«الأيام» تطوف ببلدة عبادل المقاطرة:صراع غير متكافئ مع الحرمان والفقر والعطش (1-1)

> «الأيام» علي الجبولي:

>
واردات الماء من بئر الراحة
واردات الماء من بئر الراحة
يظل الترحال إلى مناطق وبلدات المقاطرة ممتعا ومثيرا رغم المشاق.. لاتأتي الإثارة فقط من التضاريس الطبيعية الوعرة التي يكاد يتفرد بها المكان بل ومن صراع الإنسان غير المتكافئ مع قسوة الطبيعة والأوضاع المعيشية البائسة التي يسعى للانعتاق منها.

إلى جانب هذا وذاك ثمة مشاهد أخرى، إنها أياد ي الفساد التي رسمت آثارها فغدت مشاهد جديدة وهموما إضافية لهموم أبناء تلك المناطق النائية وشبه المعزولة بالوعورة وغياب التنمية والخدمات.

في هذا الاستطلاع تطوف «الأيام» ببلدة جديدة من البلدات النائية في غرب المقاطرة، إنها حجير العبادل، لتنقل من هناك مشاهد تداخل في تكوينها جمال الطبيعة ووعورة المكان ومعاناة الإنسان، وهاكم الحصيلة.

ذات صباح كنا على موعد مع الرحلة إلى بلدة حجير العبادل أو وادي (حجير العبادلة) كما يسميها بعضهم.. ما سمعناه عن شظف عيش أهلها ومعاناتهم من العطش وصعوبة الطريق، وغياب أبسط الخدمات الصحية، مضاف إلى ما روي عن الإصابات بالسرطان أجبرنا على الرضوخ لإلحاح كثير من أبناء المنطقة على «الأيام» لزيارة بلدتهم، إذ يعتقد أبناء المناطق النائية والبائسة، سواء المعذبون بالحرمان من الخدمات أم من نهشت مخالب الفساد اعتمادات مشاريع خدماتهم أن زيارة «الأيام» بشرى خير لمناطقهم، لعلها تكشف معاناة المتعبين حتى يعرفها من يتألم، فتثمر بئر ماء أو وحدة صحية، أو تفضح مكان عيوب ومخالفات صاحبت إنشاء مشروع خدمي تسببت بتعثره أو جعلته عرضة للانهيار بعد أن دفعوا من أجله لقمة عيش أطفالهم خلال بحثهم عن صدقة صندوق يقدمها بحسن نية، أو هبة منظمة تمنحها من منطلق إنساني، لكن مخالب الفاسدين والمتنفذين ومن اعتادوا النهب ليستأثروا بنصيب الأسد من هكذا مشروع خدمي صغر أم كبر عبثت به دونما وجه حق سوى وجه الفساد أنهم يطمحون أن يجدوا في السلطة ثمة من يحاسب من عبث ونهب وأضاع نفعا عاما كان المواطن في أمس الحاجة إليه، كما رأينا في طريق الصنون. أو هناك من لايقبل تعطيل خدمات المواطنين فيلتزم جادا بإعادة إصلاح ما أفسده وحوش الفيد الذين لايرون في بئر ماء سوى وليمة يتكالبون على اعتماد تمويلها، فيتقاسمون الأدوار قبل تقاسم الغنيمة، فهذا مقاول وذاك مشرف وآخر مسئول وبجانبه مهندس ومن تأخر دلال.

أمام هكذا إلحاح رضخنا لزيارة بلدة العبادل.

كان الصباح باكرا حينما وصل من عدن زميلان انتظرناهما ليرافقانا.. تطوع المواطن سعيد بن سعيد العبدلي لنقلنا بسيارته دون مقابل.

طريق يتزحلق

ما إن تقطع كيلومترات قليلة في وادي معبق حتى تطل على مبنى ضخم بني حديثا، إنه المجمع الإداري في معبق عاصمة مديرية المقاطرة الذي بني في موضع شبه مهجور يفضح سوء التخطيط وإهدار المال العام، هذا المبنى الذي غدا شبه مهجور بعد أن تسببت الخلافات والانفلات الرسمي في هجر مسئوله الأول ومسئولين آخرين. من قبالة المجمع ينحرف مسار الرحلة غربا ليلج طريق حصى شبه سالك في شعب ضيق تتوزع على امتداده قرى العقمة، الصدر، المحلة، الموقز، النجيشة.. قرى مبعثرة تزاحم مدرجات زراعية تتناثر على جانبي الطريق. لاتطول الرحلة كثيرا حتى تجتاز عقبة صغيرة تطل على منطقة الأشاهبة. ما إن غادرنا الأشاهبة حتى برزت أمامنا عقبة أخرى. قال مرافق: هذا نقيل الصنون. استغربت إطلاق تسمية نقيل على نجد صغير، لكن ما وراء النجد بدد الاستغراب. بكل يسر تصعد السيارة العقبة التي شقت عليها طريق الصنون. طريق يبدو مشهده جميلا، لكنه يحمل عوامل انهياره. تتحول الصنون إلى قمة جبلية تمد من فوقها البصر فيتلقفك قاع سحيق يتمدد تحت قدميك. يتلوى الطريق من قمة الجبل حتى قاعه.

إنه طريق نقيل الصنون، اكتمل شقه منذ نحو عام لربط بلدة العبادل شرقا بمناطق الأشاهبة، النجيشه وصولا إلى معبق عاصمة المديرية، وببقية البلدات المقطرية في غربها، الزريقة، أديم، ونقيل الصحى نحو مدينة التربة.طريق حيوي ومهم للمنطقة. روى لنا مرافقون أن هذا الطريق بدأ الأهالي شقه بأيديهم، وبنوا الجدران الساندة له عند ثمانينات القرن الماضي، لكن الأمطار والسيول جرفته، ومنذ عامين أعيد شقه بتمويل الصندوق الاجتماعي بـ 30 مليون ريال مضاف إليها إسهامات المجتمع. يتلوى الطريق في مشهد رائع لكنه مهدد بالخراب، إذ إن الطريق شق أسفل قمم جبلية تحمل عوامل جرفه وانهياره. مشهد الطريق يوحي أن جهة تنفيذه بذلت جهدا شاقا لشقه, ولكن دون حماية, فإلى جانب عيوب تخطيط مساره يفتقد لمجاري تصريف المياه وإلى الجدران الساندة والدفاعات من السيول وانهيار الصخور، فيبدو منظره كأنه يتزحلق في مجرى السيول، مما يسهل زحلقته ليصبح أثرا بعد عين ومعه تكون عشرات من ملايين الريالات من المال العام قد تزحلقت هباء منثورا.

طريق يتسلق مرتفعا
طريق يتسلق مرتفعا
هبطنا نهاية الطريق. كان جمع من المواطنين من مختلف الفئات الاجتماعية والعمرية في مقدمتهم الشيخ عبد محمد حسان يستقبلون «الأيام» بلهفة وسرور.

بانتظار أن تفي مياه الريف بوعدها

حجير العبادل وادٍ ضيق، يتسع حينا ويضيق حينا آخر، حتى ليغدو مثل شعب لايكاد يتسع لعبور سيارة. برفقة الشيخ عبده محمد حسان وجمع من المواطنين تجولنا في قرى الوادي، بعضها أقل من تنميط قرية، بل تناثر سكاني يتوزع على ضفتي الوادي، أو يلوذ بأحضان الجبال والتلال المحيطة بالبلدة من جهاتها الأربع.

عشر قرى صغيرة وتجمعات سكانية مبعثرة تنافس المدرجات الزراعية على ضفتي الوادي وبطون الجبال وأحضان التلال. أكثر من ثلاثة آلاف نسمة، مجتمع حجير العبادل شبه المحاصر بالجبال والتلال، عدا منافذ عبور صغيرة شقت في تلك المرتفعات. ملامح بؤس ومعاناة ترتسم على محياها، تفتقر لأبسط الخدمات الضرورية للإنسان: وحدة صحية، ماء، طريق آمن. يصف الشيخ عبد محمد حسان معاناة المنطقة من الماء: «في المنطقة بئر مفتوحة بجوار قرية الجربة عمقها 30 مترا، حفرها الأجداد بأيديهم قبل عشرات السنين، الماء ينزع بالدلاء، وعندما تصاب المنطقة بالجفاف تجف البئر. البئر الثانية بجوار الأولى أيضا مثلها، حفرت بالأيدي بتمويل من وحدة مياه الريف بمحافظة لحج قبل عامين بعمق 31 مترا فقط، الماء ينزع أيضا بالدلاء. وعدتنا وحدة مياه الريف بتوفير مضخة وبناء خزان وشبكة مياه، وهذا لو توفر فخير كبير، حتى اليوم مازلنا بانتظار أن تفي مياه الريف بوعدها». صعدنا إلى قرية جبلية صغيرة تلوذ بحضن الجبل، إنها قرية (المضة)، من خصر الجبل، أعلاها تنبع عين بكميات ضئيلة من الماء لا تزيد عن 40 لترا خلال 24 ساعة، لاتكفي لشرب أهالي القرية فتوزعوه محاصصة، حيث تأخذ كل أسرة حصتها خلال 15 يوما، أما أثناء الجفاف فإن العين تنضب، ويشترون الماء من وادي معبق أو من وادي أديم بثلاثة آلاف ريال لخزان السيارة سعة 1500 لتر.

منذ القدم كما توحي المباني القديمة والحصون في المنطقة لايختار العبدلي المرتفعات الشاهقة أو حتى قمم التلال لبناء بيته مثلما رأينا في عديد بلدات مقطرية، بل يختار حضن الجبل أو ضفاف الوادي والتلال الصغيرة لإقامة بيته.

ربما يدل المشهد على تواضع الإمكانيات المادية والمعيشية لأبناء البلدة، وربما حب الإنسان للأرض الزراعية جعله يفضل السكن بجوارها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى