عبدالرحمن السقاف - شاعر تطارده القصيدة

> «الأيام» د. سمير عبدالرحمن الشميري:

> في تجوالي الشغوف في أزقة حارة القاضي (حافة القاضي - كريتر-عدن)، أشعر بحنين خاص لطفولتي, فهذه الحارة العتيقة تسكب أحاسيسها الحارة في وجداني.

هنا في أزقة هذه الحارة تشدك الذكريات للفنان أحمد قاسم، وفتحية الصغيرة، وأبوبكر سالم بلفقيه، ونبيهة عزيم، ورجاء باسودان، وصباح منصر، وأم الخير عجمي، ووديع هائل، والموسيقار يحيى مكي، وعازف الكمان نديم عوض، والمؤلف والمخرج والممثل محمد مدي.. في قلب حارة القاضي يعيش الشاعر عبدالرحمن السقاف، وعلى بعد أمتار من مسجد جوهر التاريخي وقبر المظلوم، هذا الشاعر المكلوم تخرج من أعماقه القصيدة طازجة كسمكة شهية من بحر صيرة دون تكلف في الصنعة.

لقد شد انتباهي رأي للشاعر الكبير محمد سعيد جرادة في 8 يناير 1989، عندما أخذ يتحدث عن هبوط مستوى الشعراء الشباب في تلك الحقبة الزمنية، وانتقد بشدة غير الموهوبين المغرمين دون بصيرة بشعر الشاعر الكبير أدونيس والفاقدين لنكهة الشعر والمتكلفين في الصنعة والإبداع، واستثنى من هؤلاء الشاعر الشاب عبدالرحمن السقاف.

لقد كان للشاعر أحمد شريف الرفاعي فضل محمود في رعاية الموهبة الشعرية لعبدالرحمن السقاف، وأخذ بيده صوب عالم الشعر في الوقت الذي نشاهد فيه اليوم مناظر تثير العبوس في النفس، حيث إن الكبار من الشعراء والأدباء يهملون القامات الشعرية الشابة التي هي في أمس الحاجة للرعاية والدعم النفسي والمعنوي مثل: الشاعر الشاب مازن فؤاد توفيق، وعمرو الإرياني.. وغيرهما.

فالشاعر عبدالرحمن السقاف كتلة ملتهبة من المعاناة الإبداعية يتميز بدقة الصورة الشعرية وحرارة التعبير ورهافة الحس، ويقرأ تفاصيل الزمان والمكان، ويلامس بمشاعر شهقات الناس الحارة والوجع الإنساني العام.

فلكل مبدع طقسه الخاص في الإبداع، فالروائي المصري جمال الغيطاني قبل كتابة النص الروائي يتشبع بسماع الموسيقى ويمارس رياضة المشي ويقرأ الشعر.

وثمة من يمارس عمله الإبداعي في طقوس استثنائية: فمنهم من يخزن القات عند الكتابة، وآخرون يحبون الجلوس في الظلام، وفريق ثالث يلبس الحلل الجميلة ويتعطر ويتوضأ.

فالشاعر محمد الماغوط (1934 - 2006) في لحظة الإبداع الشعري أو المسرحي ينسى ذاته، ولا يأبه لمن حوله، ويبقى فقط بثيابه الداخلية.

وثمة من يسرف في شرب القهوة والمنبهات، وزمر إبداعية أخرى تستمتع بمنظر الأقلام الكثيرة التي جمعتها فوق طاولة الكتابة، وتكسرها بعد الانتهاء من الكتابة مثلما كان يفعل المفكر الفرنسي فولتير (1694 - 1778) وصنف من المبدعين يكفون عن تناول الطعوم والأشربة في لحظات الإبداع.

فالشاعر عبدالرحمن السقاف مرهف الحس ومفعم بشحنة فريدة من القلق الإبداعي ينتقل من غربة إلى غربة، ومن وجع إلى آخر، ويمر بمراحل شائكة وعصيبة من المعاناة، فتولد القصيدة جميلة الجرس عالية اللذة وناعمة كقطرات الندى وشهية كالأحلام الرومانسية، فالقصيدة عند الشاعر عبدالرحمن السقاف هي الحياة والحركة والديمومة، وهي الشفاء من علك الجسد وأوجاع الروح، ومنها يشفى من الاكتئاب الاضطرابات الروحية الغليظة، وكأن لسان حاله يقول كما قال الفيلسوف كيركغادر (بالإبداع أشفي نفسي من أوجاعي وهمومي).

وكم مرة حاول الشاعر عبدالرحمن الكف عن كتابة الشعر، فطاردته القصيدة في الشارع وفي قلعته الصغيرة (المنزل)، وفي سكون عالمه الداخلي، فتصطاده القصيدة كما يصطاد الصياد الماهر فريسته.

فحياته مغموسة بالشعر، والقصيدة هي الرئة التي يتنفس منها الهواء، فهي شمعة أمله لتجاوز العتمة الدامسة، ولمصافحة أنامل الصباح، فينتج نصوصا شعرية عالية الجودة.يقول الشاعر العراقي سركون بولص:

«الشعر موطني وامرأتي وحياتي.. أنا لم أسع للشعر وإنما هو من استعمرني وخلق من قلبي وقلمي مستوطنة لم تجاهد من أجل التحرير.. إن كل شاعر هو صياد، والأبرع هو من يصطاد الأجمل والأبهى والأندر».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى