الراحل العزاني.. الراعي الولهان

> «الأيام» صالح حسين الفردي:

> ليس سهلا أن يظل الفنان- أي فنان- عالقا في ذاكرة الناس، فتلك مزية لايصل إليها إلا من امتلك موهبة طاغية وثقافة فنية عميقة وذكاءً إنسانيا حادا، وهي صفات تقصر بالكثيرين من أرباب الهمم الفنية والدعائية ولكن الموهبة الحقة هي من تجد نفسها قد قطعت الطريق وسكنت القلوب وتجذرت في تراب الفن الأصيل.

من هؤلاء المبدعين الذين رسموا لوحة فنية خالدة، الفنان الرقيق والصوت الشجي المغمس بندى الأرض الندية والمموسق بخرير السواقي وهديل الطيور وصوت الروابي، ذلكم هو الفنان المتفرد صوتا وأداءً الراحل محمد صالح عزاني اللوحة الفنية الأنيقة التي ظهرت في نهاية السبعينات، وعلى الرغم من قصر الفترة الزمنية التي عاشتها هذه الذات الطربية الكبيرة إلا أنها تركت مدرسة فنية في الأداء التعبيري وتماهيه بقوة في تموجات الصوت الشجي الذي يترجم مشاعر العاشق الشاعر وأنين الملحن الفنان ومعاناة المغني المتعب الواهن، وقد كان المبدع العزاني بسني عطائه الفني القصيرة قد وهب الذاكرة الغنائية اليمنية روائع خالدة تزداد جمالا وقوة حضور كلما توغل بها الزمن قليلا، وتلك خصيصة لأزمة لكل عبقرية إبداعية في شتى فنون الحياة.

ولعلي في هذه الالتفاتة العجلى في فنون أيامنا الدائمة أقف قليلا عند ملمح آخر من ملامح نبوغه الفني العميق، إذ استوقفني كثيرا (الديالوج الغنائي.. الراعي الولهان) الذي جمعه وصبوحة الفن العدني صباح منصر في بداية انطلاقتهما الفنية الحقيقية كمبدعين تجاوزا حدود البدايات الأولى ليقدما لنا هذا الديالوج الغنائي المصور تلفزيونيا كسابقة أولى لتلفزيون عدن على مستوى الجزيرة والخليج في التصوير السينمائي الخارجي من خلال قصة عاطفية حوارية ترجمها المبدعان العزاني وصباح برقة متناهية مع القواسم الفنية الأخرى كالحوار الذي يبدأ بصوت ناي الراعي ويصاحبه (العزاني) غناء بدان لحجي شهير:

ليتني ياحبيبي بلتقي بك ياهلي

في السمر ساعة هنية لها شان

يتبع ذلك المقطع الحواري الأول للفتاة (صباح) :

ياصاحب الناي.. صوت الناي ذكرني

القلب مجروح.. جرح القلب يؤلمني

ويلك من الله.. ربعك.. لاتعذبني

كفاي ما نابني.. كفاي ما نابني.. يابوي.. يابوي ياغبني.

ثم تتابع المقاطع الحوارية متخذة من التنوع الإيقاعي والجمل اللحنية القصيرة مساحة للبوح اللاهث الملتقط للحظة الراهنة تلك بقوة في إنسيابية بين عاشقين يناجيان بعضهما بعضا، ويسكبان الوجع والشوق بمفردات رقيقة وصور لا تكلف فيها ولا حشو، وترفد هذه اللوحة الحوارية الغنائية تلك المشاهد الطبيعية الخارجية للراعي وبوشه والأزياء الخاصة بالشخصيات والعاذلين اللذين يختفيان لمراقبة العاشقين، ورغم ذلك تبدو من أحدهما حركات التأثر بما يرقب من تناغم جميل، فيخرج عن دوره وطوره، ويتهيج ساليا، فيعيده الآخر إلى وضعه السابق.

هذا النص الذي للأسف لم تسعفنا (يمانية) عدن بمؤلفه ولا ملحنه، وقد أشرنا إلى ذلك في مقال سابق في صحيفتنا «الأيام»، خاصة وهي تطل على الفضاء العالمي لأول مرة في تاريخها، وما يلفت في هذا الديالوج الحواري الغنائي أن الفنانين العزاني وصباح قد قدما رائعة حوارية قلَّ أن نجد لها شبيها في تاريخ الأغنية اليمنية، لذا سيظل العزاني نجما فنيا لايضاهى، وصوتا رخيما لن يتكرر، وهو بوح الروابي والريف الذي لن يصمت وإن رحل !.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى