كثر الله خيرها..

> فضل النقيب:

> الكهرباء لم تنقطع خلال الأسبوعين اللذين مضيا على وجودي في عدن، فأغرق مع كل الموجودات والأحياء في الظلام، والعرق في صيف يوليو اللاهب، وينبغي للإنسان أن يشكر الله على ذلك سرا، لأن للجدران آذانا، وربما هناك مختبئ ما كالجرذ يحسد الناس على هذه النعمة، فتنقطع الكهرباء مجددا، وتعود ريمة إلى عادتها القديمة، وعدن ليست كأي مدينة يستوي جمالها في الشمس وفي ضوء الكهرباء.. لا أبدا.. الأمر هنا يختلف ويصعب وصف كيف تلبس عدن ثوب النور ليلا فتستحيل إلى كنز مسحور من اللآلي المشعة والمجوهرات الثمينة، حيث يشتعل الغرام بين البحر وأعمدة النور، ومن يصدق ذلك فليتخذ له موقعا أعلى عقبة عدن، وينظر إلى ما دونه في بحر المعلا، أو فليتحرك بسيارته من أول الطريق البحري في كالتكس ليمتع ناظريه بآيات الجمال في مساحات الضوء والظلام والانعكاسات العاشقة في مياه البحر مقابل الواجهة الصخرية لجبل شمسان، وقد دعوت الله سابقا في هذا المكان من «الأيام» أن ينور حياة المحافظ الأسبق د.يحيى الشعيبي، الذي جاءت أنوار الشوارع الباهرة في ركابه ثم لم ترحل معه أو بعده، ولله المنة، لتبقى أمانة في عنق كل محافظ جديد، تبقى تحديا له لفعل المزيد، وقد جلست إلى جانب المحافظ الجديد المنتخب جزئيا، يعني من المجالس المحلية كغيره، وليس من الشعب، الدكتور عدنان الجفري، وهو على جانب كبير من البساطة والتلقائية والواقعية، فلم يحاول في حديثه كله أن يبيع الماء في حارة السقايين العدنية، وكان حديثه عن الكهرباء في إطار الممكن والمعقول، حيث أشار إلى جهود تبذل ومشاريع تنتظر الإنجاز، ولكنه قال إن الحل الناجز والنهائي ليس في زمن منظور، فكهرباء عدن مرتبطة بالشبكة الوطنية والشبكة الوطنية معلقة بأعمدة الغاز المتدفق من باطن الأرض المأربية، كما أن الشبكة الناقلة التي أكل الدهر عليها وشرب هي ثالثة الأثافي في هذه المعضلة التي يساعد أو قد يساعد على حلها المعرفة الوثيقة لرئيس الوزراء علي محمد مجور بأبعادها، والذي عجنها وخبزها وذاق مرارتها حينما كان وزير الكهرباء أيام (طفي لصي).. وعلى كل حال فموضوع الكهرباء هو من المواضيع الوطنية، وهي الشغل الشاغل لكل الناس وفي كل المناطق، وربنا يسامح الدكتور بهران الذي بشرنا بالنووي ثم نسي الموضوع وكأنه من مواضيع القات والمقايل، وذهب دون أن يقول حتى كلمة وداع (يالوماه وياعتباه). ومن لطيف الكلام الذي ذكر في المجلس أن (العم محمد) والد دولة رئيس الوزراء علي محمد مجور كان يشتعل غضبا حين تنطفئ الكهرباء ويقول في المسئولين عنها ما لم يقله مالك في الخمر، وكلنا كذلك كما يبدو.. فلما تولى ابنه المسئولية وكان يتصادف أن تنطفئ الكهرباء لم يكن يزد على القول: الله يهديهم أصحاب الكهرباء.. ما معنا غير ندعي لهم بالهداية.. وأنا أوجه الشكر للوالد محمد مجور، لأنه علمنا أن لكل مقام مقال، والكلمة الطيبة تكسر الحيد الصليب.

بقعة الأرض (البيضاء) الواقعة أمام فندق العامر في كريتر، حيث أقيم، والتي كنا نلعب فيها الكرة صغارا ثم نبدأ في المشاحنات مع اقتراب المغرب وأحيانا يصل الأمر إلى (المدارجة) ويشهد على ذلك صديقي عبدالله الحبيشي الساكن في المربع نفسه، وقد زارني بعد أن علم من مقالي السابق بمكان إقامتي، ولم يكلفه ذلك سوى عبور ميدان الكرة القديم، الذي تحول الآن إلى موقف للباصات وأصحابها الصناديد المقاتلين الذين لولاهم لكانت تلك القطعة الذهبية المليئة بالذكريات قد أكلت وهضمت ثم أخرجت شيئا آخر من عجائب هذا الزمان، وفي موزاة الميدان كانت هناك أرض أخرى موازية خلف بيت آل يوسف خان يلعب فيها الأطفال الأصغر سنا، وقد نصبت فيها صندقة كبيرة كان يجلس في صدارتها (علي حيرو) البطل الشهير في القتال بالعصا (الباكورة)، وقد عرفته بعد أن جنح إلى السلم وأعمال الخير والإصلاح بين الشباب الذين تنشب بينهم معارك الحافات بعد المغيب، وكانوا دائما يستجيبون له بوجهه المضيء وابتسامته العذبة وعلامة السجود على جبينه، أما ثابت الزغير لاعب الشباب الرياضي المشهور فلم يكن (يخزن)، ولكنه يستمتع بإظهار مهاراته الكروية مع الصغار فيما يشبه التدريب دون التزام، أما حين تنشب الاختلافات ويصادف وجوده فإنه كان يزيدها اشتعالا بتأليب هذا على ذاك، وتعيير الفتى الضعيف الذي انسحب، فيقول له: ضارب وأنا جنبك، وكان ذلك من المُتع التي يتسلى بها.

المنطقة المحيطة في شغل شاغل هذه الأيام برصف الحجارة في الشوارع بدلا من الإسفلت والحمدلله أن هذا المشروع الحضاري قد أعيدت إليه الروح بعد أن أصيب بالسكتة القلبية لفترة من الزمن.. كريتر أيها السادة، هرمت وانتهت صلاحية أكثر منشآتها، وأعتقد أن على المحافظ عدنان الجفري وأركان حربه أن يطوفوا هذه المدينة سيرا على الأقدام حيا حيا وشارعا شارعا، فهناك الكثير من العمل.. وكثر الله خير هذه المدينة التي استطاعت الصمود في حروب الأقيال والأفيال وآكلات النمل حيث النطيحة والقتيلة والمتردية وما أكل السبع. كثر الله خيرها.. أقولها من كل قلبي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى