> «الأيام» فؤاد داود محمد:

عجبت لك يازمن.. وأي عجب قد عجبت! وكيف لي لا أعجب وأنا أرى تلك الأرض الطيبة الخصبة الغنَّاء اليانعة الوارفة الظلال وقد أصبحت أطلالا تبكي ماضيها، وتندب أمجادها الخوالي، وقد تنكر لها أهلها وأهملها من تربى تحت سمائها واستظل بظلها وشرب من مائها واستنشق هواءها واكتنفته بين أحضانها ومنحته كل عطف وحنان.

فلحج الثقافة والحضارة والتاريخ والتراث، لحج الأدب والفن والطرب الأصيل، لحج الفل والكاذي والياسمين، لحج الخصوبة والزراعة و النضارة، لحج الخير والعطاء والنماء، لحج الحب والنقاء والوفاء، لحج البذل والتضحية والفداء، لحج الرعارع والميبة، لحج القمندان و عبدالله هادي سبيت وصالح فقيه، لحج فضل ماطر وسعد عبدالله وفضل محمد اللحجي.

تلك الجوهرة المصونة والدرة المكنونة قد أصبحت أثرا بعد عين، فلم يستطع المرء أن يلمس فيها أي معلم من معالم النهضة والإبداع بعد أن همشت وأهملت ورميت في سلة النسيان، تتغني بمجدها الغابر وتندب حظها العاثر، اللهم إلا تلك الزخات الطفيفة التي تنجم بين الفينة والأخرى من اتحاد الأدباء في إقامة الفعاليات الثقافية والأدبية وبجهود مضنية بفضل حنكة ودماثة أخلاق رئيسه السيد علي حسن القاضي، وقيادة الفرع من حوله وبإمكانات شحيحة لاتكاد تذكر.

وكذا ما تقوم به إذاعة لحج منذ فترة قصيرة بعد أن قاد إدارتها الإعلامي الخلوق عادل مبروك، من اكتشاف للمواهب والأصوات الجديدة والواعدة، وكذا بث بعض البرامج الثقافية والتراثية وبإمكانياتهم المتواضعة.

ففي الوقت الذي نرى فيه كل الحواضر اليمنية تقام فيها المهرجانات الكبيرة التي تبرز من خلالها مآثرها وتاريخها وتراثها وما تحويه من ثقافة وأصالة نرى لحج مازالت ترزح تحت قيودها مصفرة اليدين والرجلين مغمضة العينين محرومة من أبسط حقوقها في الحياة، مكممة لاتستطيع أن تعبر عما يجيش في صدرها من مخزون ثقافي حضاري وتراثي حافل بالأمجاد استطاعت من خلاله في حقب من الزمن الماضي أن تمد عروقها إلى عمق منطقة الجزيرة والخليج، إذ كانت الرائدة والسباقة إلى كل ما يمت إلى العالم المتحضر و المتطور بصلة، فهي أول دستور وأول مجلس تشريعي وأول قانون زراعي وأول حزب سياسي.

وهي أول من تغنى بالثورة قبل أن تولد وهي أول من ساند الثورات العربية بالكلمة الشريفة والمعبرة والأغنية الحماسية والوطنية الرائعة واللحن الأصيل، وجمعت لها التبرعات، وهي التي انطلقت أولى شرارات الثورة من على قمم جبالها، وهي أول شهيد للثورة وهي أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال الوطني الناجز، وبما أنها كانت هكذا الرائد الأول في كل شيء فقد أريد لها أن تكون هكذا اليوم المنافس الشرعي والوحيد على ذيل القائمة.

فهل أراد لها المخرج ذلك؟ أو أن فرقة أهلها واختلاف آرائهم وأهوائهم قد آلت بها إلى هذا المآل؟ أو.. أو..أو، وإذا كان الأمر هكذا فإلى متى سيستمر بها هذا الحال؟ فينبوع نهر عطائها المتدفق لم ينضب بعد ليتوقف عن الجريان، وبحر سخائها الدائم لم يزل مليئا بالدرر واللآلىء والمرجان.