(توقيعات نزارية) في نفوس الشعراء

> «الأيام» مختار مقطري:

> قال النابغة الذبياني يمدح النعمان بن المنذر:ألم ترَ أن الله أعطاك سورة ** ترى كل ملك دونها يتذبذب ** فإنك شمس والملوك كواكب ** إذا برزت لم يبدُ منهن كوكب

وكان النابغة يستهدف رضا النعمان بعد غضبه عليه، وقيل إن النابغة أغراه تكسبه بالشعر حتى مدح الشيء وضده، ولم يسمُ المديح عن التكسب والاستعطاف والاستنجاد والنعرات القبلية إلا في المدائح النبوية بعد ذلك، في شعرحسان بن ثابت، وكعب بن زهير، ولم يخلُ مديح كعب من استعطاف في (بانت سعاد)، ثم ظهر المديح السياسي في عصر بني أمية وبني العباس، و أغراض شعر المديح هذه استمرت حتى عصرنا الراهن، فتجدها في شعر أحمد شوقي.

لكن ما وقع في يدي من قبل بين دفتي كتيب صغير حمل عنوان (توقيعات إنسانية) صادر عن (بيت الشعر) في صنعاء عام 2007، وكتب مقدمته الأستاذ د.عبدالسلام الكبسي، هو شعر مديح من نوع آخر، فليس فيه استرحام النابغة ولا تكسب المتنبي ولا تعصب سياسي كتعصب ابن قيس الرقيات للزبيريين أو مذهبي كوله الكميت بالشيعة.. ولكنه شعر مديح يرقى على أن يكون مديحا.. إنما هو تصورات ومشاعر إنسانية يوحدها الحب والدهشة الجميلة، كتبه شعراء من اليمن والسودان، والممدوح فيه شخص واحد هو الباحث والناقد والشاعر والفنان والطبيب الجراح د.نزار محمد عبده غانم، وكنت قد كتبت قراءة- أظنها كانت مفصلة- نشرتها «الأيام» في هذه الصفحة في عدد سابق.

ويبدو أن د.نزار غانم سوف يبقى هدفا للشعراء، فقد غدا هو الغرض من الشعر وليس المديح ذاته، هو غرض هذا الشعر الجميل.. بشخصيته المتنوعة إنسانا وفنانا وطبيبا، وللإنسان فيه حظ أوفر، لتواضعه ورقة مشاعره المتفردة سموا وكبرياءً أبيض، ليتهافت عليه الشعراء بشعر هو أبلغ دلالة وأصدق إحساسا وأكبر منزلة مادام د.نزار غانم على قيد الحياة (أطال الله في عمره)، ليبتعد هذا الشعر عن المراثي الجوفاء في المناسبات. وهو بتهافت الشعراء على شخصه كالنور الذي يسعى إليه الفراش، لكنه نور لايقتل الفراش بل يحنو عليه ويزيده من رونقه إلهاما، ليقول المزيد من الشعر الجميل.

والشعراء لايزالون يكتبون الشعر في نزار غانم، ولن يكفوا عن الكتابة، وجميل أن نرى ما لم ينشر في الكتيب المشار إليه أعلاه منشورا في كتاب تتولى جهة ما نشره، وإلى أن يحين ذلك اخترت النماذج المثالية من هذا الشعر الجميل، وهو شعر لايحتاج إلى تعليق، لابتعاده عن المناسباتية وسمو هدفه عن تحقيق مآرب زائلة.

فالممدوح د.نزار غانم لايملك غير الحب وبريق الفن ولآلئ الشعر وحنو الطبيب، وما أعظم كل ذلك قدرا! ومن كتبوا هذا الشعر ليسوا كالنابغة أو المتنبي، وإن كان من مثل هذين كثر في عصرنا، لكنهم شعراء أدهشتهم شخصية متنوعة العطاء، يوحد تنوعها مناقب الإنسان الجميل، فكان لابد للشعر أن يبوح.

يقول الشاعر جمال محلتي:

ياشقيق الروح هذا حبنا/ يتجلى رغم ظلمات الدروب/ خالدا رغم انفعالات الشمال/ وحدويا رغم أنات الجنوب/ تجهل الشمس على رحلاتها/ الفرق ما بين شروق وغروب

ويقول الشاعر شيخ صبري:

من بعد التباعد زمن/ أبين عانقتها عدن/ والليلة التقينا سوى/ تجمعنا ثقافة وفن/ في حضرة عريس اللقاء/ ابن الغانم اللي سكن/ في كل قلب يهوى الأدب/ في إبداعه قد فتن

ويهمس الشاعر هائل المذابي بهذا الشعر الرقيق:

يهمس صمت الوجود في قلبه/ يتمتم في حالة/ تفيق تذكارات في أذنه/ يصغي فإذا الأرض تبوح له بأنين روحها/ ووجع بين لذة المخدع ولمس الشوك يسري في دمه/ فترتعش شفتاه وتهتز أصابعه/ فيأخذ في رصف الأرقام رمزا لتلك الحالة/ كل رقم يضع شفتيه على ساق أخيه/ ويجري لهب رقيق بينهما/ كالدم في شعر الجدائل/ وتفيض المعزوفة..

أما الإنسان الجميل نبيل عزاني فيقول:

في نبض قلبي تعيش/ لو غبت عنك ليالي

ياما الخواطر تجيش/ تشغل فؤادي وبالي

والأمكنة يسيجها نزار غانم بأوتاره. يقول الشاعر عبدالناصر المحلتي:

في هجير قفار الأسفلت الباسقة النغرات/ ومقاتل الخط/ أمكنة (نزار غانم) المسيجة بود أوتاره/ وروشتاته المهرية/ إلى أفئدة ظلال منحوسة المعارج/ أدركتها صبابات ابن عدن البحر ونوارس القلب الرهيف

ويشير الشاعر فتحي القطاع إلى تجليات الأب الرائد في شخصية الابن المبدع:

الأب أول دكتوراه في الجزيرة/ والأبناء جاءوا على الجريرة/ وذاك الذي مشكورا تعهد بتخفيف الأنين/ فأسس في صنعاء عيادة مجانية للمبدعين/ إنه الفارس المغوار/ د.نزار..

وفي قصيدة جميلة ذات مستوى فني راقٍ، يقول الشاعر فضل النهاري:

ماذا أقول.. يحفني استحياء مما ينوء بحمله الشعراء/ قف (يانزار) فإن صمتي والتي بالهمز ترفل هاهنا لسواء/ قد كنت آثرت السكوت فردني فيك الحياء بأن يقال جفاء/ أو أن يقال إذا كتبت مصالحي أملت عليّ وأن يقال رياء/ لكن حسبي أن لي من عزتي رقباء ومن صدق الإخاء عزاء

ويقول الشاعر عبدالواسع القرشي:

شمعة تنير الدروب/ جدول رقراق/ ينبوع ماء عذب/ ذات يوم عرفته/ خلتني عاشرته حقب/ شفاف الوجدان/ صدوق اللسان/ صوفي ارتدى ثوب الحب

ويبكي الشاعر القدير أحمد الجابري ذاكرته دما وهو يقول:

في جانبيك نزار، الشعر والنغم كلاهما واحد: رجع الصدى وفم/ أحس روح أبيك فيهما، أثر من راحتيه ومن أنفاسه كلم/ كطائر أنت تهفو للجمال كما تهفو الحياة وفيك الفن مرتسم/ آه على زمن ولى وذاكرة نبكي عليها دما مذ ضاعت القيم

ويقول الشاعر عبدالمغني القرشي:

سوف تبقى يا (نزار)

شاديا مثل الهزار

وستبقى أبد الدهر

لنا مثل الفنار

وبالعامية السودانية يقول الشاعر محمد رضا:

منقوش اسمك (يانزار) على الجرائد والورق

أنت دكتور اجتماعي

فولاذ..

عايشت سودان السخانة والعرق

وياشيخ طريقة (السومان) لكن!

ساعة تدندن

الناس تهنهن

كأنها شربت (عرق)

ويقول الشاعر محمد عبدالله سعيد:

عمن؟ أقول ماذا؟

وبأي لسان

بالعامية؟ أم بالفصحى؟

وبأي معانٍ وبيان

أبالشاعر أبدأ أم بالشيخ

أم بطبيب الإنسان؟

وفي قصيدة جميلة القافية، يقول الشاعر صالح عبيد باظفاري:

أنت خير الناس وأطيبهم وأقربهم مكانه

عشت في نبضي وقلبي صاغ من لطفك حنانه

أنت (سوماني) عشقت الفن جم ورفعت شانه

ياطبيبا يشفي المجروح من همه وأحزانه.

وفي قصيدة وجدانية رقيقة، يقول الشاعر د.محمد الشقاع:

يا مبدع النغم العليل

ومن أضاء لنا السبيل

بالفل قد عطرتنا.. حاشا ولكن من شذى الوتر الطروب

يا (نزار)

مصباح (سومانيا) وصوت آزال في البلد الأمين

أضاءت بالحب المشافي بلسمته وجع الـكلـيم

ويهدي الفنان محمد حسين بيحاني د.نزار غانم قصيدة مجروحة الاغتراب:

مسافر أنا

فوق هامات الزمان

وحدي.. لا مكان.. لا زمان

وفوق ظهري الضعيف

يعشعش الزيف

وأنت ياحبيبتي السلام

تلك (توقيعات نزارية) نقشها د.نزار غانم في نفوس شعراء ومبدعين، ففاضت شعرا جميلا متلألئا بالحب والود الإنساني الجميل، وما الشعر إن لم يفض بالحب؟ ولأنه نزار غانم فلن تنتهي (توقيعاته النزارية) في كل النفوس، ولن يكف الشعر عن البوح!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى