(14) عاما في صحبة عبدالله فاضل فارع

> «الأيام» سعيد عبدالله سعيد:

> الرحيـــل المفجـــع: رحل عن دنيانا الفانية الأديب الشاعر المترجم الناقد، ومربي الأجيال الأستاذ عبدالله فاضل فارع يوم الإثنين عند الساعة السادسة صباحاً تاريخ 2008/4/14، وبرحيله فقدت الساحة الأدبية والثقافية شخصية لا تُعوض قلَّما يجود الزمان بمثلها نذرتْ حياتها لطلب العِلم والمعرفـة منذُ حداثة سِنه وقضى جُلُّ عمره دارسا ومدرسا وباحثا ومنقبا ولم يبخل بعِلمه وثقافته على أي سائل..

وحزن عليه الكثيرون من طلابه وطالباته والأساتذة الذين زاملوه والذين عاصروه وفُجعوا برحيله الذي ترك في حياة الجميع فراغا كبيرا.

البــــدايــة:

وإنني إذ أشكر القَدَر الذي ساقني لكي أتعرف على هذه العائلة الفاضلة ويعود الفضل كذلك للأخ شهاب علي أحمد (1951م - ) الذي عرَّفني على ابنته السيدة أروى عبر الهاتف وكان ذلك في عام 1984 ، ورحتُ أسأله مَنْ هذه؟ وابنة مَنْ هي؟ فأجابني إنها ابنة الأستاذ عبدالله فاضل فارع واحد من فطاحلة اللغة العربية، وهو بالمناسبة درَّس والدتي (أمه التربوية خولة باحميش ت:2007) ولأنني أعشق اللغة العربية رسخ اسم الأستاذ عبدالله فاضل فارع في ذاكرتي، وكنتُ أقرأ بين الحين والآخر في الصحف والمجلات اليمنية اسمه يتردد في مجال التَّرجمة والنقد الأدبي ويزداد إعجابي به وتتوق نفسي إلى رؤيته والقُرب منه. ومنذُ ذلك العام ارتبطتُ بهذه العائلة وتوطدتْ علاقتي بهم وكنت أقوم بزيارتهم وكذا خدمتهم من موقع عملي، وتعرَّفتُ على والدتها المغفور لها بإذن الله تعالى خوله معتوق (ت: 1998) وكذا الأخت جميلة أما بقية الأولاد فكانوا خارج الـجمهورية للدراسة .. ولازلت أذكر أول يوم ذهبتُ فيه إلى الفيلا للتعرف عليهم فذهلتُ لدى رؤيتي هذا العدد الهائل من الكُتب التي توزَّعت على غُـرَف الدور الأول الأرضي وأنا الذي أعشق القراءة وأُحب رؤية الكتب ..

اللقـــاء الأول:

أخبرتني السيدة أروى أن والدها قد وصل إلى عدن بعد أن أُحيل إلى التقاعد وكان ذلك عام 1994، وأنه شَحَن معه حاوية من الكُتب فسررتُ لذلك سرورا عظيما، وكان أول لقاء معه في يوم الجمعة الساعة السادسة مساء تاريخ 1994/3/18 عندما طلبتُ من الخالة خولة أن تعرفني على الأستاذ عبدالله وصعدتْ إلى الدور الثاني لتأخذ منه الإذن ثم جاءت واصطحبتني معها إلى غُرفة النوم حيث كان يقف جوار الدولاب هادئا رصينا وقُورَا، وقدمتني إليه على أنني واحد من أبنائها ثم أجلستني على السرير وأنا أشعرُ بالرهبة والخوف ثم سألني عن اسمي كاملاً وما هي وظيفة والديْ (رحمه الله) وكذا عن اسم والدتي ومن هو زوجها؟ وعندما عَرَفَ أنها جارتهم في منطقة الشيخ عثمان شارع السلفي جوار منزلهم وعَرَفَ أن أصولي من المقاطرة شَعَرَ أنني قريبٌ منه، وقدمتُ نفسي إليه على أنني كاتب قصة قصيرة وكاتب مقالة أدبية متباهيا بذلك، وتناقشنا في تلك الليلة وحاولتُ أن أبدو أمامه أنني قد قرأتُ كذا وكذا، وأعلمتهُ أنني قد قدمتُ نقدا لترجمة روايتين في مجلة الهلال، ثم طلب مني إحضار هذه الأشياء في المرَّة القادمة ،ولأن الرجل كان متواضعا لم يقلِّل من شأني وأخذني باللين والرفق، واستمرت تلك الجلسة الأولى ثلاث ساعات وخرجتُ من لدنه وأنا جذلان ولا أُصدق أنني التقيتُ وَجْها لوَجْه بالشخصية التي سمعتُ عنها الكثير والكثير وقرأتُ عنها مما جعلها تنال كل إعجابي.

وفي اليوم التالي نقلتُ هذا الإعجاب الشديد إلى أخي وزميلي شهاب علي أحمد وحدثته بما يختزنه هذا الرجل من المعلومات في كل جانب من جوانب الحياة فأجابني بأنني سأستفيد منه كثيرا وصَدَقَ حَدْس وإحساس هذا الرجل .. وهكذا تكررت لقاءاتنا الأسبوعية كل يوم أحد وتبدأ من الساعة الرابعة أو الخامسة عصراً وتنتهي عند الساعة التاسعة مساء ..

الصحف الأسبوعية والمجلات الثقافية:

وبعد أكثر من لقاء حاول الرجل أن يكون مواكِبا وعلى اطلاع على المجلات العربية الثقافية، وسألني إذا كانت تنزلُ إلى الأسواق وتُباع في الأكشاك كمجلة العربي ومجلة الهلال وروايات الهلال وكتاب الهلال وكذا عن الصحف اليمنية التي تتناول الشأن الثقافي وأخبرته عن صحيفة الثورة والملحق الثقافي الأسبوعي الذي يصدر كل يوم إثنين وكذا الملحق الثقافي الذي يصدر كل يوم خميس عن صحيفة الـجمهورية وكذا صحيفة 26 سبتمبر الصحيفة التي يكتب فيها الشاعر الراحل عبدالله البردُّوني والدكتور عبدالعزيز المقالح.. وكنتُ أشعرُ أن هذه المجلة أو تلك سوف تعجبه ولاسيما إذا نَزَلتْ حديثا إلى الأكشاك وأُطلعه عليها (وكنت أشعر أن ذوقي قريب من ذوقه) وقدَّمتُ إليه مجلة الكُتب وجهات نظر ومجلة سطور وأخبار الأدب، وتنوعت بعد ذلك المجلات الشهرية والفصلية كمجلة عالَم الفِكر ومجلة الثقافة العالمية وسلسلة إبداعات عالمية وكتاب العربي ومجلة الكويت ومجلة الفيصل ومجلة المعرفة السعودية ومجلة التسامح ومجلة المستقبل العربي ومجلة الكلمة اللبنانية ومجلة نِزْوى ومجلة البيان وكذا الإصدارات الأدبية التي تَصدُر عن النادي الأدبي الثقافي في جُدَّة ككتاب جذور، الراوي ، علامات في النقد ، نوافذ ... أما عن الصحف المحلية الأُسبوعية حاولتُ أن أُطلعهُ على معظمها مثل صحيفة الشموع ، صحيفة الإحياء العربي ، صحيفة التجمع ، صحيفة الناس ، صحيفة الطريق ، صحيفة الوحدوي ، صحيفة الأهالي ، صحيفة الوسط ، صحيفة الصحوة ، صحيفة الثوري (أما صحيفة «الأيام» فكانت تُرسل إليه عبر الأخوين هشام وتمام باشراحيل صباح كل يوم) .. وهكذا استمررنا نشتري كل هذه المجلات الشهرية والفصلية والصحف الأسبوعية الآنفة الذكر.. (وكان يعطيني مبلغاً من المال أنفقه على الصحف والمجلات وشراء الإصدارات الجديدة من الكتب) وكنت أحرص كل الحرص أن أحضر عصر يوم الأحد وأُلغي أي ارتباط لديَّ أو مع أفراد عائلتي وعَرَفَ كل قريب من أسرتي وزملائي وأصدقائي أن يوم الأحد من كل أسبوع هو يوم مميز في حياتي، وحَزنَ كل هؤلاء المذكورين آنفا على رحيله لكثرة حديثي عنه أمامهم وأحبوا شخصيته دون أن يروها أو يلتقوا به ... فلم أتخلف عنه طوال السنوات الماضية إلاَّ في حالة السَّفر سواء إلى صنعاء أو خارج الـجمهورية أو عند المرض- عافاكم وشفاكم الله - وكنَّا خلال هذه الفترة نقوم أنا وهو بتنظيف المكتبة في الدور الأرضي كاملا وبمساعدة طالب سوف يأتي ذكره لاحقا وكنتُ أعرف عنوان كل كتاب أين وُضِع؟ ولذا كان يستعين بي عند الحاجة وفي كل لقاء من لقاءاتي معه كنت أتلقى كل مرَّة معلومات جديدة سواء من خلال القراءة أو النِقاش فعَرَفتُ منه أسماء المحققين العرب والأجانب، وما معنى التحقيق والشرح وكذا عناوين الكتب في التراث العربي والإسلامي.. وأذكر أنني سألته ذات مرَّة ونحنُ في المكتبة (أستاذ عبدالله أرى في مكتبتك كل عناوين الكتب لمؤلفين عرب وأجانب) أجابني ( يا ابني كان الواحد يحلم أن تكون كل كُتُب العالَم في بيته).

الشخصيـــات والأمــاكـــن:

ويستطيع أن يحدثك بالتفصيل عن معظم الشخصيات اليمنية سواء أكانت الشخصية أدبية أو سياسية أو اجتماعية وكذا عن الأماكن التي عاشوا فيها وكل ما يمتُ إليها بِصِلة حتى الشخصيات العربية الأدبية من الشعراء والروائيين والكُتَّاب من كل الأقطار العربية يستطيع أن يتحدث عنها وعن أجزاء كبيرة من حياتها ولديه ثقافة المكان إذا جاز لي التعبير أن أقول ذلك فهو على المستوى المحلي يستطيع أن يتذكر كل الأماكن المعروفة والمشهورة متى بُنيت؟ ولأي شيء بُنيت؟ ومن تحمَّل مسئوليتها حينذاك وماذا صارت بعد ذلك؟... وخلال السنوات الماضية التقيت في بيته بشخصيات كثيرة منها الأدبية كالقاص الراحل عبدالله سالم باوزير والصحفي الأستاذ عبده حسين أحمد والشاعر الراحل إبراهيم الحضراني الذي جاء يوما لزيارته والقاص عبدالرحمن عبدالخالق والقاص ميفع عبدالرحمن والكاتب أحمد طاهر مقبل والفنان محمد مرشد ناجي ..

تغييـــر اللقــــاء:

وفوجئتُ به ذات يوم يطلب مني تغيير لقائنا من يوم الأحد إلى يوم الجمعة بعد الصلاة مباشرة إذ إن هناك شخصا سوف ينضم إلينا وهو يعرفه حق المعرفة وله مكانة في نفسه هو الأخ العزيز محمد عبدالله عمر القاضي (1935م - ) وكان ذلك في عام 2003م .. وكنَّا نتناول الغداء الذي يتكون عادة من اللَّحم مرَّة من عَقْدة لحم ومرَّة من مرقة لحم، وكان يطعمني من يده ونشرب بعد ذلك الشاي بالحليب ونبدأ بالحِوار والنِقاش من خلال عرضنا لمقالات الصحف الأسبوعية أو المجلات الثقافية أو عناوين الكُتب ثم يتنوع الحِوار ويتشعَّب.. وكان يُؤم مجلسنا هذا عند الساعة الرابعة عصرا من كل جمعة شخصيتان، كان- رحمه الله- يأنس إليهما ويُحبُ مجالستهما الشخصية الأولى هو الدكتور سالم عبدالرب السلفي هذا الشاب الذي يُقدره المرحوم كثيرا وهو أحد طلبته النجباء أما الشخصية الثانية فهو الحاج سعيد سلاّم الذي يعْرِف الأستاذ عبدالله فاضل منذُ شبابه وهو من مواطني منطقة الشيخ عثمان ويُقرض الشِّعر ..

منــاقبــــه:

وقد عُـرُِف عن الفقيد شجاعته في قول الحقيقة أيَّا كان موقعها أو موقفها وظل مؤمنا ومتمسكا بها منذُ يفاعته وحتى شيخوخته وعاش شريفا نزيها، نقي الضمير طوال حياته، لا يُجامل ولا يداهن، ولم يتملق أحدا من رجالات السلطة في كل مراحلها، وكان موقفه وصلابته في الرأي السديد ثابتين لا يُحيد عنهما قيد أُنملة، وظل يحتفظ باحترامه وتبجيله من قِبَل كل التيارات السياسية المتعاقبة ..

عــاداتــــه :

وكان يحب الكتابة بالقلم الرصاص حتى المقالات والكتابات التي يُرسلها إلى المطبعة أيضاً بالقلم الرصاص فهو يكتب سطرا ويترك الآخر، ويعمل على تشكيل الكلمات حتى لا يُساء فهمها وتُقرأ بشكل آخر، وكان -رحمه الله- يتمتع بخط جميل وأنيق بالعربي والإنجليزي ويكتب بكل أناة ودِقَّـة وكأنه يرسم، وبالقلم الرصاص يستعين به عند القراءة ليسجل به التعليقات والتصويبات بزوايا الكتاب العربي أو الأجنبي والمترجَم فلا يفارق يدهُ وإذا انتهى منه وضعه في ثنايا الكِتاب، فهو لا يحبذ أن يقرأ في كتابين في آنٍ واحد، وكل كتاب يستغرق منه عند القراءة أسبوعين وبعض الكُتب في ظرف أسبوع، ويلذُّ له القراءة وهو ممدد على فراشه، وقد اكتسب هذه العادة منذُ صَدْر شبابه ويجدُ متعة في ذلك، ومعظم الأوقات إن لم يكن كلها، كان يكتب ويترجم وهو على هذه الوضعية وإلى جواره سراج صغير يضيء له صفحات الكِتاب، ثم يجلس إلى مكتبه لتبييض ما كتبه أو ترجمهُ، وكان- رحمه الله- يقرأ دون أن يستعين بنظَّارة للقراءة وعند الساعة التاسعة مساء كل يوم يترك كل شيء في يده ويجلس أمام التلفاز في الدور الثاني ليتابع ماذا يجري في العالَم .. وكان يكره الزيارات المفاجئة التي لم يتم التنسيق لها من قَبْل لأنها تعطله عن عمله اليومي .. ومن سجاياه أنه كان يكثرُ من الترحم على الموتى الذين يعرفهم أو عاشرهم، وكنَّا إذا أخبرناه أن فلانا قد توفي ظهر على وَجْهه الحزن والأسى وراح يتذكر ما للفقيد من مزايا ويذكر أهل بيته الطَّيبين ..

حيـــاة أُخــــرى:

أُحبُّ أن أُسجل في هذه المقالة بكل صِدق وأمانة هذه الكلمات .. منذُ أن عرفتُ هذه الشخصية السامقة والعظيمة وعلى مدى 14 عاماً إنني تعلمتُ منه كيف أقرأ قراءة عميقة ومتأنية، وكيف أحترم الوقت وأُقدس العمل الذي أقوم به وعلَّمني النظام والتدقيق والترتيب، وأن أستغل كل لحظة في الاستفادة منها بدلا من تضييعها، وكنتُ دون دِراية أو عِلم ألفظ أمامه الكلمات وأجدهُ يعلمني كيف ألفظها سواء أكانت كلمات عربية أو إنجليزية، وكنتُ أضع بين يديه همومي الشخصية ومعاناتي وأجد لديه حلا وتوجيها فقد كان لي بمثابة الأب، وأنا الذي فقدتُ والديْ وعمري 11 عاما .. وشعرتُ خلال هذه السنوات أنني قد عِشتُ حياة أخرى علَّمني فيها كيف أنظر إلى الحياة وإلى الموت، وكيف أنظر إلى الناس وأتأمل سلوكياتهم وتصرفاتهم، ولقد عمل على إعادة تشكيلي وجدانيا وثقافيا وعلَّمني أشياء صغيرة أفادتني كثيرا في تعاملي مع الكِتاب وخلافه، ودرَّبني على كيفية التجليد وأنواع الخط وكيفية قص الأوراق وتلصيقها وكيفية ترتيب الكُتب ووضعها في الرفوف على الطريقة الصينية وكذا حمايتها من النمل الأبيض (الأرضة) وأشياء كثيرة لا يتسع المجال هنا لذِكْرها، وأن هذه الشخصية تعتبرُ أهم محطة في حياتي ولن يُمحى أثرها مدى الحياة، وكُنَّا لا نشعر بالملل مِن الجلوس إليه طوال تلك الساعات وكان متجددا في حِواره ونِقاشه، ونأسف إذا الوقت قد أزف على الرحيل ولابُدَّ للرجل أن يأخذ راحته ويعود إلى عمله اليومي في القراءة والبحث.. هكذا كان لسان حالنا يقول.

على فـــراش المــرض:

وفي يوم الجمعة تاريخ 2008/2/22 وبعد الصلاة مباشرة ذهبتُ كعادتي إليه وطرقتُ الباب فلم يجبني لا هو ولا العم محمد القاضي، واستدرتُ إلى الجهة الأُخرى وطرقتُ زجاج النافذة القريبة من سريره فلم يجبني أيضا، ثم عدتُ إلى بوَّابة الفيلا وضربتُ على الجرس وظهرتْ من نافذة الدور الثاني حرم ابنه المحامي أوس وسألتها عن عمها وأبلغتني أنه مريض وقد حدث له كذا وكذا، وصُعِقتُ لدى سماعي هذا الكلام وعَلِمتُ أنه لدى ابنته السيدة أروى وذهبتُ إليهم واستقبلني زوجها ودخلتُ الغُرفة حيثُ كان ممدداً وتألمتُ بشدة لدى رؤيته وهو طريح الفِراش وصافحته وسألته عن صحته وماذا جرى له؟ وقصَّ عليَّ كيف حدث ما حدث؟ وما كنتُ أتوقع أن أراه على هذا الشكل، هذا الرجل الذي وصل إلى هذه السن وهو يستطيع أن يمشي بيننا وأن يسمع وأن يتكلم ولديه الطاقة للعمل حتى آخر لحظة من حياته، وكنتُ أظنُّ أن أمثاله لا يموتون.. ورفضتُ أن أمكث ونحن في هذه الحالة وطلبتُ منهم المغادرة فأبوا أن أُغادر إلاَّ بعد أن أتناول وجبة الغداء وأكلتُ بدون شهية، وَطَلَبَ مني الأستاذ عبدالله البقاء إلى بعد صلاة العصر وعدم الخروج تحت وَهَج الشمس ..

وكانت هذه الزيارة الأولى والأخيرة وهذه مشيئة الله سبحانه وتعالى وخلال الفترة الماضية لم تسمح لي الظروف القاسية معاودة زيارته نظرا لانشغالي الشديد في متابعة ترميم منزلي وكذا ملاحقة العُمَّال الذين يشتغلون فيه من حيث الكهرباء والسباكة والطِلاء وبعد ذلك نقل أثاث المنزل بشكل يومي وترتيبه، الأمر الذي استغرق مني حوالي شهرين وهكذا مضت الأيام في دوَّامة متواصلة لم تسمح لي حتى بالاتصال بالأستاذ عبدالله فاضل للاطمئنان عليه والسؤال عن صحته.. وتم تكليفي من قِبل الإدارة التي أعمل بها في مهمة عمل إلى صنعاء خلال الفترة من 12 - 16أبريل 2008م وفي الساعة الحادية عشرة صباحا من يوم الاثنين تاريخ 2008/4/14م جاءني الخبر عَبر الهاتف الذي هزَّني هزا عنيفا وبكيتُ عليه بُكاء مُرَّا مؤلما لم أبكِ على أحد من قَبل مثل هذا البكاء إلاَّ على والديَّ رحمهما الله ... وقد طلبتْ مني العائلة أن نقوم بزيارته قبل سفري إلى صنعاء ورددتُ عليهم إنها خمسة أيام وأعود ثم نذهب إلى زيارته.. وهكذا رحل عنَّا ولم ألقِ النظرة الأخيرة عليه. ولا أستطيع أن أتخيل عدن بدون الأستاذ عبدالله فاضل فارع ...

ومن صنعاء طلبتُ من زوجتي وأخواتي أن يذهبن إلى زيارته بِحُكم العلاقة التي تربطنا بهم وإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليه قبل أن يُوارى جسده الطاهر الثرى ..

وبالرغم من أحاديثه الكثيرة التي تنوعت حول تاريخ مدينة عدن ورجالها وكذا أجزاء من سيرته الذاتية إلاَّ أننا كُنا نشعرُ بأننا لا نملك بأيدينا مفاتيح نستطيع بواسطتها أن نلجَ قلب هذا الرجل ليحدثنا عن أشياء أُخرى، وكُنَّا نُحسُّ أن الرجل كان ينتظر مِنَّا أن نسأله كذا وكذا ولكننا لم نعرف كيفية الوصول إلى عقله وقلبه وأحسسنا أن الرجل بالرغم من كل ما قالهُ إلاَّ أنه احتفظ- دون قصد أو عَمد- بأشياء في وجدانه وحملها معه ورحل ..

رحم الله أُستاذنا ووالدنا ومعلمنا عبدالله فاضل فارع رحمة الأبرار وأدخل روحه الطاهرة فسيح جنَّاته إنّا لله وإنّا إليه راجعون .

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى