المذاحج.. بين هم الجفاف وغم الطرقات !!

> «الأيام» محمد العزعزي:

>
مصدر ماء
مصدر ماء
في هذا الزمن اليابس لف الحزن قرى المذاحج المقطعة الأوصال والمغلفة بقدر هائل من الإحباطات التي تواجه الإنسان فلا ينظر إلى الضوء في منتصف النفق المظلم.

هموم هؤلاء بدا واضحا على الوجوه، وسيطر على الواقع، فلم يبق للناس خيار إلا الماء أو الرحيل نحو المجهول بعلامات الدهشة التي تملأ الحاضر ومخاوف وتوجسات المستقبل، فاضطروا إلى الوقوف، رافعين الأيدي تضرعا إلى الله خوفا وطمعا عله يسقط الغيث لإحياء الأرض الميتة.

جغرافية المكان:

تقع عزلة المذاحج في مديرية الشمايتين بتعز وتنقسم إلى:

المذاحج الأعلى: وتقع شرق مدينة التربة ويربطها خط إسفلتي شهير التربة- عدن، وهي أرض جبلية عالية الارتفاع تكثر فيها الآكام والمدرجات الزراعية.

المذاحج الأسفل: واد مخفض أقرب جغرافيا إلى قدس بالمواسط وترتبط إداريا وانتخابيا بالشمايتين، كما تزداد التضاريس وعورة وارتفاعا باتجاه الجنوب والجنوب الشرقي بحواف حادة.

أسماء القرى: الأكمة- المقصوص - بعور- المداهر - المخرط - الكدان - الكفيف- الشيخ جابر- الأكيمة - محدان.

هذه العزلة لها خاصية الوصل وليس الفصل بين الأمكنة، فهي تربط الشمايتين بثلاث مديريات: المقاطرة - المواسط - حيفان، وهي همزة وصل بين محافظتي تعز ولحج.

الديموغرافيا:

يبلغ عدد السكان قرابة 500 نسمة أغلبهم مهاجرون إلى المدن، وتنخفض نسبتا الولادات والوفيات لارتفاع نسبة المتعلمين، وطول فترة الدراسة بين الإناث والرغبة في تحسين معيشة الفرد وتأخير سن الزواج، وقال الأستاذ أحمد محمد عون: «تنخفض الأمية بين السكان خاصة فئة الشباب، ومعظم الحرف المهنية مهندسين- معلمين، ومهنة الزراعة هي السائدة، كما يوجد حملة الشهادات العليا الدكتوراه وأساتذة الجامعات والأطباء والهندسة المعمارية».

الزراعة:

تعتمد على الأمطار الموسمية الصيفية وتمتاز بالتذبذب نتيجة الجفاف وغياب الإمكانات التمويلية، وتزرع أنواع الحبوب الغذائية: الذرة والدخن والغرب والدجر والشعير والقمح، كما توجد أنواع من أشجار الفواكه: المانجو والرمان والحمضيات، وتعتمد المذاحج الأسفل على الآبار، وفي السنوات الأخيرة انتشرت زراعة القات باعتباره يدر أرباحا سريعة على المزارعين لكنه يهلك التربة ويستنزف المياه، ويتجه الأهالي لشراء ما يحتاجون من كميات الغذاء لعجز الإنتاج الزراعي.

فصل بالجيل
فصل بالجيل
النبات:

تنتشر الأشجار الشوكية: القرض- العسق- الطلح- السُمر- الأثل- الشجيرات العطرية (الفتور) يصدر رائحة تشبه الفل وزهوره صغيرة بيضاء تعطر الأجواء ليلا.

شجرة المليح: تنمو قرب مصادر المياه بالأودية، وأعدادها قليلة ونادرة لها رائحة عطرية تشبه رائحة المشموم (الشقر) كما توجد شجيرات طبية نادرة (الخدر) يستخدمها البعض أكلا للأوراق لمكافحة الديدان، كما توجد أشجار الصبار بأشكال وأنواع مختلفة.

الصحة:

يوجد بالمذاحج الأسفل وحدة صحية ومركز صحي لكنهما متعثرين لانعدام الكادر رغم الجاهزية والتأثيث والمعدات، فلا أطباء ولا دواء، ويضطر المرضى السفر إلى تعز أو إلى مستشفى خليفة بالتربة البعيدة جدا عن المنازل.

أما المذاحج الأعلى فيوجد بالقرب منه مستوصف بالحصائص وبالقرب من العزلة.

وقال مواطن:«لايزال جهاز الأشعة في محلي الشمايتين لم يركب في المستوصف بالمذاحج ولم يستفد منه حتى الآن».

الطرقات:

معظم الطرقات شقها الأهالي على نفقتهم الخاصة منذ سبعينات القرن الماضي، وتحتاج العزلة إلى مجموعة طرق تربط القرى ولاتزال المذاحج السفلى محرومة ومعزولة عن الأماكن العالية، وتتوفر طرق مرصوفة ومعبدة بالمذاحج الأعلى وأهمها: طريق المحطة - الأكمة السفلى - المداهر- عليافة معطلة، وتحتاج إلى إعادة الشق والتوسعة وهي مهمة لربط التربة.

مذاحج أسفل مرورا بالمغاليس وصولا إلى عدن: المحطة - الكدان - المخرط - دار الصفا، وقد شقت فوق المقابر بطول 1كم تقريبا، وهناك طريق جديدة تربط المحطة - دكا بالأكاحلة.

وقال فتحي محمد قاسم: «طريق المحطة المعافر تم شقها فوق المقابر فاعترض الأهالي لوجود متسع للشق على الأرض الزراعية التي تبرعوا بها، وربما هذا العمل استفزازي لكي يتوقف العمل».

وفي هذا السياق قال المواطن عبدالوهاب المذحجي:«تعاني مقابر العزلة من سطو الأهالي باستئجارها لغرض البناء ومرور طرق السيارات والتوسع على حساب الموتى، وبعض المقابر جديدة والأخرى تاريخية قديمة تعود إلى زمن ما قبل الإسلام».

المياه:

قال سعيد قاسم محمد: «أكبر مشكلة نعاني منها نقص مياه الشرب، فالجفاف أصاب العزلة، ومشروع المياه متعثر، ويصل مرة كل 4 أشهر، وفي أحسن الظروف كل 3 أشهر، وربما قلة الأمطار في السنوات الأخيرة والجفاف وتضخم شبكة المشروع من أسباب معاناة السكان، وأناشد كل الجهات المعنية إيجاد حلول عملية لهذه المشكلة».

وسائل النقل
وسائل النقل
وقال مواطن تحفظ عن ذكر اسمه: «في المذاحج الأسفل: مشروع المياه متعثر ويعتمد السكان على الآبار والعيون والسقايات والبرك، أما المذاحج الأعلى فالوضع المائي حرج، ويأتي الماء من المشروع في السنة ثلاث مرات، كان آخرها في 28/2/2008م، ونحن اليوم في 1/6/2008م، وهناك تسريبات أنه سيأتي بعد شهر، ومع هذا فالتسعيرة تصاعدية وتعتبر عقاب لكل مستهلك وتجمع العقوبات بعدد أشهر الانقطاع، ولولا استخدام الناس لمياه السقايات لهلكوا رغم كثرة آبار المشروع البالغة (6)، وأتمنى ضم المشروع إلى هيئة مياه الريف بتعز، ولا أمانع ضمه إلى أي منظمة المهم من يسقينا؟!».

ويفكر بعض المواطنين الرحيل إلى أماكن تواجد الماء كذبحان وبني غازي، وقال مواطن:«لا نسأل عن الحسابات، ولا عن مجلس الإدارة المعين منذ ربع قرن، ولايهم من يدير، والأهم تشرب فمن يوفر لنا الماء بقيمته».

التعليم:

يعتمد على الحفظ والتلقين، ولا ينمي المبادرة والمبادأة لمساعدة المتعلمين على احتراف المهن الحرة، وغياب التأهيل و التدريب والدعم الحكومي لإيجاد مشروعات صغيرة ومتوسطة، وتوجد (5) مدارس بالمذاحج منها (2) ثانوية بنين وبنات و(3) أساسية واحدة بالمذاحج الأعلى و(2) في المذاحج الأسفل، وقد دخل التعليم مبكرا إلى العزلة، حيث قال عبدالوهاب عبدالواحد هاشم:«فتحت مدرسة الجيل الجديد بعد الثورة مباشرة، وهي الثانية بالحجرية بعد مدرسة الخطوة بالأعروق، ومرت المدرسة بثلاث مراحل، الأولى افتتحت عهد الرئيس السلال والتوسعة الثانية عهد الرئيس الحمدي والثالثة عهد الرئيس علي عبدالله صالح، وتخرج من هذه المدرسة الوزراء والسفراء وأساتذة الجامعات، ومنهم جميل عون وهشام علوان وعبدالواسع سلام وأحمد طربوش سعيد وعدد من قيادات العمل التعاوني والسياسي والوطني».

وقال فتحي المذحجي : «أنشأت الجيل عام 1962م ثانوية بنات وعدد الفصول (12) وقدم أخيرا لصندوق الاجتماع 6 فصول جديدة وغرفة معلمات و4 حمامات وسور وأسهم المجتمع بـ (1250) دولار، وعدد المعلمين (10) والإناث (31)، ومن المتوقع أن يتخرجن هذا العام (49) طالبة علمي و(29) أدبي، واستنكروا لي أمر صعود (30) طالب وطالبة من المذاحج الأسفل إلى الأعلى لامتحان الصف التاسع برحلة طويلة سيرا على الأقدام لأكثر من 15 كم ذهابا، ومثلها إيابا بطريق وعرة وشواهق جبلية عالية وأتساءل متى تحل هذه المشكلة؟!».

معالم:

الأبراج الكهربائية: يوجد (7) أبراج عالية، منها واحد مائل نحو هاوية سحيقة ومثبت بأعلى جبال المعافر، وتلك الأبراج تغذي محطة الطاقة وإعادة النقل إلى الشمايتين والمقاطرة بين عدن وتعز، وقد وضع حجر الأساس لهذه المحطة نائب الرئيس علي سالم البيض بعد الوحدة.

رموز اجتماعية:

القرى المحصنة بالجبال ذات الطبيعة الوعرة والنائية أنجبت رموزا اجتماعية يشار لها بالبنان منهم على سبيل المثال لا الحصر: أحمد محسن غالب نائب قائد المظلات في السبعينات من القرن الماضي بتعز واستشهد في 13 يناير، العميد عبدالجليل عثمان صالح ساهم في قيام ثورة سبتمبر، وحمود شمسان من ضباط سبتمبر، وأحمد عبدالله أحمد من قادة فك الحصار عن صنعاء وجرح أثناء الـ (70) يوما، وفيصل سعيد فارع مدير مؤسسة السعيد الثقافية بتعز، وله إسهامات في نشر وتشجيع الثقافة في المجتمع، وهو خبير اقتصادي، وأحمد عون تربوي قدير ومن قادة العمل الخيري والسياسي.

مسك الختام: عندما تقوم «الأيام» باستطلاعات ميدانية فهي مرآة عاكسة لنقل هموم المواطنين في ربوع الوطن، فترصد الواقع والأشياء بالصور التي لا تكذب فتنعش الذهن بديمومة الحياة وخصوصية الأمكنة بواقعية كما هي، وربط الأصالة بالمعاصرة في السياق المكاني بعبيره الفواح وإبراز بؤر الضوء، وإضاءة ما خفي حتى لا نفقد البصر والبصيرة فنرسل إشعاع وبارقة أمل بمسار متواضع نتلمس معاناة المنكوبين والمقهورين بسفر من كتابة وهذا ما نسعى إليه بأمانة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى