تاريخ الإذاعة في عدن

> «الأيام» نجمي عبدالمجيد:

>
من اليمين: توفيق إيراني مدير الأذاعة، الأستاذ محمد علي لقمان، الأستاذ محمد علي باشراحيل، وخلفهم الأستاذ محمد سعيد جرادة واثنان من الموظفين الإنجليز والأستاذ علي محمد لقمان وأخوه حامد في أقصى اليسار بجانبه شخصية غير معروفة
من اليمين: توفيق إيراني مدير الأذاعة، الأستاذ محمد علي لقمان، الأستاذ محمد علي باشراحيل، وخلفهم الأستاذ محمد سعيد جرادة واثنان من الموظفين الإنجليز والأستاذ علي محمد لقمان وأخوه حامد في أقصى اليسار بجانبه شخصية غير معروفة
عرفت مدينة عدن الإرسال الإذاعي لأول مرة في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945)، وكانت المواقع الرئيسة لبث أخبار الحرب والأحاديث الموجهة للعامة هي (قسم شرطة الشيخ عثمان، قسم شرطة عدن، قسم شرطة التواهي).

من خلال المواقع التي كانت تنطلق منها تلك الإذاعات ندرك أنها تتبع المؤسسات العسكرية - الأمنية لحكومة عدن البريطانية، وهي وليدة ظروف عالمية سببتها أهمية عدن في تلك الحرب، إضافة إلى وجود الكهرباء فيها من أجل إيصال المعلومات عبر الراديو للناس، ووجود جهاز الراديو الكهربائي في عدن يدل على اتصالها الإعلامي والثقافي مع العالم، وقد نشرت صحيفة «فتاة الجزيرة» في العدد 6 السنة الأولى يوم الأحد 4 فبراير 1940 هذا الإعلان.

أسطوانات التاج العدني

السيد علي بن عبدالله الصافي وإخوانه في أول شارع الزعفران أمام محل أدلجي في عدن.. ستجدون في محلنا أجهزة الراديو ماركة (ماركوني) الإنجليزية الشهيرة و(أمرسون) الإميركانية، وأنواع الجراموفونات ماركة (هزماسترويس) و(ديكا وريكس)، وأسطوانات التاج العدني الشهيرة بالأغاني العدنية واللحجية والصنعانية وغيرها وإبر الجراموفونات وشنطات لحفظ الإسطوانات.

الراديو والإنجليزية

وفي العدد نفسه نشر هذا الموضوع الصحفي: «أصغى عدد كبير من طلبة المدارس في عدن إلى إذاعة لندن يوم الثلاثاء مساء عند أول درس بالإنجليزية.. وقد تابعنا هذا الدرس باهتمام فوجدنا أن الطالب في المدرسة الثانوية يستطيع أن يستفيد كثيرا من التلفظ الصحيح بالإنجليزية والتوكيد اللفظي، خصوصا أن طلبة المدارس هنا لايندمجون بتلامذة بريطانيين كي يحاكوهم في لتلفظ الصحيح».

أهمية عدن

في العدد 10 من «فتاة الجزيرة» الصادر يوم الأحد 3 مارس 1940 في باب أخبار محلية نشر ما يلي: «أهمية عدن.. أذاعت محطة نشر الأخبار اليومية الرسمية في عدن ما يفيد أن عدن أصبحت من الأهمية وعلى جانب عظيم، ومن الأدلة على ذلك أن محطة الإذاعة في لندن تنشر بين الفينة والفينة ملخص المقالات التي تكتبها «فتاة الجزيرة» لاهتمام الحكومة البريطانية بشؤون جنوب الجزيرة العربية..».

«فتاة الجزيرة»: «أما محطة برلين فلا نسمع منها إلا السب والشتم الموجه إلى رجال العرب وقاداتهم، وكأن الألمان قد أصبحوا أدرى بمصالح العرب من العرب أنفسهم».

افتتاح إذاعة عدن

في العدد 38 من «فتاة الجزيرة» الصادر يوم الأحد 15 سبتمبر 1940 في باب أخبار محلية نشر هذا الخبر: «افتتحت عدن في هذا الأسبوع محطة للإذاعة (الراديو) على الموجة 24 القصيرة، تبدأ الساعة السابعة والنصف مساء كل يوم.

وقد بعث السر برنارد رايلي من لندن رسالة يهنئ فيها أهالي عدن بهذه المحطة التي سوف تكون واسطة اتصال بينهم وبين جميع البلدان العربية.

وألقى نائب الوالي صاحب السعادة المستر أنجرامس كلمة ضمنها سروره بهذه الوسيلة الجديدة للتعاون والاتصال بالمحبين والأصدقاء في اليمن وحضرموت وزنجبار وغيرها من البلدان العربية.كما تحدث صاحب السمو السلطان السر عبدالكريم فضل سلطان لحج مشيرا إلى نفع هذه المحطة في هذا الوقت الذي فيه على العرب أن يعاضدوا حليفتهم وصديقتهم بريطانيا العظمى. وقرأ بعد ذلك الأستاذ ستيوارت بيرون مدير مكتب النشر رسالة من اللورد جورج لويد يمدح فيها نشاط عدن وتقدمها.. إذ قال:«أصبح فيها جريدة عربية لأول مرة ولديها اليوم محطة للإذاعة.. وإننا نشكر الساعين لتأسيسها، إذ أصبح صوت عدن يسمع في جميع أقطار الدنيا أسوة بأمهات المدن في العالم المتمدن»».

هذه المعلومات تؤكد أن مدينة عدن عرفت الإذاعة في تلك الحقبة من التاريخ، وهي صاحبة الريادة في هذا الجانب الذي جعل من عدن حلقة وصل مع العالم عبر الأثير، وتلك صفة تميزت بها عدن رياديا في أكثر من مجال، وقد أهل عدن على صلة مع إذاعة لندن العربية منذ 3 يناير 1938.

الموقف الحربي الحاضر

من وثائق تلك المرحلة المتصلة بتاريخ الإذاعة في عدن هذا الحديث الذي ألقاه محرر صحيفة «فتاة الجزيرة» من محطة صوت الجزيرة في عدن بتاريخ 1940/9/13 وإعادت نشره «فتاة الجزيرة» في العدد 39 السنة الأولى تاريخ 22 سبتمبر 1940، وهذا هو نص الحديث: «مضى عام وانقضى منذ شبوب نيران هذه الحرب، وقد أطل علينا العام الثاني والعالم مشرئب متطلع إلى ما سيحدث في الأيام القادمة من تطورات ومن أحداث.. ولست هنا بصدد التنبؤ عن الحوادث السياسية والعسكرية، ولكني سوف أشرح الموقف وما يترتب على ذلك من سير الأمور.

ضربت ألمانيا عدة دول أوروبية ضربات قاضية، فقضت على معالم مجدها واستقلالها.. وكان الناس يعتقدون عقب سقوط فرنسا أنه قد آن الأوان لتسليم بريطانيا ووضعها السلاح بعد أن شاهدوا كيف خذلها ملك البلجيك وعرض جيشها للفناء، وكيف وضعت فرنسا السلاح وأصبحت أساطيلها البحرية والجوية في متناول الألمان، وكيف تخلت فرنسا عن كميات هائلة من الذخائر والأسلحة لعدوها وعدو حليفتها، وساد الاعتقاد عندئذ أن بريطانيا العظمى ستتخلى عن إمبراطوريتها الواسعة لتركز قواها في الجزر البريطانية للدفاع عنها وصد الهجوم الألماني المنتظر.ولكن الأشهر مرت شهرا فشهرا وبريطانيا تزداد ثقة بقوتها يوما فيوما، وسلاحها الجوي يزداد نشاطا ساعة فساعة، وإمبراطوريتها الواسعة يشتد تماسكها واتحادها وتعاونها معها بصورة لم يعرف لها مثيل في تاريخها.

ونحن إذا ما ألقينا نظرة خاطفة على نتائج الحرب حتى اليوم نجد أن بريطانيا قد استطاعت أن تضيف إلى عدد بواخرها التجارية عددا كبيرا يربو على ما خسرته منذ اندلاع لهب الحرب من بواخر حليفاتها النرويج وهولندا وفرنسا وبولونيا، ومما استولت عليه من بواخر ألمانيا وإيطاليا والدانمارك.

وقد ابتاعت يوم ذكرى الحرب الحاضرة خمسين مدمرة من الولايات المتحدة عوضت بها ضعف ما غرق من مدمراتها تقريبا، وضمنت تعاون الولايات المتحدة معها في الدفاع عن ممتلكاتها في العالم الجديد أثناء اشتغالها بهذه الحرب.

وقد أصبح لديها اليوم أعوان وأنصار كثيرون في أمريكا وفي الإمبراطورية ومستعمرات هولندا وبلجيكا وفرنسا، لأن مستعمرات الدول الأخيرة، قد بدأت تعلن تضامنها مع إنجلترا في نضالها الحاصر.

وجدير بالذكر أن مصر والعراق والبلدان العربية الأخرى قد شعرت كلها بالخطر الداهم الذي يهدد كيانها منذ دخول إيطاليا الحرب، فأخذت الممالك العربية تميل كل الميل نحو بريطانيا العظمى، وتعطف على قضيتها وتتمنى لها النصر.

واستطاع المستر شرشل بسياسته القوية الحكيمة أن يحول دون وقوع الأسطول الفرنسي في شباك الألمان والطليان، وأن يجبر الأسطول الإيطالي على الانكماش في زوايا قواعده، وأن يعزز قوته العسكرية في الشرق الأدنى.

أما ألمانيا فإنها لم تستفد من اكتساحها لأوروبا إلا فائدة مؤقتة، لن تدر عليها العسل ولا الخير الدائمين، بل لربما برهن الشتاء القادم، أن هذه الممالك التي أخضعتها لسيفها المصلت سوف تكون عبئا ثقيلا تنوء بحمله.. وهي قد خسرت تجارتها في أمريكا والشرق، وأصبحت محصورة بين جدران مملكاتها.. وكل ما قامت به منذ نهاية معركة فرنسا مقتصر على غاراتها المتواصلة على الجزر البريطانية وعلى ما تقوم به غواصاتها من الأعمال المعروفة.. ورغم هجومها الكبير وتحليق مئات من طائراتها فوق سماء إنجليزا في كل يوم وليلة فإن الأضرار الناجمة لاتذكر في جانب المرمى الحقيقي من إحراز النصر الذي لن يتم بقتل بضعة آلاف من المدنيين أو بتدمير بضعة مئات من المنازل.. وهي إن أرادت أن تحطم جميع المصانع الحربية الإنجليزية وطرق المواصلات، فسوف تحتاج إلى قذف عشرات الملايين من القنابل في كل جهة وكل ناحية.. كما يتحتم عليها أن تغزو مصادر النفط في أرجاء العالم، وكل ذلك أمر مستحيل، هذا إلى جانب ما تخسره من مئات الطائرات في غاراتها على بريطانيا.

وإيطاليا لم تستفد من غزوها للصومال البريطاني شيئا رغم تضحياتها العظيمة في هذا السبيل، وهي لابد متخلية عنها إن لم تكن قد فعلت لفقر البلاد من المواد الغذائية، ولما أعرف شخصيا عن طبيعة هذه البلاد.

لن تمر أيام معدودات إلا وقد غمرت الثلوج سهول أوروبا وحزونها، وتجمدت الأنهار وأصبح الطقس لايطاق، وانعدم القوت واضطر الناس للتدفئة والغذاء.. ولكن أنى لهم كل ذلك وألمانيا محتاجة لكل قطعة من القوت لجنودها وشعبها، وقد بسطت يديها على جميع المخزونات في الممالك المغلوبة، والحصر يشتد، والنفط ينفذ من مستودعاته، وسلاح الطيران البريطاني يستعد للقيام بأعمال جبارة ضد العدو لإحراج مركزه.. وقد ألقى الهر هتلر خطابا يوم ذكرى إعلان الحرب يدعو شعبه فيه إلى وجوب الاستعداد لتخفيف ويلات الشتاء القادم، بعد أن كان يؤكد له والعالم أجمع بأنه سوف يحرز نصرا فجائيا.. وتصريحه بأن أحد المتحاربين، ألمانيا أو بريطانيا، سوف يسقط محطما تحت نيران هذه الحرب.. يشهد بتزعزع عقيدته بالنصر وأن الزمن قد بدأ يقلب له ظهر المجن.

وغريب جدا أن نرى أن بريطانيا تسحب قطعا كبيرة من أسطولها البحري وترسلها إلى البحر الأبيض لتعزيز قواها هنالك.. أفلم تعد بريطانيا- يا ترى- تبالي بهجوم المانيا؟! ولم تعد تأبه بسلاحها السري حتى خففت من قوة أسطولها في بحر الشمال؟ أم أن قواتها الجوية النامية قادرة على القيام بالدفاع والهجوم، ولابد أن تجعل هذه الحوادث هتلر يفكر طويلا بعد ما ظهر ضعف إيطاليا في البحرين الأبيض والأحمر.. وبعد أن أصبحت مصر مستعدة للدفاع عن نفسها إذا ما حدث العدو نفسه بالاعتداء عليها.

وكل يوم يمر تخسر فيه ألمانيا وتربح فيه بريطانيا، والآن البحار مقترحة أمامها والولايات المتحدة والإمبراطورية تمونانها بجميع محتاجاتها الضرورية.. وكلما قويت شوكتها ازداد الناس بها تعلقا وأملوا بانتصارها نيل حقوقهم وحريتهم.. ولن يستطيع هتلر أن يخفي عن شعبه طويلا ضعفه حتى لو قام بمغامرة جديدة في البحر الأبيض المتوسط أو بهجوم على الجزر البريطانية، فإن ذلك لن يقربه من النصر قيد شبر.. وهو لو فعل ذلك لدل على جهله التام بروح الشجاعة والتضحية في الشعب الإنجليزي وبقوته البحرية والجوية.. هل تضمن البلدان العربية حريتها وعيشها بانتصار ألمانيا وإيطاليا؟ والجواب أن إيطاليا تحلم باستعمار مصر والسودان وتونس ومراكش ليصبح لديها إمبراطورية أفريقية لا نظير لها.

وألمانيا تحلم بالوصول إلى الهند بطريق تركيا وسوريا والعراق.. فإذا نحن فاعلون.. إنه من واجب الأمم العربية أن تتضامن مع بريطانيا العظمى، وأن تعد العدة للحوادث والزمن، وهم حلفاؤها وأصدقاؤها.. وعلينا كلنا أن نضحي بالأموال والأرواح في سبيل قضية العدل والحرية ضد الطغيان والعدوان اللذين لا مبرر لهما.. والمدنية بأسرها تواجه أياما قد يكون فيه القول الفصل في مستقبل الأمم.

حوادث عالمية

بتاريخ 1940/10/4 ألقى المحور السياسي هذا الحديث من محطة صوت الجزيرة في عدن، وقد أعادت نشره صحيفة «فتاة الجزيرة» في العدد 42 بتاريخ 13 أكتوبر 1940، وقد جاء فيه: «سيداتي سادتي.. أعدت ألمانيا العدة لغزو بريطانيا وأخذت تذيع على العالم خبر قرب قيامها بهذا الغزو.. فأرسلت جيوشا جرارة من جنودها المدربين إلى الشواطئ الهولندية والبلجيكية والفرنسية، وحشدت عددا كبيرا من الصنادل والبواخر والغائصات وقوارب الطوربيد السريعة في موانئ القناة الإنجليزية، ومهدت لهذا الهجوم بغارات عنيفة على لندن وجنوب بريطانيا الشرقي.

ولكن الشعب الإنجليزي قابل كل هذه الغارات بسكينته وثباته المعهود، فلم تؤثر الحرائق في لندن ولا التدمير في المباني والمساكن على معنوية هذا الشعب الباسل، فدافع سلاح الطيران الملكي بشجاعة وإقدام وألحق بسلاح الطيران الألماني خسائر عظيمة هدت قواه وزعزعت أمله في إحدات الذعر والقلق في إنجلترا.

من اليسار يظهر الأستاذ محمد علي باشراحيل من الرعيل الأول للإذاعة وولي الله الصالح العيدروس والأستاذ توفيق إيراني مدير الإذاعة عام 1954
من اليسار يظهر الأستاذ محمد علي باشراحيل من الرعيل الأول للإذاعة وولي الله الصالح العيدروس والأستاذ توفيق إيراني مدير الإذاعة عام 1954
وقامت قاذفات القنابل البريطانية بالهجوم على فلشنج في هولندا وعلى أنغرسه وغنت وزبروجة وأوستند ودنكرك في بلجيكا وعلى كاليه وبولوني ولا هافر وبرست وشر بورج وأخيرا على لوريان في فرنسا، فدمرت تلك الموانئ والمرافئ التي يمكن أن يستخدمها الألمان كقواعد لغزوهم، وأحرقت صهاريج النفط ومخازن العتاد والذخائر والمؤن الحربية فيها، وأهلكت ما لايقل عن 50 ألفا من جنود الهجوم الذين أعدهم الألمان.. ولم تكتف بكل هذا بل أغارت على ألمانيا نفسها وعلى برلين وجعلت أهدافها طرق المواصلات والمصانع والقنوات والترسانات ومحطات السكك الحديدية في هامبورج وهام ومنستر ودسلدورف وغيرها من المدن الصناعية المهمة كبريمن وأشتتين، ونجم عن كل ذلك تأخر الغزو الألماني عن موعده، بل ربما تأخر إلى غير ميعاد. وإنني أرى أن هذه الغزو لم يعد ميسورا بعد أن افتضح أمره وبعد أن أعدت بريطانيا له دفاعا لا قبل للألمان بالتغلب عليه.. وقد قدر الخبراء أن ألمانيا لو أرادت أن تهاجم الجزر البريطانية بخمس فرق لاحتاجت إلى 250 سفينة لنقلهم مع معداتهم الخفيفة فقط، والفرقة عشرون ألفا من الجنود، وهذه لاتقوى على الوقوف حتى بضع ساعات أمام القوات المدافعة، ووصول هذا العدد الضخم من البواخر إلى الشاطئ البريطاني دون تنبه الأسطول المرابط أمر مستحيل، لذلك يتحتم على ألمانيا أن تقضي أولا على قوتي بريطانيا البحرية والجوية قبل أن يتحقق لها إمكان هذا الغزو.. لذلك تبددت أحلام الألمان في إخضاع الجزر البريطانية فوجهوا جهودهم نحو أفريقيا ودفعوا بجيش غرازياني لغزو مصر فاحتل السلوم وسيدي براني وتوقف عن الاستمرار في سيره لما لاقاه من ضربات الأسطول البحري وقنابل الطائرات البريطانية التي لم تتركه ساعة دون أن تلحق بجيشه ومعداته أضرارا فادحة.

وإيطاليا لاتستطيع أن تكتسح مصر إلا بجيش عرمرم ومعدات كبيرة، ولكنه لايتأتي لها أن تستورد إلى ليبيا شيئا كثيرا من إيطاليا وألمانيا إلا تحت جنح الظلام عند غفلة الأسطول البريطاني، وإن كان ليغفل، وهو لاينفك مهاجما لموانيها في بنغازي وطبرق وبارديا وكابوتزو والسلوم وسيدي براني.. ومثل هذا التهريب من إيطاليا بطريقة جزائر بانتاليريا مثلا لن يمون الجيش الإيطالي بجميع لوازمة ومعداته ويحقق له ما يروم من مصر.

ومصر لن تقف مكتوفة اليدين إذا ما اعتدى الطليان على أرضها، فإنها سوف تدافع عن وطنها ومقدساتها بالنفس والنفيس.. وكذلك قد تفكر ألمانيا في غزو مصر من طريق أسبانيا، ولكن اكتساح جبل طارق أمر متعذر ويكفي للدلالة على ذلك قول أحد الخبراء الأمريكيين: «إن جبل طارق أمنع حصن في العالم، ومن الهوس الاعتقاد بأن في العالم قوة تستطيع التغلب عليه..»، وهكذا استنتج أن الهجوم على مصر عمل شاق محفوف بالأخطار لاتستطيعه إيطاليا حتى ولو جاءت ألمانيا لمساعدتها.. وربما أن هتلر كان يظهر سخطه دائما على نصوص معاهدة فرساي فإن الناس بعد ما رأوا ما أصاب رومانيا أخيرا، وما هي متعرضة له، اعتقدوا أنه لم يبق في جنوب أوروبا الشرقية إلا يوغوسلافيا متمتعة بما منحتها إياه تلك المعاهدة، وأن هتلر وموسوليني لن يتركاها وشأنها، لاسيما وإيطاليا تطمع في السيطرة التامة على بحر الأدرياتيك بالاستيلاء على الدلمات وجزيرة كورفو اليونانية.. ولكن عبقرية هتلر هذه المرة تفتقت عن مناورة دبلوماسية جديدة بتجديد ميثاق محور برلين - روما - طوكيو ورمت بإبرامه إلى تهديد الولايات المتحدة لتمنعها عن مد يد المساعدة إلى بريطانيا العظمى، ولكنها بعملها هذا جعلت الولايات المتحدة تزداد رغبة في نصر بريطانيا وميلا إلى تقديم كل مساعدة لها».

وكانت الإذاعة العدنية نفسها قد أذاعت حديثا للأديب الراحل الأستاذ عبدالرحيم لقمان عنوانه (العراق الجديد) بتاريخ 18 سبتمبر 1940، إعيد نشره في «فتاة الجزيرة» العدد 41 تاريخ 6 أكتوبر 1940.. كذلك كانت إذاعة صوت الجزيرة من عدن تذيع بيانات الحرب مثل (ماذا حدث حقيقة للبحرية الفرنسية) الذي جاء من لجنة هيئة الإذاعة الموحدة، وقد أعادت نشره «فتاة الجزيرة» في العدد 42 تاريخ 13 أكتوبر 1940.

كل هذه المعلومات تدل على ريادة عدن بمجال الإذاعة ونوعية ما كانت تقدم من أحاديث.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى