الحلقة السابعة ..الدورة الخامسة 1912- السويد تحتضن قارات العالم

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
اكتمل المشهد مثالية في السويد في الدورة الخامسة حيث التقت كل عناصر النجاح من همم وجهود بشرية, مروراً بجمال طبيعة ساحر أضفى رونقاً خاصاً تغنى به الجميع, وصولاً إلى مشاركة واسعة,واستقلالية تامة بعيداً عن أي معرض دولي.

فنتج عن كل ذلك دورة أولمبية تركت أثراً بيناً في التاريخ الأولمبي الحديث, وباتت النسخة الخامسة التي احتضنتها العاصمة السويدية ستوكهولم في الفترة الممتدة ما بينالخامس من مايو حتى الثاني عشر من 1912, محطة فارقة ترمز إلى الانتصار الكامل للفكرة الكوبرتانية نتيجة الاجتماع الأول للعالم متمثلاً بدول حملت رايات القارات الخمس المشار إليها على العلم الأولمبي بدوائر ملونة, فاكتملت معها الصورة الأولمبية كما يفترض لها أن تكون.

الأولمبية تنتصر

لطالما كان البارون الفرنسي بيار دو كوبرتان قد شكا, قبل دورة السويد, من المحاربة الدائمة للجنة الأولمبية الدولية من جهات مختلفة أخّرت انتشار الفكرة الأولمبية كما يجب وأضعفت من الدورات الأولمبية السابقة, لكن دورة 1912 ولدت بشكل مختلف كلياً, حيث غابت الشوائب والاعتراضات والصعوبات, خصوصاً أن أي معارضة للفكرة الأولمبية كانت قد زالت قبل بدء الألعاب مع بدء اللجنة الدولية بتثبيت أقدامها أكثر, وبذلك جاءت دورة ستوكهولم وفقاً لإيمان كوبرتان ولمعتقداته التي من أجلها ناضل منذ العام 1884, حيث كانت الألعاب الخامسة عبارة عن مهرجان دولي للرياضة والإخاء والنوايا الحسنة والتضامن.

السمة الأبرز التي طبعت أولمبياد العاصمة السويدية ستوكهولم, المعلن عن اختيارها للاستضافة دون أية منافسة في المؤتمر الأولمبي العاشر في برلين في السابع والعشرين من العام 1999, تواجُد دولً تمثل القارات الخمس لأول مرة, أوروبا, آسيا, أفريقيا, أميركا, أوقيانيا, لكن تلك الميزة لم تكن يتيمة, بل شهدت هذه الألعاب التي شارك فيها 28 دولة مثلها 2407 رياضيين ورياضية, منهم 48 إمرأة, وقد تم الاستخدام الأول للميقاتي نصف الالكتروني في سباقات ألعاب القوى ولصور الوصول, كما تم استعمال مكبر الصوت لأول مرة أيضاً لمخاطبة الجماهير واللاعبين أثناء المنافسات, الأمر الذي اعتبر ثورة حقيقية وقتها, كما شكلت هذه الدورة نهاية صلاحيات الدول المستضيفة في اختيار نوع الرياضات, فبات الأمر بعهدة اللجنة الاولمبية الدولية, نظراُ لكثرة ما كان يحدث من تعديلات على الألعاب.

والدول التي شاركت في النسخة الخامسة هي أسترالاسيا (نيوزيلاندا وأستراليا) عن قارة أوقيانيا, واليابان وتركيا عن آسيا وقتها, كندا وتشيلي والولايات المتحدة عن قارة أميركا, مصر وجنوب أفريقيا عن قارة أفريقيا, ألمانيا, النمسا, بلجيكا, بوهيميا (تشيكيا), الدنمارك, فنلندا, فرنسا, اليونان, المجر, إيسلندا, إيطاليا, لوكسمبورغ, النروج, هولندا, البرتغال, بريطانيا العظمى, روسيا, صربيا, سويسرا والسويد عن قارة اوروبا, أما الدول الجديدة فهي مصر واليابان ولوكسمبورغ والبرتغال وصربيا.

وقد تم إدراج 14 رياضة ضمن جدول هذه البطولة هي, ألعاب الماء (سباحة, كرة الماء, الغطس), ألعاب القوى, الدراجات, الفروسية, المبارزة, كرة القدم, الجمباز, الخماسي الحديث, التجذيف, الإبحار, الرماية, كرة المضرب, شد الحبال, المصارعة, وعليه حلت رياضة الخماسي الحديث ضيفة لأول مرة في الأولمبياد, فيما أضفت مشاركة الحسناوات في مسابقتي السباحة والغطس لأول مرة أولمبياً رونقاً جديداً ومميزاً على منافسات البطولة التي بلغ عدد مسابقاتها الاثنتين ما بعد المئة, تميزت بحضور جماهيري هو الأكبر وقتها بين كل الدورات, إذ حضر مثلاً مباريات ألعاب القوى التي جاءت قمة في المستوى الرفيع, حوالي مئتي ألف متفرج سويدي.

وأقيم حفل افتتاح البطولة متأخراً في السادس من يوليو العام 1912 في الاستاد الأولمبي في ستوكهولم الذي شيد خصيصاً للبطولة واستعمل لأول مرة في شهر مايو من العام نفسه, وجرى في بداية المراسم, التي حضرها رئيس اللجنة الأولمبية الدولية الفرنسي بيار دو كوبرتان, عزف النشيد الأولمبي بحضور 35 ألف متفرج, ثم صلاة من رجل دين سويدي, تبعها استعراض الوفود شأن الدورة السابقة, فدخل الوفد البلجيكي أولاً فيما كان وفد أهل الدار آخراً, وبعد كلمة ألقاها رئيس اللجنة الأولمبية السويدية, أعلن ملك السويد وقتها غوستاف الخامس افتتاح البطولة رسمياً, وتلا الافتتاح مباشرة انطلاق منافسات الجمباز التي أقيمت في الملعب نفسه في الهواء الطلق.

المسابقات الرياضية

كان السويديون يتجهون لتخفيض الألعاب التي سيدرجونها ضمن جدول البطولة وقَصرها على ألعاب القوى والجمباز والمصارعة والسباحة, لكن معارضة واسعة غيرت في الأمر وتم رفع الرياضات إلى أربع عشرة, سبق ذكرها, وتم تسجيل غياب الركبي والغولف والقوس والنشاب بقرارات من اللجنة الأولمبية الدولية اتخذتها في مؤتمراتها المختلفة بين العام 1910 و1912, والتي, أي القرارات, تضمنت أيضاً بقاء رياضات أخرى مثل الدراجات والتجديف, فيما كان ظهور البنتاتلون أو الخماسي الحديث المبتكر من كوبرتان, بإذن من اللجنة الدولية وهو يشتمل على الفروسية, المبارزة, السباحة, الرماية والجري, كما شهدت النسخة الخامسة عودة الفروسية للظهور الأولمبي بعد غياب استمر 12 عاماً, فيما تم شطب الملاكمة لأن القوانين السويدية آنذاك لم تكن تسمح بممارستها, وفي النهاية استقر العدد على 14 رياضة و102 مسابقة.

رياضة واحدة كانت غير رسمية على الجدول آنذاك هي سباق التحمل للدراجات الهوائية على الطرقات لمسافة 320 كلم, وهو يعتبر الأطول بين جميع الرياضات في التاريخ الأولمبي, وبالإضافة لهذا السباق تميزت الدورة بعدة مواقف في المنافسات منها استمرار نزال الروسي مارتن كلين Martin Klein والفنلندي ألفرد أسيكاينن Alfred Asikainen في نصف نهائي الوزن المتوسط لرياضة المصارعة اليونانية الرومانية لـ 11 ساعة, ونجاح الفنلندي هانيس كوليماينن Hannes Kohlemaine في الفوز بثلاث ذهبيات في الجري الطويل, كما برز بشكل ملفت بل كان الأكثر نجاحاً الأميركي جيم ثورب Jim Thorpe في الديكاتلون والبنتاتلون, أما النمساوي أوتو هيرشمان Otto Herschmann رئيس اللجنة الأولمبية وقتها في بلاده فقد فاز بفضية في المبارزة وهو يعتبر الحالة الوحيدة المماثلة أولمبياً.

في الألعاب الجماعية سجلت كرة القدم ظهورها الرابع أولمبياً, وشارك في منافساتها أحد عشر منتخباً جميعها من أوروبا, وبحضور حاملة اللقب في دورة لندن 1908, بريطانيا, وجرت المباريات في ثلاثة ملاعب مختلفة بين 29 يونيو و5 يوليو, إثنان من هذه الملاعب تقع خارج ستوكهولم المدينة التي استضافت أربع مباريات من أصل إحدى عشرة أقيمت من بينها المباراة النهائية التي جمعت بين بريطانيا والدنمارك, وانتهت لصالح الأولى 2-4 أمام 25 ألف متفرج, فيما نالت هولندا البرونزية بفوزها على فنلندا 0-9, بينما حققت ألمانيا في مباريات التراضي للخارجين أكبر نتيجة بسحقها روسيا بستة عشر هدفا مقابل لا شيء أمام ألفي متفرج..وكما سبق وورد اعتبر الفنلندي هانيس كوليماينن من الأكثر نجومية في الألعاب الخماسية بنجاحه في الفوز بثلاث ميداليات ذهبية وميدالية فضية في سباقات العدو الطويل, وشكلت انتصاراته بداية للسيطرة الفنلندية في سباقات الجري للمسافات الطويلة لمدة ثلاثين سنة تلت. وكانت أولى ألقابه في الثامن من يوليو حين فاز بسباق الـ10 آلاف متر بفارق تخطى الـ40 ثانية عن الثاني, أتبعها بعد ذلك بنزال غاية في الإثارة في مسافة الـ5 آلاف متر مع الفرنسي جان بوين Jean Bouin الذي حطم في خلال التصفيات الرقم العالمي للسباق مسجلاً 15,05 دقيقة, لكن النهائي حسمه الفنلندي المدعوم بقوة من السويديين في الأمتار الأخيرة مسجلاً رقماً عالمياً جديداً 14,36,6 دقيقة, أما ذهبيته الأخيرة التي كانت الثالثة في غضون ثلاثة أيام, فجاءت في اختراق الضاحية.

أسطورة الدورة الآخر الأميركي, ذو الجذور الهندية, جيم ثورب استحق عن جدارة (الرياضي الأكثر كمالاً وقوة) بفوزه بالمسابقتين المركبتين في ألعاب القوى, فقد نجح بما امتلكه من قدرات بدنية (1,87م و83 كلغ) من الفوز أولاً بالبنتاتلون (مختلفة عن البنتاتلون الحديث وتتضمن الوثب الطويل, رمي الرمح, 200م, رمي القرص, والـ1500م), ثم أتبعها بإنجاز خارق فيه حطم في مسابقة الديكاتلون أي العشارية, الأرقام العالمية للمسابقات العشرة لهذه الرياضة, غانماً ذهبيته الثانية, وقد حياه على إنجازه كل من قيصر روسيا نيكولا الثاني وملك السويد غوستاف الخامس, الذي قال عنه إنه أعظم رياضي في العالم, والرئيس الأميركي ثيودور روزفلت.لكن فرحة ثورب لم تدم طويلاً إذ كشفت إحدى الصحف الأميركية عن حصول البطل الأميركي على مال مقابل لعبه البايسبول في كارولينا, واعترف بالأمر عازياً مغامرته للمتعة فقط وليس للمال, ومن المعروف أن الاحتراف كان محرماً أولمبياً, فتم سحب ميداليتيه الذهبيتين منه العام 1913, وباتت حالته الأولى في الألعاب الأولمبية, وقد دفعه ذلك للقول دوماً إنه سيرد اعتباره, لكن ذلك لم يحصل إلا العام 1982 بعد وفاته بـ29 عاماً, حين أرجعت الأولمبية الدولية بوساطة من رئيسها وقتها خوان انطونيو سامارانش, الذهبيتين لإبنه جاك ثورب الذي قال:«أنا واثق بأن والدي بيننا اليوم, وتعوزه الكلمات للامتنان».

أما عموماً وفي أبرز الألعاب فقد تصدرت الولايات المتحدة ذهبيات ألعاب القوى برصيد 16 ذهبية أمام فنلندا بـ 6 والسويد بـ 4, وتقاسمت ألمانيا وأسترالاسيا والولايات المتحدة وكندا صدارة السباحة بذهبيتين لكل من الفرق الأربعة مع فارق في الفضة والبرونز, واستأثرت فنلندا بثلاث ذهبيات من أربع في المصارعة فيما ذهبت الرابعة للسويد, وتصدرت إيطاليا مسابقة الجمباز بذهبيتين, وقبضت فرنسا على مسابقة كرة المضرب بثلاث ذهبيات مقابل إثنتين لكل من بريطانيا وجنوب أفريقيا, واكتسحت السويد الفروسية بأربع ذهبيات من خمس, ونالت كل من المجر وبلجيكا ذهبيتين في المبارزة.

وقفات بارزة

ديوك كاهاناموكو (1890-1968)

حقق السباح الأميركي ديوك كاهاناموكو من هاواي إطلالته الأولمبية الأولى في دورة 1912, ونجح أثناء مشاركته في تصفيات سباق الـ100م حرة في معادلة الرقم القياسي العالمي, ثم نجح في النهائي في الفوز بالذهبية بالرغم من توقف حصل معه في نصف السباق, وفاز أيضاً بفضية في الحرة مع الفريق الأميركي, كما أنه شارك في أولمبياد 1920, وحقق ذهبية الـ100م حرة كاسراً رقمه العالمي, علماً أنه فاز مرتين بالسباق نتيجة أنه أعيد لجدل حوله, وأضاف ذهبية ثالثة أولمبية إلى سجله عقب فوزه في البدل 4×200م حرة مع منتخب بلاده في الدورة نفسها, ولم يكتف بهذا بل شارك في دورة 1924 حيث نال فضية الـ100م حرة ومثل أيضاً فريق الولايات المتحدة في كرة الماء العام 1920.

باتريك ماكدونالد (1887-1954)

لاعب ألعاب قوى أميركي ضخم البنية (1,96 م, و136 كلغ) كان شرطياً في نيويورك, شارك في مسابقة دفع الكرة الحديدية, نال ذهبيتها هازماً بشكل مفاجئ حامل اللقب في الدورتين الأخيرتين مواطنه رالف روز, الذي عاد وثأر في مسابقة دفع الكرة باليدين (تدفع الكرة الحديدية باليمين ثم باليسار وليس باليدين معاً), حين نال الذهبية, وماكدونالد الفضية, وعاد الأخير للفوز بذهبية رمي وزن 56 باوند في أولمبياد 1920, مع العلم أن أولمبياد 1916 ألغي بسبب الحرب العالمية الأولى, كما أنه حل رابعاً في دفع الكرة الحديدية في نفس الأولمبياد, علماً أنه كان يبلغ وقتها 42 سنة و26 يوماً الأمر الذي جعله أكبر بطل أولمبي يفوز بذهبية في مسابقة ألعاب القوى حتى تاريخه, وقد بقي بعد ذلك في شرطة نيويورك حتى العام 1946, خادماً 41 عاماً.

صربيا

شاركت صربيا للمرة الأولى في الألعاب الأولمبية, وقد مثلت وقتها المملكة الصربية, وكانت البعثة مرسلة من قبل النادي الصربي الأولمبي, وقد حقق عداؤها دوشان ميلوسيفيتش المركز الثالث في تصفيات سباق المئة متر, فيما جاء دراغوتين توماسيفيتش في المركز السابع والثلاثين في سباق الماراثون.

مصر

سجلت مصر ظهورها الأولمبي الرسمي الأول في تاريخها والظهور العربي الأول أولمبياً, لكنها لم تحرز أية ميدالية في هذه النسخة, ومنذ ذلك الحين شاركت مصر في جميع الدورات الأولمبية الصيفية اللاحقة, ولم تغب إلا عن دورتين هما 1932 و1980, وقد سجلت مصر نتيجة مميزة في أولمبياد أمستردام 1928 محققة ميداليات أولمبية من المعادن كافة, عبر المصارعين إبراهيم مصطفى (1968-1904) والسيد نصير (1968-1905) اللذين فازا وقتها بذهبيتين في اليونانية-الرومانية, والغطاس فريد سيميكا الذي نال فضية وبرونزية عن سلم العشرة أمتار والثلاثة أمتار.

نزالات ماراثونية

في نصف نهائي المصارعة اليونانية الرومانية هزم الروسي مارتن كلين الفنلندي ألفريد أسيكاينن بعد نزال استمر إحدى عشر ساعة, يعتبر الأطول أولمبياً على مدى التاريخ الحديث, ولم يكن النزال متواصلاً بل كان يتوقف كل ثلاثين دقيقة للاستراحة, وقد حل الروسي في النهائي ثانياً بعدما خسر أمام السويدي كلايس يوهانسون.

وفي نزال مشابه في نهائي الوزن الخفيف الثقيل استمر لتسع ساعات, تم منح الطرفين وهما السويدي أندريس ألغرين والفنلندي إيفار بولينغ ميدالية فضية لكل منهما بعد استمرار التعادل.

ألعاب قوى

في سباقات الجري السريع حقق العداء الأميركي رالف كريغ (Ralph craig (1972-1898 أول «دوبليه» في التاريخ الأولمبي بعد فوزه في سباقي الـ100 والـ200م, ولم يشارك في سباق البدل مع فريق بلاده, وقد اعتزل كريغ مباشرة بعد نهاية الألعاب.

وفي ألعاب القوى أيضاً شهد سباق الماراثون حادثاً مأساويا إذ انهار العداء البرتغالي فرانسيسكو لازارو Francisco Lazaro في الكيلومتر الثلاثين متأثرا بدرجة الطقس العالية وأشعة الشمس, فتم نقله إلى المستشفى حيث فارق الحياة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى