من شواهد الآثار والمستوطنات في حضرموت

> «الأيام» عبدالقادر باراس:

>
مستوطنة جوجة في شبام
مستوطنة جوجة في شبام
عُرفت حضرموت منذ فجر التاريخ نشاطاً عمرانياً يحكي عن وجود مستوطنات عديدة فيها تشكل مدخلاً واسعاً لدراسة التاريخ القديم والمعاصر بكل تجلياته وأبعاده ومرتكزاته . وقد توحدت رؤى كل من زار حضرموت إنها تشكل كنزاً ومتحفاً واسعاً ومفتوحاً وشاهداً على عمق إنساني وعالمي سيظل محفوراً في ذاكرة البشرية.

وتؤكد الآثار التاريخية التي دلت على وجود العديد من الاكتشافات فيها، التي تمت بواسطة الرحالة والباحثين الأجانب في حضرموت، التي بدأت في عام 1834م عندما زارها الضابط البريطاني " ولستد" ميناء قنا و حصن الغراب".

مما أسهم بعد ذلك في تكون الكثير من المعلومات التي كان لها الدور البارز في إماطة اللثام عن جزء كبير من تاريخ الإنسان وحياته في حضرموت .

وقد دلت المسوحات الأثرية فيها أنها قد مرت بعصور وفترات ما قبل التاريخ، حيث وجد أثر بقايا لحضارات إلى يومنا هذا على الرغم من مرورها بحقب زمنية طويلة والتي يعود تاريخها إلى العصرالحجري والبرونزي، وتتوزع في أماكن متباعدة ومتناثرة ابتداء من الصحراء وانتهاء بالبحر العربي.. إضافة إلى معالم العصر الإسلامي في مدنها المشهورة بهذا التراث العريق كسيئون، تريم، الشحر، والمكلا .

شواهد المخطوطات والنقوش الآثرية :

توجد في حضرموت العديد من النقوش والخريشات المكتوبة على الصخور والتي يصعب دراستها وفهمها، إلا أنها تعبر عن أسماء الآلهة والأعلام والمعتقدات وهموم الناس اليومية، إضافة إلى أنها أبرزت المعابد المنفردة للعبادة وهي إله الزهرة "عشر"، والقمر"سين"، والشمس"ذات حميم"، و"ذات صهران"و"ذات بعدن" .

وهناك شواهد للعصر الحجري منها نقوش يعود أقدمها إلى مليون عام "الباليوليت الأقدم"، وأحدثها إلى خمسة آلآف عام "النيوليت"،

وكذا معالم نقوش العصر البرونزي، وهي ذات أشكال ونحوت بشرية على الصخور لأفراد ملتحين يلبسون خناجر.

وكذلك توجد العديد من المعالم التي تنتمي إلى العصر الإسلامي كالمستوطنات، والتحصينات، والمساجد، والقلاع، والقباب، ومنشآت الري، والعمائر المنفردة وغيرها .

بقايا من مستوطنة ريبون
بقايا من مستوطنة ريبون
تقنيات البعثات الأجنبية في التنقيب عن الآثار :

أسهمت الكثير من البعثات الأجنبية منها الأوروبية على وجه التحديد منذ القدم إلى يومنا هذا، في إجراء التنقيبات، واشتراك قسم الآثار في حضرموت بترجمة تقارير هذه البعثات إلى اللغة العربية ونشاطاتها المتفردة والمتمثلة بحصر ودراسة القرى والمناطق والمواقع التاريخية الأثرية في عملية التنقيب عن الآثار والشواهد والمعالم في معظم أطراف حضرموت، حيث قامت بعثة إنجليزية أثرية في عام 1938م بأعمال الحفر والتنقيب في معبد بمستوطنة "مذاب" بالقرب من مدينة حريضة بوادي عمر، وهو معبد لإله القمر "الإله سين"، وكذلك دراسة المقابر الكهفية وقنوات الري المحيطة بالمستوطنة .

كانت للبعثة الأثرية الفرنسية التي عملت بوادي حضرموت دوراً استكشافياً في الفترة من عام 1978 حتى 1979م من خلال استكشافاتها الأثرية الواسعة في وادي عدم بدوعن، حيث أجرت أبحاثها على عدد من المعابد، كما أسفرت بعثة فرنسية أخرى في بداية عام 2001م عن نتائج اكتشافات أثرية لميناء إسلامي يعود للقرن الـ11 الميلادي بمنطقة شرمة، التي تبعد نحو 10 كيلومترات باتجاه الجنوب الشرقي لمدينة الديس الشرقية، وتوصلت إلى وجود مجموعة من الأكام والتلال الأثرية الصغيرة إلى جانب سور طوله 49 متراً يُعتقد أنه سور المدينة، وأيضاً جدران ومحراب لمسجد .

كما عثرت بعثة أثرية كندية التابعة لجامعة (تورينتو) في بداية 2001م على آثار لقنوات ري قديمة مهجورة بمنطقة غيل باوزير تعود للقرن الـ 14 الميلادي .

كما قامت بعثة يمنية - روسية مشتركة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي أعمال استكشافية في مستوطنات ( ريبون) بوادي دوعن، ومستوطنة ميناء (ميتأ) على الساحل، وحينها اكتشفت أعداداً من المعابد والبنايات اللبنية ومنشآت الري والمقابر المحيطة بمستوطنة ( ريبون) .

أيضاً قامت بعثة أثرية أمريكية في عام 1994م بتنقيب أثري في منطقة (جوجة) بالقرب من مدينة شبام.

منحوتة اثرية تعود لفترة ماقبل الميلاد
منحوتة اثرية تعود لفترة ماقبل الميلاد
المستوطنات والآثار التاريخية :

من أهم تلك المستوطنات في حضرموت مستوطنة (بير حمد)، (قرف البناء)، و(ريبون) في نهاية وادي دوعن، ومستوطنة (صوران) الواقعة في المنطقة المحيطة بقرية عادية بن صيفان الحالية في وادي لكسر، ومستوطنة (عقران)، التي تقع في منطقة القطن، وكذلك مستوطنات (جوجة) القريبة من شبام، و( مريمة ) إلى الشرق من مدينة سيئون، و( سونة) و(مشقعة) الواقعتان بالقرب من قرية الردود في وادي عدم .

كما توجد مستوطنة (قشاقش) الواقعة على رأس جبل بالقرب من قرية قارة آل ثابت الواقعة حالياً في منطقة بالكسر.

ومستوطنة (صوران)، التي تدل عليها الآثار، والواقعة في قرية (عادية بن عفان)، والعادية هو الاسم الذي يطلق على القرية حتى يومنا، وهذه المستوطنة ذكرت في النقوش السبئية القديمة، وذلك لمكانتها التاريخية بسبب وقوعها على طريق القوافل.

كما إن هناك مستوطنة (حبوضة)، التي تقع في مكان يسمى السرير إلى الشمال من سيئون لاتزال تحمل هذا الاسم حتى اليوم.

وتميزت مستوطنة (ريبون) القريبة من قرية المشهد خارج وادي دوعن، عن غيرها من المستوطنات بتطور نظام الري فيها.

حيث كانت تروي المساحات المزروعة والمحيطة بالمدينة بمساعدة شبكات الري المعقدة والمرتبطة بقناة رئيسية من مجرى دوعن.

كما توجد مستوطنة تسمى بـ (وداي عدم) بكامل منشآتها المتنوعة، ويعود تاريخها إلى نهاية العصر الحجري الحديث أو بداية العصر البرونزي.

ومن أهم منشآتها منازل دائرية لها مداخل ومقابر قبابية ذات أرصفة ومخازن لحفظ الغلال، وأحواش دائرية وأبنية اجتماعية دينية كبيرة الحجم وحواجز للمياه وأرصفة .

اطلال قارة الصناهج بمستوطنة(مريمة)
اطلال قارة الصناهج بمستوطنة(مريمة)
دلت الاكتشافات أن قرية باعلال " جنوب مدينة تريم" توجود فيها آثار تاريخية تعود إلى موقع موغل ما قبل الإسلام، ويرجح أن يكون معبداً قديماً وجد فيه بقايا فخار متناثرة وأحجار مصقولة ومنحوتة، عبارة عن مذبح على حافتها أحرف حميرية .

كما عُثر على آثار تاريخية في منطقة (سونة) جنوب قرية الردود في جميع مساحتها التي تشكل مدينة قديمة لتعرضها للخراب والدمار، ولاتزال بقايا الفخار والأحجار المصقولة موجودة، إلى جانب العثور على لوحة وجزء من مذبح.

وهناك شواهد تؤكد وجود آثار في منطقة (مشطة) الواقعة إلى الشرق من مدينة تريم، حيث عُثر أثناء الحفر في تلك المنطقة على قطعة حجرية فيها حروف مسندية دلت على أنها منارة لمسجد تم بناؤه على هذا الموقع الأثري .

وأيضاً عُثر في صحراء ثمود الواقعة إلى الشرق من مدينة تريم والقريبة من صحراء الربع الخالي على حجرة منحوتة عليها كتابة بالخط المسند.

إضافة إلى أحجار كبيرة أخرى منحوتة ومنتشرة في الموقع .

منظر عام لريبون الشمالية
منظر عام لريبون الشمالية
المصادر بتصرف:

- جان فرانسوا بريتون- ريمي أودوان- ليلى بدر- جاك سينيي/وادي حضرموت (1979-1978).

- لقاء مع رئيسة البعثة الأثرية الكندية من جامعة تورينتو البروفسور ( انجهيد هومير) لـصحيفة "الأيام"، العدد ( 3295 ) بتاريخ 9 / إبريل/ 2001م .

- اكتشافات أثرية لميناء إسلامي يعود للقرن الـ11 الميلادي بمنطقة شرمة، صحيفة "الأيام" العدد ( 3303 ) بتاريخ 28/ إبريل/ 2001م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى