الحلقة الثامنة ..الدورة السابعة 1920- بلجيكا تنفض غبار الحرب

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية :

>
كانت الحرب العالمية الأولى (1914-1918) ضيفاً ثقيلاً على الألعاب الأولمبية موقفة إياها قسراً ثمانية أعوام امتدت من 1912 إلى 1920, بإلغاء النسخة السادسة التي كانت مقررة في برلين ألمانيا العام 1916 نظراً لاستحالة إقامتها علماً أن الآمال بتنظيم الدورة وقتها لم تنكسر مع اشتعال الحرب, إذ لم يظن أحد أنها ستمتد لفترة طويلة.

فكان كوبرتان يشعر بامكانية تنظيم أولمبياد برلين, لكن الأمور تفاقمت سوءاً فما كان إلا أن ألغيت الدورة التي كان جهز لها ستاد أولمبي في برلين بني عامي 1912 و1913, لكن رغم إلغائها إلا أنها رقمياً احتسبت في ترتيب الدورات الأولمبية, بإيعاز من البارون بيار دو كوبرتان.

إعجاز بلجيكي

أصابت الحرب وما نتج عنها من ويلات ومأساة وانعكاسات صميم كوبرتان فبقي إلغاء دورة برلين 1916 محفوراً في قلب اعتصره ألم الدمار والتقاتل, وهو الذي عمل دوماً تحت شعارات إنسانية أخوية, إلا أنه رغم ذلك لم ييأس وكان مصراً عقب انتهاء الحرب بضرورة انعقاد الدورة السابعة في الموعد والتاريخ المفترض أن تجري بها, رغم عدم تبقي سوى ما يزيد عن السنة قليلاً للاستعداد, وعليه لم تكن مضت بضعة أسابيع على صمت المدافع, حتى جرى انعقاد مؤتمر للجنة الأولمبية الدولية في لوزان بسويسرا, حيث تقرر تنظيم الدورة الأولمبية السابعة في مدينة أنفير البلجيكية العام 1920..وجاء منح شرف الاستضافة لبلجيكا في المؤتمر الأولمبي السابع عشر الذي انعقد في لوزان في الخامس من أبريل حيث كانت عدة مدن مرشحة للاستضافة هي بالإضافة إلى أنفير, ليون (فرنسا), أمستردام (هولندا), أتلانتا (إيطاليا), فيلادلفيا (الولايات المتحدة), هافانا (كوبا) بودابست (المجر), وكان في البداية التوجه لبودابست لكن نظراً لأن امبراطور النمسا-المجر وقتها كان حليفاً لألمانيا في الحرب وقع الخيار على بلجيكا بعد مشاورات أولمبية, وجرى خلافاً لإرادة كوبرتان منع الدول التي كانت حليفة لألمانيا من المشاركة في دورة 1920, وهي بالإضافة لألمانيا والنمسا-المجر, بلغاريا, وتركيا.. لم يكن اختيار بلجيكا بالأمر السهل بل تحدياً أرادته الأولمبية الدولية وقتها وقفة دعم واحترام مع الشعب البلجيكي الذي عانى ظلم العدوان وقتها متكبداً الخسائر البشرية والمادية لفترة فاقت الأربع سنوات, لكن بمعزل عمّا عناه اختيار بلجيكا لاستضافة أولمبياد 1920 من معان شرفية وتقديرية إلا أن حملاً عظيماً ألقي على كاهل هذه الدولة التي كان عليها النهوض من ويلات أربع سنوات انمحت في خلالها بعض مدنها تماماً مثل إيبر وفورنس, والتحضير لألعاب أولمبية في غضون سنة فقط, لكن عملاً جباراً تغلب فيه البلجيك على وجعهم وتمكنوا من بناء ستاد أولمبي رائع توفرت فيه امكانية استضافة كرة القدم وألعاب القوى والسباحة والغطس وألعاب القاعات وغيرها.

جرت الدورة السابعة في الفترة الممتدة ما بين العشرين من أبريل والثاني عشر من أيلول من العام 1920, شاركت فيها 29 دولة من القارات الخمس للمرة الثانية, وهي, استراليا و نيوزيلاندا من أوقيانيا, والهند واليابان من آسيا, جنوب أفريقيا ومصر من أفريقيا, الأرجنتين, البرازيل, كندا, تشيلي, والولايات المتحدة من أميركا, الدنمارك, إسبانيا, استونيا, فنلندا, فرنسا, اليونان, إيطاليا, لوكسمبورغ, موناكو, النروج, هولندا, البرتغال, بريطانيا العظمى, السويد, سويسرا, تشيكوسلوفاكيا, يوغوسلافيا, وبلجيكا من أوروبا..وشكلت الدورة الظهور الأول لأستونيا والبرازيل وموناكو ونيوزيلاندا (كانت فيما سبق تشترك بفريق موحد مع استراليا), كما حلت دول مكان أخرى, مثل يوغوسلافيا مكان صربيا وتشيكوسلوفاكيا مكان بوهيميا.

واشتمل برنامج الدورة السابعة على إثنتين وعشرين رياضة ضمت مئة وأربع وخمسين مسابقة, والرياضات هي, ألعاب الماء (سباحة, غطس, كرة الماء), القوس والنشاب, الملاكمة, ألعاب القوى, الدراجات, الفروسية, المبارزة, كرة القدم, الجمباز, الهوكي, الخماسي الحديث, بولو, التجديف, الركبي, الإبحار, الرماية, كرة المضرب, شد الحبال, رفع الأثقال والمصارعة, أما عدد اللاعبين واللاعبات فبلغ 2626, منهم 65 لاعبة, وآلت الصدارة في النهاية للولايات المتحدة, بفارق كبير أمام السويد, بريطانيا, فنلندا وبلجيكا.

أمران ميزا هذه الدورة, الأول هو ظهور العلم الأولمبي, ذي القاعدة البيضاء المرسوم عليها خمس دوائر متداخلة تمثل القارات الخمس المأهولة, وتعود فكرته أي العلم, لكوبرتان العام 1913, علماً أنه تم التداول بفكرته منذ العام 1910, واعتمد رسمياً العام 1914, وأول رفع رسمي تم في أنفير في حفل الافتتاح, في حين أنه أدخل في حفل الختام بدءاً من دورة 1956, وبات يتم تسليمه إلى عمدة المدينة التي ستستضيف الدورة اللاحقة بدءاً من العام 1960, أما الأمر الآخر فهو القسم الأولمبي الذي ردد في الافتتاح في 14 أغسطس 1920 أمام ملك بلجيكا و35 ألف متفرج في الاستاد الأولمبي وقد قاله وقتها, لاعب المبارزة البلجيكي فيكتور بوان.

المسابقات الرياضية

بات وقتها السويدي أوسكار شوان أكبر رياضي يفوز بميدالية أولمبية عن عمر الـ 72 عاماً حين نجح في خطف فضية في الرماية, علماً أنه أكبر بطل أولمبي يفوز بذهبية أيضاً عن عمر 64 عاماً, وتألق لاعب المبارزة الإيطالي نيدو نادي حاصداً خمسة ألقاب, وشهدت ألعاب القوى تنافساً حاداً بين الولايات المتحدة وفنلندا, فيما نسائياً برزت بشكل ملفت إثيلدا بليبتري, التي تألقت في السباحة بفوزها بثلاث ميداليات ذهبية..أما قانوناً فالأبرز كان رسو مسافة جري الموانع على 3000م بصورة نهائية, كما سجلت في هذه الدورة الحالة الوحيدة أولمبياً التي جرت فيها مسابقة في دولتين, إذ جرى أحد سباقات الإبحار بين بلجيكا وهولندا.

برز العداؤون الفنلنديون للمسافات الطويلة في هذه الدورة وكانوا من أبرز نجوم ألعاب القوى والأولمبياد عموماً, في مقدمتهم سطع إسم العداء بافو نورمي paavo nurmi, الذي فاز بذهبية العشرة آلاف متر بفئتيها الفردي والفرق, وبذهبية الثمانية آلاف متر في اختراق الضاحية, وحصد أيضاً فضية الخمسة آلاف متر, علماً أنه حصد أولمبياً بشكل عام في مسيرته تسع ذهبيات وثلاث فضيات, وتألق أيضاً مواطنه هانيس كوليماينن Hannes Kolehmainen الذي فاز بمسابقة الماراثون بعد ثماني سنوات من تألقه في أولمبياد استوكهولم 1912, ونجح العداء ألبرت جورج هيل albert georges hill في أن يكون أول بريطاني جمع بين لقبي الـ800م والـ1500م..وفي سباقات السرعة خطف الأميركي شارلز بادوك Charles Paddock ذهبية المئة متر بتقنية جديدة ومميزة وقتها, حين قام بقفزة بلغت الأربع أمتار تقريباً قبل عبور خط النهاية, وفاز وقتها أيضاً بفضية الـ200م حيث آلت الذهبية لمواطنه آلن وودرينغ allen woodring وأحرز باتريك مكدونالد ذهبية رمي وزن الـ56 باوند, علماً أنه فائز بذهبية دفع الكرة الحديدية في ستوكهولم 1912, وبفضيتها في الدفع الثنائي (باليدين بشكل منفرد), وعموماً تصدرت الولايات المتحدة رياضة ألعاب القوى محرزة تسع ذهبيات شأن فنلندا إنما الفارق كان في الفضة, وجاءت بريطانيا ثالثة بأربع ذهبيات.

وشكلت هذه الدورة الظهور الخامس لرياضة كرة القدم أولمبياً وقد شارك في أنفير 14 فريقاً, جرت المباريات بطريقة خروج المغلوب حيث لعب 12 فريقاً في الدور الأول, تأهلت منهم 6 فرق حيث انضموا إلى بلجيكا الدولة المضيفة وفرنسا فخاضت الفرق الدور ربع النهائي, ثم نصف النهائي فالنهائي بين تشيكوسلوفاكيا وبلجيكا, الذي لم يكتمل بعد انسحاب التشيكوسلوفاكيين في الدقيقة 40 احتجاجاً على الحكم الانجليزي جون لويس, فألغيت نتائجها كلياً, واضطرت اللجنة المنظمة, خصوصاً بعد سفر المنتخب الفرنسي الذي كان خسر نصف النهائي أمام التشيكوسلوفاكيين, إلى إعادة مباريات تصفية شملت فرق خرجت من ربع النهائي مثل إسبانيا, فكان أن فازت بلجيكا في النهائي وجاءت إسبانيا ثانية وهولندا ثالثة.

وفي رياضة السباحة وبالرغم من مرور ثمانية أعوام على أولمبياد ستوكهولم, فقد نجح السباح الأميركي القادم من هاواي دوك كاهاناموكو Duke Kahanamoku من الحفاظ على لقبه في سباق المئة متر, وبرز بشكل ملفت مواطنه نورمان روس norman ross الذي فاز بسباقات الـ400م والـ1500م, والبدل 4×200م سباحة حرة, شأن مواطنته إثيلدا بليبتري التي أحرزت ألقاب سباقات 100م, و300م, 4×100م, في السباحة الحرة محطمة الأرقام العالمية في السباقات الثلاث, علماً أنها أول بطلة سباحة أولمبية أميركية, وقد تمكنت الولايات المتحدة في النهاية من حسم السباحة لصالحها بثماني ذهبيات من عشر.

وبرز بشكل فوق العادة لاعب المبارزة أو السلاح الإيطالي نيدو نادي Nedo Nadi الذي كان الأكثر تتويجاً بالذهب في أنفير بحصده 5 ذهبيات بثلاثة أسلحة مختلفة, علماً أنه استفاد كثيراً من غياب أبرز نجوم اللعبة وقتها من المجر ومن الاتحاد السوفياتي, فخاض عدداً كبيراً من المسابقات ونجح في حصد لقبين في الفردي وثلاثة في الفرق, حيث لعب أخوه ألدو نادي, الذي بدوره فاز ب 3 ذهبيات في الفرق وواحدة في الفردي, وقد تصدرت إيطاليا في النهاية المسابقة بـ 5 ذهبيات مقابل ذهبية واحدة لفرنسا.

وفي رياضات أخرى تصدرت فنلندا مسابقة المصارعة بخمس ذهبيات أمام السويد بثلاث, وفي رفع الأثقال نالت فرنسا المركز الأول بذهبيتين أمام بلجيكا واستونيا وإيطاليا بذهبية, وتقاسمت 6 دول ذهبيات مسابقة الدراجات الست وهي بريطانيا, السويد, هولندا, بلجيكا, فرنسا وإيطاليا, وتفوقت إيطاليا بالجمباز حاصدة ذهبيتين من أربع, وتصدرت الولايات المتحدة ذهبيات الملاكمة بإحرازها ثلاثة ألقاب أمام بريطانيا اثنين, وهيمنت النرويج على مسابقة الإبحار بشكل كبير بفوزها بسبع سباقات مقابل اثنين لهولندا ومثلها للسويد وبريطانيا, وأحرزت بريطانيا ذهبية شد الحبل أمام هولندا وبلجيكا, وقبضت الولايات المتحدة على مسابقة التجديف بثلاث ذهبيات أمام إيطاليا وسويسرا, كما فازت بريطانيا بذهبية كرة الماء أمام بلجيكا والسويد.

وقفات بارزة

سوزان لينغلين (1899-1938)

تعتبر واحدة من أبرز لاعبات كرة المضرب تاريخياً, فازت بذهبية الفردي الأولمبية العام 1920 بخسارتها فقط أربعة أشواط, وعززت ذهبيتها بأخرى بعد فوزها في الزوجي المختلط مع زميلها ماكس ديكوغيس, وببرونزية الزوجي مع إليزابيت دايين, فازت ببطولة ويمبلدون 6 مرات في الفردي و6 في الزوجي و3 في الزوجي المختلط, وبلغ مجموع ألقابها في الفردي 81 لقباً بينها سبعة دون أن تخسر شوطاً واحداً, و31 لقب غراند شلام, كما فازت بـ73 لقبا في الزوجي..وقد أصيبت بمرض فجائي في الدم فقدت نتيجته بصرها وسرعان ما توفيت.

أوسكار شوان (1927-1847)

هو أكبر رياضي أولمبي في التاريخ يحرز ميدالية, إذ تمكن في أولمبياد أنفير 1920 من الفوز بفضية بمسابقة الرمي عن عمر 72 عاماً, علما أنه فائز بثلاث ذهبيات وبرونزيتين في الأولمبيادين السابقين 1908 و1912, بينها ذهبيتين برونزية في الأولمبياد الأول عن عمر 60 عاماً, وذهبية وبرونزية عن عمر 64 عاماً, وبات حينها أكبر بطل أولمبي وهو ما زال حتى الآن يتصدر قائمة الأبطال الأولمبيين سناً, علماً أيضاً أنه شارك مع إبنه أكثر من مرة أولمبياً, ويحمل نجله بدوره ألقاباً ذهبية.

هوبرت فان إينيس (1961-1866)

هو رامي قوس ونشاب بلجيكي, حائز على أربع ذهبيات وفضيتين في دورة أنفير 1920, وذهبيتين وفضية في دورة باريس العام 1900, وجاءت ذهبياته في مسابقتين فرديتين عن مسافة 28م و33م, وفي مسابقتين للفرق عن مسافة 33م و50 متراً, أما فضياته فجاءت في الفردي عن مسافة 50 متراً, وفي الفرق عن مسافة 28 متراً, ويعتبر أكثر لاعب قوس ونشاب في التاريخ الأولمبي حاصداً على ميداليات.

آيلن ريغن (2002-1906)

أثارت الأميركية آيلن ريغن إبنة الأربعة عشر عاماً وصاحبة الـ1,40م طولاً, والـ29,5 كلغ, إعجاب الجميع بأدائها فنالت ذهبية في الغطس عن جدارة وأمست أصغر بطلة في أولمبياد 1920, ولم تكن خائفة من المنافسة كما قالت عقب فوزها, بل أثارت هلعها المياه غير النظيفة والموحلة, فخافت من عجزها عن الصعود من الماء إذا ما علقت في الوحول «لقد فكرت طوال الوقت المياه سوداء ولن يجدني أحداً إذا علقت..قد أموت ميتة رهيبة», عادت وشاركت في أولمبياد 1924, حيث فازت بفضية في الغطس, وبرونزية في سباحة المئة المتر ظهراً.

فيكتور بوان (1974-1886)

هو أول من ردد القسم الأولمبي عن الرياضيين في دورة أنفير 1920, وهو سباح بلجيكي متخصص في السباقات الحرة, ولاعب في رياضتي كرة الماء والمبارزة, شارك في الدورات الأولمبية 1908, و1912, و1920, وقد فاز بفضية مسابقة كرة الماء مع الفريق البلجيكي في دورة 1908, وببرونزية دورة 1912, وبفضية في المبارزة للفرق العام 1920, كما شارك في العام 1908 في تصفيات سباق 100 متر حرة لكنه خرج من الدور الأول.

إدي إيغان (1967-1897)

يعتبر الأميركي إدي إيغان رياضياً مميزاً في التاريخ الأولمبي, فهو الوحيد الذي نجح في حصد الذهب في الأولمبياد الصيفي أو الشتوي, اشتد عوده في عائلة فقيرة ومتواضعة, تمكن من شق طريقه ودخول أهم الجامعات, مثل هارفرد وأوكسفورد, وبات محامياً لامعاً, حكايته مع الذهب بدأها في أنفير حيث نال ذهبية الملاكمة في الوزن الخفيف الثقيل هازماً النروجي سفيري سورسدال, أتبعها لاحقاً باختراق نوعي حين بات أول أميركي يفوز ببطولة بريطانيا للهواة, إلى أن حقق إنجازه الشتوي بعد 12 عاماً, في دورة 1932, حين فاز بذهبية الـ «بوبسلاي» للفرق من 4 أشخاص, محققاً الـ «دوبليه» الأولمبية الوحيدة من نوعها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى