قصة قصيرة.. الــبـــاطـوالة

> «الأيام» مختار مقطري:

> (أبو علي تزوج عليك يا زينب ميوني) ليلة طويلة قلبتها زينب ميوني وهي تردد هذه العبارة، حتى بدأت الغربان بالزحف على المدينة، فتركت الفراش، والعبارة السكين مازالت تفجر رأسها وتزلزل قلبها. صلَّت الفجر، و(قلبت) الفاصوليا، و(فورت الشاهي)، وأعدت السندويتشات لها ولأبو علي، ثم صحته كما تعودت أن تصحية بمشقة وعناء، كي لايتأخر عن عمله برصيف المعلا في إعادة الحياة المؤقتة لسيارات متهالكة يخفون خبر موتها القديم.

وزينب ميوني تشتغل باطوالة في البنك منذ عشر سنين، وهي أول من يدخل البنك في الصباح وآخر من يغادره بعد الظهر، تعد الشاي وتوزعه على الموظفين، تخرج لتشتري لهم ما يحتاجون من الكفتريا والبقالات القريبة، ويسعدها أكثر من العشرين ريالا (المشقاية) عبارة (الله يخليك يا أم علي)، ثم تبدأ بصعود ونزول الدرج أكثر من خمسين مرة لتوزع الأوراق.. لكن أبو علي يازينب ميوني لم يقدر تعبك لتساعديه في تحمل نفقات المعيشة، قبل البنك بتِ أكثر من ليلة من غير عشاء ليتعشى أبو علي، تمنيت أكثر من ثوب، ولم يشتر لك أبو علي ثوبا واحدا، تمنيت ذكر اللحم والسمك كي لاتجرحي مشاعر أبو علي.

أبوعلي! أبو علي يا زينب ميوني ضحى بعشرة ثلاثين عاما عشتيها معه على الحلوة والمرة، مساء أمس صارحك بمنتهى القسوة بأنه تزوج عليك، وخيرك بكل احتقار بين الطلاق وبين قبول الأمر الواقع.. ليش يا أبو علي؟! والله حرام عليك! هل لأن الحيض انقطع منذ شهرين؟! لكنك يا زينب ميوني مازلت مليانة صحة وعافية، التعب والشقا في البنك لم يطفئا جمالك.. هل لأنك بدأت تتقززين من رائحة فمه الحائض دائما (بالزردة)، وهو يهم بتقبيلك؟ وتتذكرين نجاستك بدم دورتك التي توقفت عن تنجيسك منذ شهرين؟!

ليش يابو علي؟ أي امرأة هذه؟ من تكون يا أبو علي لتحطم قلبي من أجلها؟ كيف سخيت يا أبو علي؟ أبو علي.. أبو علي.. كفي يازينب ميوني! هذا (الإجنير) المدمن على (الزردة) مش أبو علي، ولا أنت أم علي، الجيران في الحافة يدلعونه أبو علي، تزوجك وقرر أن يسمي ابنه القادم علي، ولم يأت علي، في أول يوم لك في البنك، سألتك صفية المنظفة عن الولد، استحييت وكذبت يازينب ميوني، وقلت لها بافتخار كاذب: «ولد وحيد.. علي.. سنة أولى في كلية الطب»، فحاولي اليوم أن تتمالكي نفسك.. أن تخفي حزنك المفجوع في وجهك وعينيك.. برضك الناس يحبون الشماتة.. تسألك صفية المنظفة وأنت واقفة أمام الحوض تنظفين أكواب الشاي: «مالك اليوم يا أم علي؟». سؤالها المليان بالاهتمام والقلق الصادق فجر بكاءك، لكنك استحييت يازينب ميوني، فقلت لها لتداري كرامتك المجروحة: «علي قرر السفر إلى الكويت والعيش هناك».

شعرت بدوخة، اكتشفتها ندى الصرافة في ثقل خطواتك وذبول عينيك دعتك إليها بإشارة من يدها، دخلت مكتبها الزجاجي، جلست على كرسي هيأته لك لتستريحي، رفعت أمام وجهها ورقة مليانة أرقاما، وأكدت لك أنها لن تتأخر.. درج مفتوح.. (بندل) دولارات أبو ألف.. مدي يدك يازينب ميوني.. خذي ورقة.. ورقتين.. ثلاث، لن يشك فيك أحد فأنت أم علي، خذي خمس ورقات وأعطيها لأبو علي ليوافق على تطليق زوجته الثانية.. لا تذكرين ما الذي حدث بعد ذلك.. أفقت في المستشفى، بشرك الطبيب بأنك حامل في شهرين.. الآن فقط لاتخافين أن يطلقك أبو علي.. ولايهمك أن يتزوج أبو علي سبع حريم.

أبو علي! كلا.. لن يدعوه أحد بعد اليوم أبو علي.. فأنت يازينب ميوني يعجبك اسم (شمسان).

فبراير 2008م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى