والعهود.
وإذا انتقلنا إلى الصور التي وظفها الشاعر الجابري، وجدناها في غاية الروعة والمتعة، ومعظمها مستقاة من التراث العربي القديم.
قال الجابري:
طيري السعد عابر يالعيون اتفكري
ياريت طير السعد يلقيني على أجناحه
فهذه الصورة مستقاة من الشعر العربي القديم:
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير
فالشاعر أمي، وربما غير مطلع على ما قاله الشاعر القديم، غير أن البيئة التي عاش فيها الشاعر القديم، والبيئة التي عاش فيها شاعرنا متشابهتان، تحيطهما الطير والشجر والجبال.. لذلك جاءت صورته مطابقة لصورة الشاعر القديم.
وقال الجابري:
من مد لي بامد له ومن تكبر
عاد في كتافي ريش وجناح
هذه الصورة قريبة أو مشابهة لصورة الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالشهامة والكبرياء من صفات العربي منذ القدم إلى اليوم، لذلك أحاط الشاعر بصورة الشاعر القديم لاجتماع الشيم والقيم التي لم يتنازل عنها العربي على مر العصور.
وقال:
سرى بالله يالمهر المحجل
في الميدان ذي يردف صهيله
تنشح في المدارة واحبيبي
عسى خلّال ليامك طويلة
هذه الصورة عجيبة مستقاة من البيئة التي يعيش فيها الشاعر، إذ جعل من المرأة التي تلبس الخلاخل (الحجول) في ساقيها، فتثير أصواتا موسيقية أثناء اللعب وضرب الطبول، فرسا مقيدة تمشي على مهل.. واللافت في هذه الصورة أنها شبهت المرأة بالفرس، والشاعر القديم كانت أكثر تشبيهاته للمرأة بالظبي.. غير أن هذه المفارقة- كما يبدو- تقدم لشاعرنا إضافة في تجربة الشعر العربي القديم، وتضعه بين أبرز الشعراء العاميين في العصر الحديث.
وإذا نظرنا إلى الموسيقى في تجربة الشاعر علي بن جابر رأينا كثرة بروز بعض الظواهر الموسيقية في الديوان، منها كثرة توظيف صوت الراء قافية لقصائده، كقوله:
عندما موت جيبوا ثوب خلي
لا تسووا لي كما لموات كاره
احملوني وحطوني رويدا
واطرحوا صورتي في كل داره
فالمحب- دوما- لايبقي قلبه على وتيرة واحدة، وقد جاء صوت الراء ليؤكد حالة ارتجاف الشاعر، وعدم استقراره على حال واحدة، فالراء صوت لثوي متوسط مجهور تكراري منفتح.
وقال:
بكاني زماني يوم خيّل صورتي
صورة شبابي يومني في شبتي فشار
طين الناس ما باها وحتى جربتي
قلبي قنع لا عاد با جربه ولا با أعبار
نلمح إلى جانب استخدام الشاعر الراء قافية، يوظف صوت ياء المتكلم في هذه القصائد (خلي، احملوني، حطوني، صورتي، بكاني..) فربما يحاول الشاعر إيجاد نوع من التماسك لحالته المضطربة المتضعضعة، فياء المتكلم تخلق في الأبيات حركة توازن وتهدئة وتملّك، والإكثار منها يوحي ببلوغ الشاعر أعلى مراتب الحب والعشق، فكانت عضوا مساعدا لامتلاك الحبيب بعد حالة انفلات وتضعضع أحدثها صوت الراء.
إلى جانب هذه الظواهر نلحظ جوانب أخرى، منها: حسن التقـسيم الأفـقي الرباعي:
منك ذي يسليني ومنك كربتي
ومنك الطيب يجي ومنك البطال
فحسن التقسيم أحدث رنينا موسيقيا يوحي بأسر الشاعر من قبل الحبيب.
وبذلك يظل الشعر العامي عنصرا فاعلا في تصوير الحياة، ونقل تجاربها والتعبير عنها في مختلف المراحل والظروف.
فكما سلفت الإشارة في ديوان (أبهج الليل) وجدنا لغة خاصة وصورا متفردة دالة، وحسا موسيقيا دقيقا، وكل ذلك تضافر في نقل معاناة الشاعر وتجاربه، وعبر عنها في صفاء ونقاء بعيدا عن التكلف أحسن تعبير.
قال الجابري:
أبهج الليل وأبصر صاحبي لا مسيره
وأبصر الناس ذي عنده وذي هم حواليه
عاد شي لي مودة شي من الله بصيرة
ون قده عاب محبوبي عسى الله يعافيه
كنت حبه وشل الصيرة والكبيرة
ياحقيب الربا يالجابري ذي تربيه
أول ما نلحظ التركيب الفعلي (أبهج الليل) في أول قصيدة مختارة في الديوان، وفي أول أبيات القصيدة وفي بداية البيت، فعلى ما يحمله التركيب من التفاتة، فقد جاء بالفصحى، ومحملا بدلالات عديدة: منها (التناص). قال الشنفرى:
فقد حمت الحاجات والليل مقمر
وشدت لطيات مطايا وأرحل
فتوجد علاقة حضور بيت النصين (أبهج الليل)، و(الليل مقمر)، غير أن الموقف الذي استدعى الشنفرى غير الموقف الذي استدعى الجابري، ومن الدلالات: التماس الأمل، وكأنه كان في ظلام، فإذا بالليل يشرف ويستنير، ومنها: وضوح الرؤية وانقشاع القتامة التي كانت تحيط الشاعر.. فكل هذه الدلالات تدل على هذا التوظيف المحكم الذي ابتدأه الشاعر، وجاء عفويا متسقا مع مفردات وتراكيب البيت والقصيدة، بعيدا عن التكلف والتقرير، كما جاءت معظم مفرداته وتراكيبه عامية عذبة مقروءة، منها: (الصَّيِّرة) ويقصد بها الصغيرة، إذ حذف الغين وعوض عنها بتضعيف الياء، وهذه لهجة مشهورة في منطقة (يرامس) وبعض مناطق محافظة أبين.
ويقول الجابري:
بنّي في نصيف الليل يا أزهار الربيع
مادام ابن جابر علي وألف على الطاعة
مفردة (بني) يقصد بها الشاعر فوحي، ويبدو لي أن هذه المفردة العامية أعطت البيت صبغة وروعة فنية، قد لاتعطيها مفردة فصحى في هذا السياق، والتناسق التركيبي لمفردات البيت. كما يأتي هذا التناسق متفقا مع ما ذكرناه سالفا (أبهج الليل)، وهنا (بني في نصيف الليل)، فالشاعر يجد في الليل راحة وتسلية وحياة حلوة، يحرص أن يرسمها بهذه الصور المعبرة.
وقال أيضا:
عاد الحب باقي والربوعة في الوصر
وشارح الأوصار جالس من عوز بندية
المفردات(الحب، الربوعة، الوصر، الشارح) توحي بأن الشاعر فلاح، له ارتباط كبير بالحرث والزراعة، كما تتضافر هذه المفردات لتدل على استتباب الأمور، وعدم تغير الأحوال والعهود.
وإذا انتقلنا إلى الصور التي وظفها الشاعر الجابري، وجدناها في غاية الروعة والمتعة، ومعظمها مستقاة من التراث العربي القديم.
قال الجابري:
طيري السعد عابر يالعيون اتفكري
ياريت طير السعد يلقيني على أجناحه
فهذه الصورة مستقاة من الشعر العربي القديم:
أسرب القطا هل من يعير جناحه
لعلي إلى من قد هويت أطير
فالشاعر أمي، وربما غير مطلع على ما قاله الشاعر القديم، غير أن البيئة التي عاش فيها الشاعر القديم، والبيئة التي عاش فيها شاعرنا متشابهتان، تحيطهما الطير والشجر والجبال.. لذلك جاءت صورته مطابقة لصورة الشاعر القديم.
وقال الجابري:
من مد لي بامد له ومن تكبر
عاد في كتافي ريش وجناح
هذه الصورة قريبة أو مشابهة لصورة الشاعر الجاهلي:
ألا لا يجهلن أحد علينا
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
فالشهامة والكبرياء من صفات العربي منذ القدم إلى اليوم، لذلك أحاط الشاعر بصورة الشاعر القديم لاجتماع الشيم والقيم التي لم يتنازل عنها العربي على مر العصور.
وقال:
سرى بالله يالمهر المحجل
في الميدان ذي يردف صهيله
تنشح في المدارة واحبيبي
عسى خلّال ليامك طويلة
هذه الصورة عجيبة مستقاة من البيئة التي يعيش فيها الشاعر، إذ جعل من المرأة التي تلبس الخلاخل (الحجول) في ساقيها، فتثير أصواتا موسيقية أثناء اللعب وضرب الطبول، فرسا مقيدة تمشي على مهل.. واللافت في هذه الصورة أنها شبهت المرأة بالفرس، والشاعر القديم كانت أكثر تشبيهاته للمرأة بالظبي.. غير أن هذه المفارقة- كما يبدو- تقدم لشاعرنا إضافة في تجربة الشعر العربي القديم، وتضعه بين أبرز الشعراء العاميين في العصر الحديث.
وإذا نظرنا إلى الموسيقى في تجربة الشاعر علي بن جابر رأينا كثرة بروز بعض الظواهر الموسيقية في الديوان، منها كثرة توظيف صوت الراء قافية لقصائده، كقوله:
عندما موت جيبوا ثوب خلي
لا تسووا لي كما لموات كاره
احملوني وحطوني رويدا
واطرحوا صورتي في كل داره
فالمحب- دوما- لايبقي قلبه على وتيرة واحدة، وقد جاء صوت الراء ليؤكد حالة ارتجاف الشاعر، وعدم استقراره على حال واحدة، فالراء صوت لثوي متوسط مجهور تكراري منفتح.
وقال:
بكاني زماني يوم خيّل صورتي
صورة شبابي يومني في شبتي فشار
طين الناس ما باها وحتى جربتي
قلبي قنع لا عاد با جربه ولا با أعبار
نلمح إلى جانب استخدام الشاعر الراء قافية، يوظف صوت ياء المتكلم في هذه القصائد (خلي، احملوني، حطوني، صورتي، بكاني..) فربما يحاول الشاعر إيجاد نوع من التماسك لحالته المضطربة المتضعضعة، فياء المتكلم تخلق في الأبيات حركة توازن وتهدئة وتملّك، والإكثار منها يوحي ببلوغ الشاعر أعلى مراتب الحب والعشق، فكانت عضوا مساعدا لامتلاك الحبيب بعد حالة انفلات وتضعضع أحدثها صوت الراء.
إلى جانب هذه الظواهر نلحظ جوانب أخرى، منها: حسن التقـسيم الأفـقي الرباعي:
منك ذي يسليني ومنك كربتي
ومنك الطيب يجي ومنك البطال
فحسن التقسيم أحدث رنينا موسيقيا يوحي بأسر الشاعر من قبل الحبيب.
وبذلك يظل الشعر العامي عنصرا فاعلا في تصوير الحياة، ونقل تجاربها والتعبير عنها في مختلف المراحل والظروف.
فكما سلفت الإشارة في ديوان (أبهج الليل) وجدنا لغة خاصة وصورا متفردة دالة، وحسا موسيقيا دقيقا، وكل ذلك تضافر في نقل معاناة الشاعر وتجاربه، وعبر عنها في صفاء ونقاء بعيدا عن التكلف أحسن تعبير.