الحلقة التاسعة ..الدورة الثامنة 1924- آخر مهرجان برئاسة كوبرتان

> قطر «الأيام الرياضي» عن الجزيرة الرياضية:

>
فتحت باريس أبوابها واستقبلت للمرة الثانية الدورة الأولمبية بنسختها الثامنة بتمن خاص من البارون بيار دو كوبرتان الذي أراد أن يكون ختام حضوره للدورات كرئيس للجنة الأولمبية الدولية من وطنه الأم فرنسا لهدف أراد منه محو الصورة السيئة التي ظهرت بها بلاده حين استضافت الدورة الثانية العام 1900 ولاقت فشلت ذريعاً من جميع النواحي.

والتأكيد على مقدرة الشعب الفرنسي على احتضان كبرى التظاهرات الرياضية, وبالفعل نجحت فرنسا في ترك أثر بارز بالرغم من الصعوبات التي صادفتها من مالية أولاً وطبيعية ثانية تمثلت بفيضان نهر السين العام 1923 مخلفاً كوارث جمة أصابت البنوك والبنى التحتية وسائر المباني, إلا أنه رغم ذلك خرج الفرنسيون بدورة كبيرة شكلت مفترق طرق وثورة جديدة في المهرجانات الاولمبية إن كان عن طريق كثافة المشاركة أو النتائج الفنية والمنافسة أو التنظيم أو إقبال جماهيري.

لم يكن اختيار باريس لاستضافة الألعاب بالأمر السهل إذ اعترض بداية أعضاء اللجنة الاولمبية الدولية مفضلين منح شرف التنظيم لأمستردام الهولندية أو لوس أنجليس الأميركية, لكن بعد عدة مشاورات حصلت في المؤتمر التاسع عشر للجنة الاولمبية الدولية في لوزان بتاريخ الثاني من يونيو 1921, نال كوبرتان مبتغاه وتم اختيار باريس لاحتضان النسخة الثامنة العام 1924 بعد منافسة مع برشلونة الإسبانية وبراغ التشيكوسلوفاكية وروما الإيطالية إلى جانب المدينتين المذكورتين سابقاً, وجرى في هذا المؤتمر إقرار إطلاق الألعاب الاولمبية الشتوية وتم منح شرف استضافة أول دورة لمدينة شاموني الفرنسية في شتاء 1924.جرت أحداث دورة باريس ما بين الرابع من مايو 1924 والسابع والعشرين من يوليو من العام نفسه, اعتبر حفل افتتاحها رائعاً وترك أثراً كبيراً في النفوس وقتها, إلا أنه بالطبع يعد بسيطاً على ما بدأت تشهده الدورات بدءاً من العام 1970..وقد جرى الافتتاح في ستاد كولومب الاولمبي أمام 40 ألف متفرج في الخامس من يوليو بمشاركة 44 دولة.

جرى استعراض الدول وفقاً للترتيب الأبجدي فدخلت جنوب أفريقيا أولاً ويوغوسلافبا آخراً, ونالت فرق فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا النصيب الأكبر من التصفيق, وبعد ذلك أعلن غاستون دومرغ الرئيس الجديد لفرنسا وقتها رسمياً افتتاح الألعاب, وتم رفع العلم الأولمبي بعد بضعة عروض استعراضية ثم ألقى الرياضي الفرنسي جورج أندري الفائز بميداليات أولمبية في دورتي 1908 و1920 قسم الرياضيين كما شهدت هذه الدورة حفل اختتام في السابع والعشرين من تموز وقد شهد لأول مرة رفع الأعلام الثلاثة, الاولمبي والدولة المضيفة والدولة التي ستستضيف النسخة القادمة.

وأقيمت المباريات على ستاد كولومب الذي كان يتسع لـ45 ألف متفرج بينهم 20 ألفاً جالسين, وقد تم بناؤه بتمويل من راسينغ كلوب دي فرانس الذي نال 50% من عائدات الدورة, كما تم بناء حوض سباحة خاص «مسبح توريل» الذي بات وقتها أول حوض بطول خمسين متراً تم تقسيمه إلى حارات بعوازل من مادة الفلين, أما الرماية فقد جرت في رين بمكان شيد خصيصاً للدورة, فيما جرت الفروسية في الـ«هيبودروم دوتيي», واستضاف الفيلودروم الشتوي المشيد في باريس العام 1909 والمهدم العام 1959, مباريات الملاكمة والمصارعة ورفع الأثقال, واستضافت استادات بيرشنغ وبيرجير مباريات كرة القدم, واحتضنت مدن فرساي وباغاتيل وبيانكور سائر الألعاب, والملفت في هذه الدورة تشييد مبان لإقامة الوفود حول الستاد الرئيسي.

شارك في هذه الدورة 44 دولة بزيادة خمس عشرة دولة عن الدورة السابقة التي كانت تحمل الرقم القياسي من حيث المشاركة, ومثل هذه الدول 3089 رياضي ورياضية منهم 159 لاعبة, واشتمل برنامج البطولة على سبع عشرة رياضة ضمت 126 مسابقة, كما شهدت هذه الدورة ظهور الشعار الأولمبي «أسرع أعلى أقوى»رسمياً وتعود فكرته لشاب فرنسي ألهم كوبرتان به منذ العام 1894, كما شهدت الألعاب الظهور الاخير لكوبرتان كرئيس للجنة الأولمبية الدولية, ذلك أنه تنحى وسلم في العام التالي أي 1925 خليفته البلجيكي هنري دو باييه لاتور الرئاسة, وقد توفي كوبرتان في العام 1937.

والرياضات التي اعتمدت هي ألعاب الماء, ألعاب القوى, الملاكمة, الدراجات, الفروسية السلاح, كرة القدم, الجمباز الخماسي الحديث, بولو, التجديف, الركبي, الإبحار, الرماية, كرة المضرب, رفع الأثقال, المصارعة, أما من حيث الدول المشاركة, فقد سجل غياب ألمانيا للدورة الثانية على التوالي بقرار من اللجنة الاولمبية الدولية لدورها في الحرب العالمية الأولى, لكن الدول الأخرى المهزومة في الحرب والتي جرى استبعادها في الدورة السابقة عادت وشاركت, أما الدول التي حققت ظهورها الأول أولمبياً فهي إيرلندا, ليتوانيا, الفيليبين, الأوروغواي والإكوادور, فيما حققت لاتفيا وبولونيا ظهورهما الاولمبي الأول في الدورات الصيفية, وليس الاولمبية إذ سبق أن اشتركا في الدورة الشتوية الأولى في العام نفسه.

المسابقات الرياضية

شهدت المسابقات الرياضية الظهور الأخير لرياضة كرة المضرب أولمبياً, فغابت بعدها فترة طويلة إلى أن عادت للظهور العام 1988 في دورة سيول, وسجلت رياضة المبارزة لدى السيدات إطلالتها الأولى أولمبياً, وشهدت الدورة بعض الرياضات الاستعراضية مثل الملاكمة الفرنسية, والكانوي الكندي, وبيلوت باسك (رياضة تلعب بالمضرب), وكان دو كومبا (رياضة قتالية), وتمكنت في ختام المنافسات الرياضية التي جاءت عالية المستوى خصوصاً في ألعاب القوى, الولايات المتحدة من تصدر الترتيب العام للميداليات أمام فنلندا الثانية وفرنسا الثالثة.

وفي أبرز النتائج الرياضية دمغ العداؤون الفنلنديون البطولة بطابعهم الخاص بعد سيطرة كبيرة على مسافتي الطويل والمتوسط فسميوا «الفنلنديون الطائرون», بنجاحهم في الفوز بثماني ذهبيات وبإثنتي عشرة عموماً, أكثرهم لمعاناً كان بافو نورمي Paavo Nurmi الذي أحرز عدة ألقاب في أنفير العام 1924 لم تشبع نهمه, ففاز بخمس ذهبيات في باريس, بدأها في 10 يوليو بفوزه بذهبية الـ1500م, أتبعها بذهبية الـ5000م بعد ساعتين, ثم فاز بعد يومين بذهبية اختراق الضاحية متقدماً وصيفه بدقيقة و24 ثانية, وزاد غلته في مسافتي الـ3000م واختراق الضاحية للفرق.

فنلندي آخر برز في الدورة هو في ريتولا الذي لم يكن معروفاً كثيراً حين حضر لباريس إلا أنه شيئاً فشيئاً تألق بعد فوزه بسباق الـ10 آلاف متر محققاً رقما عالميا جديدا, ثم فاز بذهبية الـ3000 م متر موانع بفارق وصل إلى خمسة وسبعين متراً عن الثاني, وكان أيضاً في عداد المنتخب الفنلندي الذي فاز بذهبيتي الـ3000 آلاف متر واختراق الضاحية،ولم يكن هذان العداءان الوحيدان من الفنلنديين الذين نالوا نصيبهم من التألق, فقد أحرز ألبين ستينروس Albin Stenroos ذهبية الماراثون بفارق أكثر من 6 دقائق عن الثاني, ونال إلياس كاتز Elias Katz عوضاً عن ذهبية الـ3000م للفرق, فضية الـ3000 متر موانع, كما صعد إلى منصة التتويج كل من إيرو بيرغ eero berg وهيكي ليماتاينن heikki liimatainen المتوجين في المسافتين المتوسطة والطويلة.

وفي رياضة السباحة لمع إسم السباح الأميركي جوني ويسمولر Johnny Weissmuller الذي تألق بشكل بارز وفاز بثلاث ذهبيات و برونزية عن عمر 19عاماً, وقد بدأ حصده للمراكز الأولى في سباق الـ400م حرة حين تقدم في النهاية منافسه السويدي أرني بورغ بأكثر من ثانية, وأعقب ذلك بعد بضعة أيام فوزه بلقب المئة متر حرة هازماً مواطنه النجم ديوك كاهاناموكو الذي تألق في دورات سابقة, مسجلاً 59 ثانية, وتلا هذا الانتصار بآخر حين توسط منصة التتويج بعد نيله المركز الأول في مسابقة التتابع 4×200م مع زملائه الأميركيين متقدمين الفريق الثاني بتسع ثوان, ولم يكتف النجم الأميركي بميداليات السباحة, بل فاز مع فريق بلاده في كرة الماء ببرونزية المسابقة.

ولم تقتصر النجومية في هذه الدورة على من ذكر, لكن في رياضة المبارزة ظهر الفرنسي روجيه دوكري roger ducret وخطف الأضواء في هذه الرياضة عقب فوزه بأربع ميداليات, الأولى في الـ«فلوري» الفردي بفوزه على مواطنه فيليب كاتيو, ثم نال ذهبية في الفرق مع فرنسا بالفوز على بلجيكا في نفس المسابقة, أتبعها بذهبية فرق أخرى في الـ«إيبي» ضد بلجيكا أيضاً, قبل أن يعزز غلته بفضية الـ«سابر» الفردي. وشهدت مسابقة المبارزة الظهور النسائي الأول, وقد نالت الميدالية الذهبية الدنماركية إلين أوزيير Ellen osier..وفي رياضة أخرى نالت الولايات المتحدة ذهبية الركبي بفوزها على فرنسا 3/17, وأحرز لاعب كرة المضرب الأميركي فينسان ريشار ثلاث ميداليات بينها ذهبيتين في فردي وزوجي الرجال, وتألق فريق الدراجات الفرنسي محرزاً ست ميداليات في ست مسابقات بينها أربع ذهبيات, ونال منتخب الأوروغواي ذهبية كرة القدم وقد خطف لاعبه خوسيه أندرادي الأنظار بمهاراته الفائقة ونال جائزة أفضل لاعب في البطولة, وفي الجمباز ذاقت الدول الست التي دخلت جدول الترتيب في هذه المسابقة طعم الذهب, وتقاسمت الولايات المتحدة وفنلندا المركز الأول في المصارعة عقب فوز كل من الدولتين بأربع ذهبيات مع فارق في الفضة للثانية.

وقفات بارزة

رموز وعادات وأرقام

شهدت هذه الدورة الإطلالة الأولمبية الأولى لشعار «أسرع أقوى أعلى» الذي كان تحدث عنه كوبرتان في الدورة الأولى 1896 في اليونان.

كما ظهر تقليد جديد في هذه الدورة هو رفع العلم الأولمبي وعلم الدولة المضيفة وعلم الدولة التي ستستضيف الحدث القادم في الحفل الختامي..كما جرى تغطية هذه الألعاب من قبل ألف صحفي كما حضر الدورة 625 ألف متفرج عموماً, وشهدت بالإضافة للمسابقات الرياضية مسابقات فنية لم تدرج في الترتيب العام.

جوني ويسموللر (1984-1904)

بات نجماً فوق العادة في هذه البطولة بانتصاراته التي منحته ثلاث ذهبيات وبرونزية, عززها بذهبيتين في أولمبياد 1928 في أمستردام-هولندا, فاز بإثنتين وخمسين بطولة في الولايات المتحدة الأميركية, وحقق 67 رقماً قياسياً عالمياً لم تقتصر نجوميته على الرياضة إذ دخل عالم التمثيل وأدى دور «طرزان», واعتبر أبرز من لعب هذه الشخصية التي أداها أكثر من إثني عشر ممثلاً.

جاك بريسفورد (1977-1899)

لاعب تجديف بريطاني, حائز على خمس ميداليات أولمبية في خمس دورات أولمبية متعاقبة, وهذا رقم قياسي عادله فيه فيما بعد البريطاني الآخر ستيف ريدغرايف, فاز بذهبية في باريس العام 1924, وأخرى العام 1932 في لوس أنجليس, وكذلك العام 1936 في برلين, كما يحمل فضيتين في أنفير 1920 وأمستردام 1928, منح الشهادة الاولمبية للاستحقاق في العام 1949, درب لاحقاً فريق التجديف البريطاني في أولمبياد 1952, والده كان لاعب تجديف أيضاً وحائز على فضية في أولمبياد 1912.

قرية الرياضيين

شهدت هذه الدورة بناء أول قرية أولمبية للرياضيين, طبعاً ليس بالمفهوم وبالشكل المعروف اليوم, وكانت عبارة عن غرف خشبية شيدت حول الستاد الأولمبي «كولومب» لم يكن فيها الكثير من وسائل الراحة لكنها شكلت نقلة جديدة في التطور الاولمبي للدورات المتعاقبة.

أما أول قرية أولمبية اشتملت على العديد من وسائل الراحة فهي تلك التي شيدت في دورة لوس أنجليس العام 1932.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى