التربوي القدير علي حورة من رواد التعليم بحضرموت يتحدث لـ «الأيام»:تنقلت للتفتيش على المدارس في دوعن وعرماء والصحراء مشيا على الأقدام وعلى الحمير أو على ظهر اللوريات

> «الأيام» علوي بن سميط:

>
صورة جماعية بشبام عام 1964م ويظهر فيها مدير المدرسة الابتدائية السيد عبدالله بن مصطفى بن سميط وإلى يساره نائب لواء شبام النائب باصالح وخلفه أ.علي حورة وعدد من مدرسي شبام
صورة جماعية بشبام عام 1964م ويظهر فيها مدير المدرسة الابتدائية السيد عبدالله بن مصطفى بن سميط وإلى يساره نائب لواء شبام النائب باصالح وخلفه أ.علي حورة وعدد من مدرسي شبام
في منزله المتواضع بمدينة المكلا التقيت بالأستاذ القدير علي محفوظ باحشوان المعروف بمناطق حضرموت بلقبه الشهير (علي حورة).. ذهبت إليه في محاولة مني لنبش أبرز ذكرياته عن فترة التعليم بحضرموت، وهو الرجل الرائد في هذا المجال منذ تخرجه في أربعينات القرن الماضي.. «الأيام» أول صحيفة تلتقي هذا الرمز وإن تناساه البعض فإن شبام والقطن ودهر وحورة ومدن دوعن وسيئون وثمود لم ولن تنساه، فاسمه علي حورة يذكر عندما يتحدث الكبار من رجالات التربية والتعليم عن تعليم زمان وتعليم اليوم.. في السطور الآتية يسطر باحشوان (حورة) شيئا من نهضة المعارف قبل نصف قرن أو أكثر.

> أستاذ علي متى بدأتم الالتحاق بمجال التربية والتعليم تحديدا؟ وبدايات دراستكم؟

- بداية أرحب بكم.. درست الابتدائية وجزءاً من الوسطى في المكلا، ثم التحقت بالدراسة العليا ست سنوات في معهد التربية والتعليم بالسودان (بخث الرضا) من يناير 1943م إلى ديسمبر 1948م، بعدها عدت إلى حضرموت حينذاك السلطنة القعيطية.. وعملت فعليا في المجال التعليمي من 1 يناير 1949م مدرسا بمدرسة المعلمين بغيل باوزير تدريس تربية وتعليم وطرق تدريس من 1949م حتى 1951م لمدة سنتين، وتخرجت على أيدينا أول دفعة عشرة من خيرة المدرسين الذين أصبحوا مشهورين، وتبوأوا أيضا مهام تربوية وعلمية، فهم كما أتذكر الأستاذ سالم عبداللاه الحبشي وبن جوهر.

> هل تتذكرون طلبة من داخل حضرموت خلال العامين اللذين درستم فيهما؟

- في تلك الفترة لم يكن في مدرسة المعلمين طالب من الداخل، الذين درسناهم خلال هذه المدة من المكلا والشحر والغيل والديس معظمهم من الساحل، ثم عملت معلما بعدها لمدة ثلاث سنوات في مدرسة بنات البادية والمدرسة الوسطى بالمكلا، وعملت مساعدا لناظر المعارف بسيئون، وكذا معلما بالسلطنة الكثيرية عام 1955-54م.

> ارتبط اسمكم الكريم كمشرف للتفتيش الفني والإداري لناظر المعارف بالسلطنة القعيطية مسئولا عن مناطق الداخل، حدثنا عن هذه النقلة في مسار حياتكم التربوية؟ وكيف كانت الأوضاع، وهل واجهتم صعوبات.. صف لنا تلك الفترة؟

- عُينت في 1957م في شهر يوليو تحديدا مفتشا لمدارس الداخل في ثلاثة ألوية بالسلطنة القعيطية لواء شبام، لواء دوعن، لواء حورة، واتخذت من عاصمة لواء شبام المدينة المعروفة تاريخيا شبام المركز الرئيس للمكتب، وبداية عملت في مكتب بداخل مدرسة شبام الحكومية، هو مكتب مدير المدرسة عزيزنا وشيخنا الفاضل السيد عبدلله بن مصطفى بن سميط لمدة عامين في مكتب مشترك نع مدير المدرسة والدكم - رحمة الله عليه - بعدها أنشئ مبنى خاص للمكتب الذي يقوم بالإشراف على الأولوية الثلاثة، المبنى هو مكاتب وسكن وحتى اليوم يعرف باسمنا. (المبنى التابع لإدارة المعارف بني في عهد الأستاذ علي محفوظ باحشوان الشهير والمعروف بعلي حورة ويطلق عليه حتى قبل شهرين دار علي حورة.. تم تهديمه خلال شهر مارس 2008، مع مبان مجاورة لبناء مجمع حكومي بداخل المدينة القديمة - المحرر).. ويواصل الأستاذ علي حورة قائلا: «عملت وتوليت كل المهام المالية والفنية والإدارية.. وتوسع العمل وزادت المسئوليات، فتمَّ تعيين الزميل صالح عثمان بربيعة - رحمة الله عليه - مساعدا لي بمكتب الإشراف والتفتيش، وكان نعم المساعد المخلص الأمين.. عندما افتتحت المكتب وبوصولي للداخل كان ما تسمى بالعلمة أو المعلامة والتعليم الأهلي غير المنهاجي يشغلان مساحة كبيرة في الكثير من القرى، كما أن الداعين والمروجين لاستمرارها وبقاء التعليم بنمط متخلف كثر مما أدى إلى العزوف بعض الشيء عن مدارس الحكومة، وينادي هؤلاء بمحاربة التعليم الحديث برفع شعار أن منهج مدارس الحكومة لايعطي للعلوم الدينية والقرآن الكريم أهمية، ويرفعون هذه الحجة في المساجد والجلسات الجانبية وينشرون هذه الدعايات والمبررات المصطنعة بين السذج من الناس، وهنا صادفتنا كثير من الصعاب لزيادة الإقبال أو عند فتح مدارس جديدة، وفعلت الكثير مع هؤلاء في كل الألوية الثلاثة، وتعرضت للمخاطر جراء إيصال الفكرة وإقناع الأهالي، بل أتذكر تماما أننا تجاوزنا ذلك، واقتنع الناس ليزداد عدد المقبولين، وكانت جهود علمائنا ومشايخنا، وهم مدرسون في المدارس الحكومية، سندا لنا لما لهم أيضا من وجاهات اجتماعية وعلمية استطاعوا أن يساعدوني في توسع التعليم الحكومي وتطوره كما وكيفا، وأذكر من هؤلاء العلماء الذين يدرسون مادة الدين بالمدارس الحكومية بفروعها الأربعة الفقه والقرآن والسيرة والتهذيب هم العلماء الأفاضل السيد عبدالله بن مصطفى بن سميط في شبام والشيخ أحمد بافضل بالقطن والشيخ عثمان أبوبكر العمودي في صبيخ دوعن والشيخ محمد أحمد باوزير برباط باعشن، كانوا علماء وساعدوا على انتشار التعليم الحديث الحكومي رحمة الله عليهم جميعا.

> كيف كان وضع المدارس الحكومية عندما افتتح مكتب إشراف المعارف؟

- حقيقة كانت مدارس قليلة جدا بالحكومة، بل معظمها هزيلة المبنى بالضبط في 1957، كانت تسع مدارس في هذه الألوية في لواء شبام المدارس التالية: مدرسة شبام الابتدائية وبها 4 صفوف ومديرها والدكم، وظل كذلك منذ أن جئت وحتى انتقل عملي، وكذا مدرسة أخرى في السويري شرق حضرموت بالقرب من تريم تابعة للواء شبام بها فصلان ومدرسة القطن 4 فصول وفي لواء حورة مدرسة حورة 4 فصول، مدرسة قعوضة 4 فصول ولواء دوعن مدرسة رباط باعشن 4 فصول وصبيخ 4 فصول وعمد 5 فصول وفي الهجرين مدرسة أهلية بها صفان.. المهم استمر عملنا وكانت الإستراتيجية زيادة رقعة التعليم الحديث وبناء المزيد من الصفوف وتحويل عدد من المدارس الأهلية إلى حكومية حديثة، فعملت بتوضيح المهام في جلسات مع الأعيان والشخصيات والجهات الرسمية، وخططت لذلك ولقيت تجاوبا واستطعنا افتتاح أكثر من ثلاثين مدرسة ابتدائية ووسطى (إعدادية) ومدارس بنات في مختلف مناطق الداخل.

> هل تم هذا التوسع ببناء وافتتاح أكثر من 30 مدرسة خلال توليكم مسئولية المعارف؟

- الحمد لله نعم خلال عملي بالداخل من 1966-57م حصلت هذه النقلة النوعية، والإقبال على افتتاح المدارس.

> هل بالإمكان تذكر هذه المدارس؟ وكم هي مدارس البنات بالذات؟

- افتتحنا مدرسة للبنات في شبام، وبدأنا بها في منزل بسحيل شبام بيت آل باسويدان، وفي القطن كانت مدرسة أهلية للبنات حولناها حكومية أي مدارس بالمنهج الحديث، المدارس التي افتتحت من 66-57م، خلال تحملنا المكتب في لواء شبام: وسطى شبام، وسطى القطن، مدرسة سناء الابتدائية (بعيدة في شرق حضرموت باتجاه وادي المسيلة)، مدرسة السوم، قسم، مدرسة القرية، ثبي، مدرسة خشامر، منوب، خذية.. وفي لواء حورة حجر الصيعر الابتدائية، هينن، مدرسة الخشعة، مدرسة عندل، مدرسة الخر بوادي دهر.. وبلداء دوعن مدارس المناطق التالية: الخريبة، بضة، القويرة، قيدون، صيف، حوفة، غورب، سهوة، صنا، نفحون، حريضة، وقرى آل باوزير، وعرماء، وغيرها من المدارس.

> هذه المناطق التي تقع تحت إشرافكم أي الألوية الثلاثة بعيدة جدا عن المركز الرئيس لمكتبكم بشبام، فهي مدارس في الصحراء حدودية وبعضها تصل المسافة لبلوغها أكثر من 400-300كم كيف تتفقدونها خاصة أن وسائل الاتصالات حينذاك كانت معدومة مع صعوية ووعورة الطريق إنها مهمة شاقة غير محتملة؟

- صحيح صعوبة كبيرة، ولكننا أدينا مهمتنا إذ كنا نقوم بزيارة المدارس وتفتيشها فنيا وإداريا بمعدل ثلاث زيارات رسمية لابد منها سنويا.. أما كيف أصل إليها فباستخدام كل الوسائل آنذاك سيارات اللوري الكبيرة التي تتنقل أركب فيها أو وسيلة النقل بركوب الحمير أو مشيا على الأقدام المهم نصل إلى المدرسة في المناطق النائية، وفقا لظروف المنطقة ناهيك عن بعد مدارس بعض المناطق عن خط السيارات، ومعلوم أن الحكومة حينذاك كانت تعطي علاوة حمار وعلاوة جمل والعلاوة الأخيرة خاصة بالنائب أي نواب الألوية الحكام باعتبار هاتين الوسيلتين مهمتين للنقل وأداء الوظيفة الرسمية على الواقع، استخدمت كل وسائل النقل البدائية ولمدة ثلاث سنوات في الوادي والصحراء، وفي أوائل الستينات تحديدا 1960م توفرت لنا سيارة (بيك أب بدفورد) قديمة أرسلت لنا من المكلا، ساعدت كثيرا في الوصول إلى الأماكن النائية وتفقد مدارسها باستمرار كوادي دهر وحجر الصيعر وسناء ووادي دوعن.. وأود هنا ذكر تعاون عدد من المواطنين في القرى بتقديم بيوتهم ومساكنهم الشخصية لتفتح مدارس حكومية بها، مع توفير الماء والنور والغذاء للمدرسين المنقولين إلى هذه المناطق.

> ماذا عن تأهيل المعلمين في دورات تربوية؟

- كل سنة تقام دورات تأهيلية للمدرسين تعطى لهم معارف في علوم التعليم، وتتضمن الدورات طرق التدريس وأساليب التربية وعلم النفس.

> هل كنتم تلاقون صعوبات من المدرسين عند تعيينهم للعمل في القرى النائية بعيدا عن أهلهم في ظروف تنعدم فيها وسائل الراحة؟ وبصراحة أستاذ علي كيف تقيمون معلمي الأمس في الخمسينات والستينات في ظل وضع وظروف ذلك الزمان ومعلمي اليوم؟

- عندنا نظام للتنقلات، والتنقلات مضبوطة ومعروفة وأعني أنه ليس كاليوم إذ تصدر النقلات ثم تتبعها ملاحق بمدرسين أو مدرس.. الفترة الماضية حينذاك كنا نتصدر التنقلات بنظام خمس سنوات للمدرس نظام معروف ومضبوط للمدرس سنتين في بلدته سنتين ينقل للتعليم في قرية وسنة في ريف أو منطقة نائية، كل مدرس يعرف أنه سينتقل إلى مختلف المناطق دون تذمر ودون تدخلات.. أما عن التقويم فإنهم ذوو مستوى عال يتصفون بالإخلاص والجد والمثابرة، صراحة هم أحسن من الوقت الحالي، مدرسو زمان قياسا بالظروف كانوا جادين ومخلصين.

من حضرموت إلى بيروت

> عملت مسئولا لإدارة المعارف بالداخل قرابة عشر سنوت وبعدها؟

- كما سبق أن قلت إنني توليت الإدارة والتفتيش على مدارس الداخل من 1966-57م وفي 66م تحديدا حصلت على منحة إلى بيروت لمدة عام إلى المركز الإقليمي التابع لمنظمة التربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، وهذا المركز يدرب رجال التربية والتعليم في الدول العربية عموما، وكنا من حضرموت شخصين أنا من السلطنة القعيطية والزميل أحمد عيدروس فدعق من سيئون من السلطنة الكثيرية، وعدنا في 1967م وحصل الاستقلال، وجرت تغييرات إدارية للمناطق، فتحملت مكتب التربية والتعليم في سيئون المديرية الشمالية، وهذا المكتب الرئيس لكافة مناطق الداخل بشقيه السابقين (القعيطي والكثيري)، وتحملت المهمة لمدة عام بذلت ما في وسعي لتثبيت الحركة التعليمية.. ومهام المكتب تمتد إلى ثمود ورماه شرق وشمال صحراء حضرموت إلى غرب حضرموت تحديدا.. وخلال وجودي بمكتب التربية بسيئون من 1970-69م أذكر أن مدارس جديدة افتتحت في مناطق منها مدرسة إعدادية للبنات بسيئون ومدارس جديدة ابتدائية في كل من تاربة، الغرف، الكودة، تريس وساه.

طالبات بمدرسة شبام للبنات 1946م
طالبات بمدرسة شبام للبنات 1946م
إلى من يهمه الأمر

علي محفوظ باحشوان المعروف في الأوساط العامة والتربوية بالذات بـ(علي حورة) يعد ذاكرة مرحلة مزدهرة في تاريخنا المعاصر لاسيما وأنه أفنى شبابه وربيع عمره في صناعة الإنسان الحديث.. وحمل مشعل التحديث وتغرب ليتعلم ليعود بعلمه مدرسا في مختلف مستويات المراحل التعليمية وإداريا ومخططا لنهضة التعليم، ومن أبرز المساهمين فعليا في تطور المعارف والتربية والتعليم من نهاية الأربعينات حتى تقاعده.. ولد في المكلا عام 1930م وعمل بمدارسها وبمدارس السلطنة القعيطية الحضرمية. وعمل في الخمسينات لفترة بمدارس السلطنة الكثيرية الحضرمية، وجاب صحاري حضرموت وصعد هضابها ونفذ إلى بطون الجبال من نهاية الخمسينات حتى نهاية الستينات عند تبوئه منصب مدير تفتيش وإدارة المعارف في داخل حضرموت، عندما زرته وعرفت أنه لم يكرم ولو بكلمة شكر.. وددت أن أكون مسئولا ولو لساعة فقط لتوقيع قرار يلزم الجميع بتكريمه ماديا ومعنويا.. أليس عيبا على الكل مسئولين وخلافهم أن يتناسوا شخصا حق له أن يكرم.. ألا نعلم أنه ذهب محفوفا بالمخاطر على ظهر دابة، ثم سيارة متهالكة وحيدا ليضع مداميك العلم في وادي دهر وعرماء وصحراء الخشعة وأطراف الربع الخالي.. في ظروف قاسية دون تبرم عمل وعندما سألته باستحياء عن النياشين والشهادات ابتسم فقط، وقال: عملت لوجه الله مخلصا لوطني ولبني وطني.. لا يكفي أن ننحني لهذه القامة التربوية والتعليمية، بل علينا أن نقدم له الكثير والكثير، فهو رائد من رواد التربية في عصرين.. إليك ياوزير التربية والتعليم في بلادنا إليكم يا مدراء التربية في عموم اليمن وفي حضرموت خصوصا، إليكم ياقيادات المجتمع المدني ذات الصلة المباشرة بالثقافة والتعليم.. إليكم أيها الجميع أرسل هذا العتاب.. أما من لفتة صادقة للأستاذ الشيخ (علي حورة) علي محفوظ باحشوان متعه الله بالصحة الدائمة؟!.. آه يازمن!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى